عرف مسار تعديل قانون مهنة التوثيق العدلي محطات متعددة منذ 2010 إلى الآن، تختلف مخرجات الحوار في كل محطة عن الأخرى حسب كل وزير مكلف بتدبير القطاع..، إلى أن وصل هذا المسار إلى مراحل جد متقدمة في مسطرة التشريع، تفاجأت معها هيئة العدول وكافة التنظيمات الموازية لها (نقابة/جمعية)، ومعهم السيدات والسادة العدول عبر ربوع المملكة ببعض التراجعات الخطيرة.
وعقدت الجمعية العامة للهيئة الوطنية للعدول يوم الأحد 18 فبراير 2024 بمركز الاستقبال والندوات التابع لوزارة التجهيز والماء بحي الرياض الرباط جمعا عاما استثنائيا بدعوة من مؤسسة الرئيس الوطني على إثر التراجعات الخطيرة التي تضمنها مشروع القانون 16.22 المحال مؤخرا على القطاعات الحكومية في اطار مسطرة التشريع، والذي ضرب عرض الحائط في مجموعة من مواده مبادئ دستور 2011 ، وتوصيات ميثاق الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، ولاسيما التوصية 52 التي أوصت بمراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بودائع المرتفقين بما يضمن حمايتها وتحصينها. وتعتبرالجمعية العامة أعلى جهاز تقريري يحدد التوجهات الكبرى للهيئة الوطنية للعدول بالمغرب طبقا للمادة 60 من قانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة، وتداولت الجمعية العامة خلال هذا الجمع الإستثنائي مجموعة من النقط المتعلقة بمشروع القانون الحالي، و مسألة هدر الزمن التشريعي من طرف القطاع الوصي الذي تنصل من مخرجات الحوار والتزاماته الدستورية ومخرجات ورش إصلاح منظومة العدالة بحجج ومبررات لا أساس لها وغير مفهومة، حيث صرح الوزير أن الحكومة رفضت "منح العدول آلية الإيداع"، علما أن القطاع الوصي هو جزء لا يتجزء من الحكومة، وأن هناك تضامن حكومي يتجسد في ميثاق الأغلبية الحكومية، فإذا انطلقنا من حسن نية القطاع الوصي في الدفاع عن هذا المشروع دون تجزيئ، فما هي مبررات رفض "آلية الايداع" لدى باقي الاحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية ؟ (وهما حزبان فقط. التجمع الوطني للأحرار، وحزب الاستقلال). علما أن هذا المطلب هو في مصلحة المواطن الذي صوت لهذه الأحزاب، وهو آلية للعمل لا أقل ولا أكثر، وهو يهدف أساسا لحماية ودائع المرتفقين وحمايتها وتحصينها تأسيسا على مبدأ الحكامة الجيدة للمرافق العمومية، والمنصوص عليه دستوريا، المادة 157 من دستور المملكة، وهو من جهة أخرى التزام دستوري للحكومة في التنزيل السليم للدستور بصرف النظر عن كونه مطلبا مهنيا، خاصة أنه يحقق مصلحة المواطن أولا وأخيرا.
لهذه الإعتبارات خرج الجمع العام الإستثنائي بخطوات تصعيدية، نبسطها كما يلي:
1/ إلتفاف الجمعية العامة مع المكتب التنفيذي حول المطالب المشروعة للسيدات والسادة عدول المملكة.
2/ شجبها للتراجعات التي عرفها مشروع قانون 16.22 وتحميل وزارة العدل مسؤولية هدر الزمن التشريعي.
3/ تسطير برنامج نضالي وتنويعه بشكل تصاعدي إلى حين تحقيق المطالب المشروعة.
4/ تأكيد الجمعية العامة على أنها لن تقبل الإمتثال إلا لتوصيات ميثاق الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة باعتباره ارضية الحوار والتفعيل.
5/ تشبتها بالمحاضر الموقعة مع ممثلي وزارة العدل.
6/ تشبت الجمعية العامة بتوصيات الجموع العامة السابقة للهيئة الوطنية للعدول.
مما سبق، يتبين بجلاء أن رفض "آلية الايداع" غير مؤسس ويتعارض هذا الرفض مع مبادئ الدستور، وتوصيات ميثاق الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، مما يطرح علامة استفهام كبرى على القطاع الوصي ومعها أحزاب الأغلبية الحكومية وميثاقها، فلا ميثاق إصلاح منظومة العدالة ولا ميثاق الاغلبية كذلك، مما سيساهم في المزيد من الإحتقان، والتصعيد وسيعمق أزمة "مصداقية المؤسسات" التي ما فتئ الملك محمد السادس يدعو في خطاباته الى ضرورة احترامها استنادا الى الوثيقة الدستورية..