ما هو المدخل القانوني لإعادة ترتيب البيت الداخلي لمنظمة الاتحاد الإفريقي، وما هي مسطرة طرد دولة الجمهورية الصحراوية الديمقراطية المزعومة من الحاضنة المؤسساتية الإفريقية؟
حينما نصف الكيان المزعوم المسمى: بـ "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" بكونه وهميا، فلأنه يفتقد للمكونات المادية والقانونية لمفهوم الدولة؛ بحيث أنه لا يتوفر على شعب صحراوي يتميز بالانسجام المعنوي المبني على اتحاد الجنس واللغة والدين والأماني ووحدة التاريخ، إذ أن الصحراوين مقسمين بين المغرب ومالي وموريتانيا والجزائر، والأساس في ذلك أن الرابطة السياسية والقانونية المتمثلة في الجنسية تبقى منعدمة، وبالتالي فلا وجود لشعب صحراوي لانعدامه في الأرشيف التاريخي للمنطقة ككل ولانعدام جنسية صحراوية خاصة به. فضلا عن عدم تواجد إقليم صحراوي لانعدام ثبات شعب عليه ولغياب حدود واضحة له، كما أنه لا يصح تأسيس دولة في المنفى وتقسيم شعب هذه الدولة بين مجموعة من الدول...
أما فيما يخص السلطة السياسية فتبقى منعدمة لانعدام مقومات الشعب والإقليم الصحراويين، إذ لا يجوز أن تكون هناك سلطة سياسية خارج حدود ترابها المفترض، هذا بالإضافة إلى انعدام سيادتها الداخلية والخارجية على حد سواء، مما يبرر انعدام شخصيتها المعنوية أمام تبعيتها للجزائر. أما الاعترافات الدولية فقد تراجعت، إذ أنه ما يبنى على باطل فهو باطل؛ بحيث لا يمكن الاعتراف بسلطة سياسية لا تبسط سيطرتها على شعب فوق إقليم محدد. وإنما كانت الاعترافات الدولية قد وصلت أوجها في عهد الحرب الباردة في أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، ترجمة لحمة الحرب الباردة وحشد التأييدات وكسر شوكة حلفاء طرفي الحرب الباردة، كما أنها لم تكن موجودة في الحقبة الزمنية التي تأسست فيها لا منظمة الأمم المتحدة ولا جامعة الدول العربية ولا حتى اتحاد المغرب العربي...
لا بل ولم تدخل كعضو في منظمة الوحدة الإفريقية إلا في ظرفية استثنائية وبدون سند قانوني، لتورث هذه الوضعية اللاقانونية لمنظمة الاتحاد الافريقي إبان تأسيسه، مما استوجب ضرورة تصحيح مسير هذه الحاضنة المؤسساتية القارية.
وهو ما يضطرنا إلى ضرورة التساؤل عن المدخل القانوني لتصحيح الوضع الداخلي لمنظمة الاتحاد الإفريقي، من خلال تبيان مسطرة طرد دولة الجمهورية الصحراوية الديمقراطية المزعومة من الحاضنة المؤسساتية الإفريقية؟
المحور الأول: المدخل القانوني لإعادة ترتيب البيت الداخلي لمنظمة الاتحاد الافريقي
أبان المغرب من خلال تدخله السلمي من أجل تطهير المعبر التجاري الرابط بين المغرب وعمقه الإفريقي عن انتهازية أعضاء جبهة البوليساريو وعدم مسؤولية دولة الوهم عن تصرفات تمثلهم. وفي خضم ذلك وفي إطار تحليل المعطيات القارية؛ يمكن تقييم رجوع المغرب إلى المؤسسة القارية لإفريقيا، من خلال عدة مستويات؛ إذ منذ انضمام المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي لم تعترف أي دولة جديدة بالكيان الوهمي. وعندما نصف هذا الكيان بكونه وهميا فهو ترجمة صريحة لمفهوم الدولة من المنظور القانوني مع ضمان الحياد الإيجابي للمنظمة الإفريقية في تعاطيها مع مسألة الوحدة الترابية للمملكة المغربية وجعلها مسألة حصرية تحت أنظار مجلس الأمن الدولي.

هذا علاوة على التضييق على الكيان الوهمي قاريا من خلال هذه المنظمة؛ بمقتضى توالي عمليات سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية، بحيث أنه في ظرف أقل من أربع سنوات تم إقناع ست دول إفريقية لسحب اعترافها بهذا الكيان، لتنحصر عدد الدول المعترفة به إفريقيا من 20 إلى 14 دولة.
فإذا كانت الصحراء "آخر مستعمرة في إفريقيا" كما يزعم خصوم المغرب، فلماذا قامت 59 دولة بسحب أو تجميد اعترافها بالجمهورية الوهمية أو بالجبهة ذاتها. بحيث تقلص عدد الاعترافات من 84 دولة إلى 25 دولة.
وعطفا على ما سبق، نقر بأن الجمهورية الصحراوية الوهمية اعترفت بها 84 دولة عضوا في الأمم المتحدة. بحيث تم الاعتراف بها في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي ما يقارب 43.5% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، 38 من الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي لاحقا البالغ عددها 54 دولة، أي 70%، و18 دولة من بين 57 دولة عضو 32% في منظمة التعاون الإسلامي، وخمس دول من الدول الأعضاء الـ 22 أي 23% في جامعة الدول العربية.
ومن بين هؤلاء، 59 منهم «جمدوا» أو «سحبوا» اعترافهم. ولم يبقى إلا 25 دولة موزعة بين كل من: إفريقيا 14، وآسيا 4، وأمريكا الجنوبية منها 7. وهي وضعية فريدة في عالم العلاقات الدولية، بحيث لم تسجل أي دولة هذا النكوص في الاعترافات. إذ بدأت الدول تقتنع بوهمية الدولة الصحراوية، وانعدام مرتكزات تأسيسها، وتلاشي مقومات استمرارها. ذلك من مقومات استمرارية الدولة في الحقل الدولي هي قدرتها على التعايش، هذا الأخير الذي من المفترض عدم إتيانها إلا بتشبيك العلاقات وتوسيع رقعة الاعترافات وتوطيد المكتسبات، وهو ما تم افتقاد بوصلة الاهتداء إليه من قبل بائعي الوهم والسراب إلى ساكنة لا حول لها ولا قوة، وإلى دول بدأت تستفيق من سبات النوم في عسل البترودولار الجزائري
وتأسيسا على ما سبق، دشنت المملكة المغربية ما يمكن وصفه «بدبلوماسية القنصليات»، عبر افتتاح قنصليات بالأقاليم الجنوبية للملكة نهاية 2019 باستهلال جزر القمر أول قنصلية بالمنطقة، ثم أعقبتها افتتاح قنصليات دول إفريقية أخرى، في بداية 2020 لتتوالى عمليات افتتاح التمثيليات الإفريقية لتبلغ لما يفوق ثلث العدد الإجمالي للدول الإفريقية لتتوزع على كل مناطق القارة. وبافتتاح الإمارات أول قنصلية عربية وهايتي كأول دولة غير عربية وغير إفريقية، أعقبها الإقرار الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء واعتزامه بتدشين قنصلية بالداخلة نقطة تحول محورية في هذا السياق، لتصل إلى 28 قنصلية مع متم شهر غشت من سنة 2022 موزعة على القارات الثلاث إفريقيا، آسيا، وأمريكا. بحيث؛ تضم مدينة العيون 12 قنصلية في حين تشمل مدينة الداخلة 16 قنصلية. هذا ما يمكن اعتباره بمثابة إقرار للسيادة المغربية على إقليمه ونسف لأوهام الجمهورية الممتدة على طول نصف قرن من الزمن. وهو ما يعتبر أحد المبررات القانونية الأساسية لطرد جمهورية الوهم الصحراوية من الاتحاد الإفريقي.
مما يستدعي ضرورة تصحيح الانحراف القانوني والتفسير السياسي الخاطئ المتمثل في القبول غير القانوني وغير المشروع، والاستمرار بالحفاظ غير المبرر داخل المنظمة القارية على شبح دولة قد تكون مصدر إلهام للحركات الانفصالية داخل القارة.
ذلك أن انضمام وفد الجمهورية الوهمية الصحراوية إلى منظمة الوحدة الإفريقية، سنة 1982 بأديس أبابا، كان خطأ سياسيا غير محسوم النتائج، تكرس بمقتضى جهل بعض الدول الإفريقية، آنذاك، بطبيعة النزاع، فضلا عما واكب هذا الإجراء من إفساد للذمم الذي كانت الجزائر تقوم به وسط المنظمة. ذلك أن الجمهورية الوهمية أصبحت عضوا «كاملا» في منظمة الوحدة الإفريقية اعتبارا من 22 فبراير 1984، وهو ما كان منافيا للمادة الرابعة من الميثاق المؤسس للمنظمة التي تقضي بكون العضوية في المنظمة مقتصرة فقط على الدول الإفريقية المستقلة وذات السيادة. الشيء الذي لم يكن متوفرا في هذه الدولة الوهمية. فضلا عن كون قبول العضوية يتقرر حسب المادة 28 من ذات الميثاق بالأغلبية المطلقة، وهو ما لم يتأتى لهذه الدولة المزعومة بحيث تم حيازة الأغلبية البسيطة فقط وهو ما اعترف به السيد: «آدم كودجو» الأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية آنذاك، بأنه ارتكب جريمة بعقده صفقة منح العضوية لجمهورية وهمية لم تكن تتوفر فيها الشروط القانونية المطلوبة.
ولئن كان القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي يخلو من الإجراءات القانونية لسحب العضوية من أي منتم لهذه الحاضنة المؤسساتية. فيمكن استقراء الأهداف والمبادئ المنصوص عليها في القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي الواردتين في المادتين الثالثة والرابعة؛ اللتان تؤكدان على ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي وسيادة واستقلال الدول الإفريقية. خاصة أن جهة الصحراء بات لها ممثلين قانونيين لساكناتها بعيدا عن ترهات جبهة البوليساريو بتقمصها دور الممثل الوحيد لما تعتبره الشعب الصحراوي. ذاك أن الانتخابات تعتبر بمثابة الأداة المُعبَّر من خلالها عن «النيّة الصادقة» للسّلطات في تجاوز عمليات التعيين إلى ترسيخ مفهوم «الديمقراطية التمثيلية»، التي تقوم على محددين أساسيين، إذ يتمثل الأول في الانتخاب كآلية لانتقاء الحائز على السلطة، في حين يتمثل المحدّد الثاني في القبول بوجود جسم خاص مشكّــل من الممثلين، ومن خلال هذه التمثيلية تبرز أهمية الانتخابات في ترجمة الحاجات السكانية إلى ممارسات واقعية لترسيخ الحقوق القومية.
وفي هذا الإطار، تؤكد المعطيات المتعلقة بالانتخابات المنظمة بعد اعتماد الدستور المغربي لسنة 2011 تميز المشاركة السياسية للأقاليم الجنوبية، حيث أكدت الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة -لسنة 2021- ترسيخ بشكل جلي أهمية مشاركة أبناء الأقاليم الجنوبية في الاستحقاقات الانتخابية ليوم 8 شتنبر 2021التي ترنو إلى ترسيخ مرتكزات التوجه الديمقراطي للدولة، وهو ما يمكن استقراؤه من خلا النتائج التالية:
نسبة المشاركة على المستوى الوطني
50.86%
نسبة المشاركة على مستوى الأقاليم الجنوبية :
63.89%
68.71%
59.05%
من خلال المعطيات السالفة، يتبين أن نسبة المشاركة على المستوى الوطني «المغربي» بلغت أكثر من 50 بالمائة، في حين بلغت نسبة المشاركة في الأقاليم الجنوبية للمملكة أكثر من 68 بالمائة في جهة العيون – الساقية الحمراء، و59 بالمائة في جهة الداخلة – وادي الذهب، وما يقارب 64 بالمائة في جهة كلميم واد نون.
وحصل المرشحون بأقاليم الجهات الثلاث الجنوبية، من بين 395 مقعدا برلمانيا بمجلس النواب، على 34 مقعدا، منها: 14 مقعدا لجهة العيون الساقية الحمراء، و7 مقاعد مخصصة لجهة الداخلة وادي الذهب، و13 مقعدا لجهة كلميم واد نون. كما تم انتخاب 17 مستشارا من هذه الأقاليم بمجلس المستشارين من بين 120 مستشارا. كما حصل 111 مستشارا من هذه المناطق على عضوية مجالس الجهات الثلاث بالصحراء المغربية، موزعة بين 39 مقعدا لجهة العيون الساقية الحمراء، و93 مقعدا لجهة كلميم واد نون، و33 مقعدا لجهة الداخلة وادي الذهب.

وفي هذا الإطار، يمكن تمثل ما أظهره سكان هاتين الجهتين من الصحراء المغربية من انخراط كبير في هذا الاقتراع الثلاثي، بنسب مشاركة هي الأعلى في المغرب، إذ أن المشاركة المكثفة لسكان الصحراء المغربية في هذه الانتخابات تشكل تأكيدا جديدا، من خلال صناديق الاقتراع، على التشبث الراسخ للمواطنين في الأقاليم الجنوبية بمغربيتهم، وكذا بممارسة حقهم غير القابل للتصرف في التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية، في إطار السيادة والوحدة الترابية للمغرب. مما ينسف المقتضيات الوهمية لتمثيلية «الشعب الصحراوي» من قبل جبهة البوليساريو.
وفي إطار تصحيح الوضعية الراهنة لمنظمة الاتحاد الإفريقي؛ تتيح المادة الـ 32 من ميثاق الاتحاد الإفريقي إمكانية تقديم أية دولة عضو بمقترحات لتعديل أو مراجعة قانون الاتحاد؛ وهو ما يفتح المجال أمام المغرب أو مجموعة من الدول الصديقة له للتقدم بمقترح في الموضوع، بعد تراجع الدعم الذي كانت تحظى به الجبهة في التنظيم القاري.
هذا المقترح الذي يجب أن يسانده ثلثي أعضاء الاتحاد؛ مما يتطلب معه حشد الإرادة السياسية لحمل 38 دولة عضوا بالاتحاد الإفريقي «على الأقل» على تحمل مسؤوليتها للتصويت على طرد كيان غير دولتي، عبر إعادة الاعتبار للقانون المؤسس للاتحاد. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المغرب انضم إلى الاتحاد الإفريقي عبر تأييد 39 دولة، وأن المساندين للنداء الرسمي بطرد الجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي أو ما يعبر عنه بنداء طنجة «الذي أطلق يوم 4 نونبر 2022 بطنجة» يفوق 30 دولة، فإن هذا يعني أن تفعيل هذا الإجراء المسطري لا تفصله عن التطبيق إلا زمن افتراضي ليس بالبعيد.
وبمقتضى ذلك يمكن تعديل المادة 29 من القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي الخاصة بقبول العضوية، استرشادا بما جاء في المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، بحيث تكون العضوية في «الاتحاد الإفريقي» مباحة لجميع الدول الإفريقية ذات السيادة الكاملة والمتمتعة بالشخصية القانونية والمُحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا القانون، والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيه .
كما يمكن تغيير مقتضيات المادة التاسعة من القانون الأساسي للاتحاد لتشمل مهام مؤتمر رؤساء الدول وحكومات الاتحاد إمكانية الإقرار في تعليق عضوية أحد الأعضاء أو تجميد عضويتهم أو النظر في طلبات فصل أحد أعضاء الاتحاد. في أفق توسيع مدارك المادة 31 من القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي الخاصة بإنهاء العضوية لتشمل إمكانية توقيف مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد أي عضو أخل بمبادئ الاتحاد وأهدافه، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها. وإذا أمعن عضو من أعضاء «الإتحاد» في انتهاك مبادئ القانون المؤسس له جاز للجنة الاتحاد أن ترفع تقريرا لفصله من الهيئة إلى مؤتمر الرؤساء الذي يتخذ القرار بناء على الإجماع أو أغلبية الثلثين.
هذا التغيير الذي تمليه القناعة الراسخة التي باتت تحدو دول القارة والعالم بكون وجود هذا الكيان الانفصالي إنما يساهم في استفحال التهديدات الإرهابية التي تحدق بالمنطقة برمتها، خاصة بعدما أبانت تقارير أمنية عدة تورط أعضاء جبهة البوليساريو في عمليات إرهابية متعددة ومتنوعة.
وفي أفق تغيير القانون المؤسس للاتحاد بما تم تبيانه سابقا، يمكن تفعيل مقتضيات المادة 30 لتعليق مشاركة الجمهورية الوهمية في أنشطة الاتحاد، ذلك أن مقتضيات هذه المادة يمكن إسقاطها على جبهة البوليساريو نتيجة سطوتها على السلطة منذ نصف قرن من الزمن، وعدم فتح المجال أمام تكوين الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني وعدم إشراك ساكنة تندوف في السلطة؛ مما يعتبر اغتصابا لحقهم في تقرير مصيرهم السياسي.
وهو الإجراء الذي يستوجب تفعيل مقتضياته كلما توفرت الشروط المفضية إلى حالة عدم استقرار الوضع السياسي أو التغيير اللاشرعي للنظام الدستوري لدولة عضو أو بسبب الانقلابات العسكرية...، كما جرى بالنسبة لمدغشقر وجمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا بيساو سنة 2012، ومصر بعد الانقلاب العسكري، والتي استعادت عضويتها سنة 2014 بعد إجراء انتخابات بالبلاد. وتعليق عضوية مالي على خلفية الانقلابين العسكريين اللذين شهدتهما البلاد في مايو/ يناير 2020-2021، وفي 27 أكتوبر 2021 علق الاتحاد مشاركة السودان في أنشطته، بعد يومين من «استيلاء الجيش السوداني على السلطة وحل الحكومة الانتقالية». كما سبق أن تم تعليق عضوية مالي وبوركينا فاسو وغينيا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس»...
ذلك أن عدالة القضية تتلخص في أن وجود هذا الكيان الوهمي المنبثق عن جماعة انفصالية مسلحة، يعكس الهشاشة المؤسساتية للاتحاد الإفريقي، ويمثل عقبة لا جدال فيها أمام الاندماج الاقتصادي الإقليمي والقاري الذي ترنو إلى تحقيقه من خلال الأهداف والمبادئ المرتكز عليها أثناء التأسيس.
المحور الثاني: الإبقاء على وهم الجمهورية إنذار بزرع جرثومة الانفصال العنقودية
من وجهة نظر القانون الدولي العام، وإذا ما اعتبرنا أن حق تقرير المصير يعتبر مبدأ حائزا لصفة القاعدة الآمرة «كما سبق تبيانه»، فإنّ الانفصال عن الدولة الأم يمكن اعتباره مرفوضا جملة وتفصيلا في المنظم الدولي. بحيث لا يمكن أن نستنتج من وجود حق الحث في التحرير أساسا لحق الانفصال، فالأمر يتعلق بظاهرتين منفصلتين تماما. إذ أن الأولى هدفها تصفية الاستعمار، في حين أن الثانية تصطدم بمبدأ قانوني وضعي راسخ في القانون الدولي المعاصر، ألا وهو مبدأ التكامل الإقليمي للدول المستقلة.
ذلك أن تقرير المصير بمقتضى آلية الاستقلال أو الانفصال، قد ارتبط وجودا بالشعوب المستعمرة أو المضطهدة، مما خوّل لها إمكانية التحرّر بمختلف الوسائل المتاحة، بل وضمان المساعدة الدولية للوصول إلى هذا المبتغى، إذ أنّ للشعوب كافة، الحق في مقاومة الاحتلال الأجنبي. أما عملية الانفصال فترتبط بتهديد سلامة الوحدة الإقليمية للدول، واحتمال انجرارها إلى التقسيم اللانهائي، وتشتيت الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للإقليم المكون للدولة. ناهيك عن الهاجس المواكب للخوف من البلقنة وسيادة نظرية "الدومينو" في هذا المجال، بحيث إذا انفصلت الكردستان عن تركيا سيشجع أكراد العراق على الانفصال عن بغداد. وهو ما ينطبق على أندونيسيا، فحينما انفصلت تيمور الشرقية وأعلنت استقلالها، تمّ تشجيع إقليم "أتشيه" "Acech" على المطالبة بالانفصال عن جاكرتا، مما قد يؤدي إلى التقسيم اللانهائي لأندونيسيا التي تتكون من عدة جزر مشتتة. وبنفس الكيفية، أعقب انفصال إقليم سلوفينيا عن يوغوسلافيا تشجيع الجمهوريات الأخرى على المطالبة بالمثل، إذ انفصلت مقدونيا وكرواتيا عن بلغراد، ومحاولة كوسوفو الانفصال عن صربيا في تسعينيات القرن الماضي شجع هو الآخر، الأقلية الألبانية القاطنة في مقدونيا على الكفاح المسلح من أجل الانضمام إلى كوسوفو، كما استقلت جمهورية الجبل الأسود عن الجمهورية الفيدرالية اليوغسلافيا سنة 2006.
وعليه، فإنّ المستوى الداخلي لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها لا يمكن المساس في أي حال من الأحوال، بالسلامة الإقليمية والوحدة السياسية للدول المستقلة ذات السيادة، الملتزمة في تصرفاتها بمبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها، والتي لها حكومة تمثل شعب الإقليم كله دون تمييز بسبب العنصر أو العقيدة أو اللون.
وعلى إثر ذلك، وبمقتضى حق تقرير المصير الداخلي، للشعب حرية اختيار شكل الحكومة بأساليب ديمقراطية دون تدخل أجنبي، اللهم إلا إذا كانت بعض المساعدات التنظيمية والتقنية والمراقبة الأممية في بعض الأحيان، كما حصل في "هايتي سنة 1990 وكمبوديا سنة 1993 والسالفادور سنة 1994".
ومن هذا المنطلق، استمرت الجمعية العامة في مساندة جزر القمر في مطالبها حول جزيرة "مايوت Mayoutte"، حيث كان من المهم من وجهة نظر الجمعية العامة هو وحدة الإقليم، ولا أهمية هنا لرغبة جزء من السكان يريد البقاء تحت السيطرة الفرنسية ممزقا وحدة البلاد، ذلك لأن الجمعية العامة حريصة على وحدة وتكامل إقليم الشعوب المناضلة من أجل حق تقرير المصير. كما سبق وأن قال- السيد "آش روي" مدير معهد العلوم الاجتماعية الهندي: إن غياب الديمقراطية وتركز السلطة في المركز والتمييز ضد الأقليات أو المجموعات العرقية" هي الأسباب الرئيسية للانفصال أو التشظي في أي دولة.
مما يعني أن تقرير المصير المرتبط بالانفصال والاستقلال المدافع عنه في أروقة الأمم المتحدة، والمنصوص عليها في مختلف قرارات مجلس الأمن، وإعلانات الجمعية العامة ومختلف مصادر القانون الدولي الأممية، منحصر في معناه الخارجي لا الداخلي منه. إذ أنّ التطبيق الضيق لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها والمتمثل في الانفصال وتشكيل دولة "مستقلة"، سيخلخل دون أدنى شك موازين القوى العالمية، مع تكريسه لمعاني المجتمع الدولي الفوضوي في أبهى صوره، بحيث أنه إذا ما «طالبت كل مجموعة عرقية أو دينية أو لغوية بصفة الدولة، فلن يكون للتجزئة حدود، وسيصبح السلم والأمن والرّفاه الاقتصادي للجميع أبعد منالا بكثير». ولتفادي مثل هذه المخاطر، وجبت ضرورة الالتزام «بحقوق الإنسان مع إحساس خاص بحقوق الأقليات، سواء أكانت عرقية أو دينية أو اجتماعية أو لغوية».
وبالتالي، فإن عملية الانفصال المؤدية إلى إنشاء «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» المزعومة ستؤدي إلى تقسيم السيادة. إذ أنّ حصر حق الاستفتاء على حق تقرير المصير لمجموعة محددة من سكان دولة يتمتع كل مواطنيها بحق المواطنة والجنسية المغربية التي تكفل لهم حق التنقل والاستقرار في أي مكان في الوطن، وحق التصويت والمشاركة في الشئون السياسية، خاصة تلك التي تتعلق بمصير الوطن وسلامة أراضيه... وبالتالي، فإنّ في ذلك حرمان للأغلبية من التصويت خرقاً للضمانات الدستورية وحقوق الإنسان التي تكفل المساواة في المعاملة بين المواطنين، خاصة المشاركة السياسية في شأن ما يسمى سيادة الوطن ومصيره ومستقبله. وفيما يسمى بالنظام الديمقراطي إذ يسمح للأقلية بممارسة حق تقرير المصير وحرمان الأغلبية من حق حماية سيادة الوطن ووحدة أراضيه.
هذا بالإضافة إلى خطر التقسيم اللامتناهي، إذ سيؤدي منح سكان الأقاليم الجنوبية حق تقرير المصير عبر الانفصال، إلى إفراز أزمة مزمنة يمكن تسميتها بالخطر اللّامتناهي. إذ ليس هناك من مانع لسكان الجزائر من تغذية هذا الطموح عبر تفتيت وحدتها شمالا وجنوبا، نفس الشيء من المؤكد أنه سينتقل بوتيرة متسارعة إلى كل من ليبيا وموريتانيا ومالي... بحيث سينجم عن العملية الانفصالية خطر البلقنة في الأقاليم الجنوبية نفسها، إذ أن انفصال الأقاليم الجنوبية، سيؤدي إلى حروب داخلية بين قبائله المختلفة، فضلا عن خلق منطقة رمادية في منطقة الساحل والصحراء من الصعب التحكم في المخاطر العابرة للحدود التي ستنجم عنها.
وعليه، فإن تصفية الاستعمار، فيما يخـص المغرب، قد تحققت فيـه بالفعل، وبصـورة لا تقبل التجزئة بالأمرين مـعـا، أي باستعادة الاستقلال، وباسترجاع الأراضي المغتصبة. وعـلى هـذا فـإن ما كان يسمى بالصحراء الإسبانية سابقا، والتي انضمت إلى المغرب وطنهـا الأم، قـد وقعـت تصفية الاستعمار منهـا، وفقـا لـقـرار الأمـم المتحـدة 1514(15) لسنة 1960. ومـن هـنـا يـحـق لـنـا القـول، كـما أشرنا إلى ذلك أعـلاه، بأن المشكل الجوهـري والحقيقي، الـذي هـو تصفية الاستعمار، قـد حـل. وبالنسبة للمغـرب فـإن هـذه الصفحـة المهمة في تاريخـه، قـد كتبت بصـورة نهائيـة، ثـم طـويـت بصـورة جذرية.
وتأسيسا على ما سبق ، يتأكد بأن الإبقاء غير المبرر للجمهورية الصحراوية الوهمية ضمن المنظمة القارية للاتحاد الإفريقي يعتبر سببا مباشرا في عرقلة الدينامية الإفريقية التي باتت تتخذ طريق الصعود في مؤشراتها، كما سيشكل تهديدا للأمن والسلم بالمنطقة من خلال زرع جرثومة التقسيم اللامتناهي داخل الدول التي باتت لها مكانتها الدولية والقارية على حد سواء، كما سيقف عائقا أمام التكامل السياسي والاقتصادي لإفريقيا التي تشرئب إلى تحقيقها شعوب القارة، لا سيما وأن هذا الكيان لا يخضع لمقومات الدولة، ولا يتمتع بأية سيادة أو استقلال أو مسؤولية قانونية دولية.