الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

العربي محمد مياد: الإضراب حق دستوري أم فقط رخصة مقيدة ؟

العربي محمد مياد: الإضراب حق دستوري أم فقط رخصة مقيدة ؟ العربي محمد مياد
بعد مرور عقود على صدور أول دستور رسمي، أحالت الحكومة مشروع قانون تنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب على مكتب مجلس النواب يوم 6 أكتوبر 2016 الذي أحاله بدوره على لجنة القطاعات الاجتماعية يوم 3 فبراير 2017 قصد الدراسة واتباع المسطرة المعتادة.
وتأتي هذه المبادرة في إطار تنزيل مقتضيات دستور 2011 ، ولا سيما الفقرة الثانية من الفصل 29 التي تنص على أن "حق الاضراب مضمون ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته." وهي الفقرة المتداولة في كل دساتير المملكة بدءا من الظهير الشريف رقم 1.61.187 بمثابة القانون الأساسي للمملكة والصادر بتاريخ 8 يونيو 1961.
ولدراسة حق الاضراب من كل جوانبه القانونية بالأساس، ارتأينا تقسيم الموضوع إلى قسمين، القسم الأول نخصصه لواقع حق الاضراب في ضوء القوانين الجاري بها العمل، والثاني لحق الإضراب في ضوء مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 السالف الذكر.
 
القسم الأول: واقع الاضراب في ضوء القوانين الجاري بها العمل
يعتبر الاضراب حلقة مؤثرة في العلاقة بين السلطة والطبقة الشغيلة، تعاملت معه التشريعات الدولية والوطنية بكثير من الحذر وشيء من النفاق في بعض الأحيان ، ذلك أنه إلى وقت قريب، كان الاضراب عنوان الخروج عن الطاعة، طاعة الأجير للسلطة المادية والمعنوية للمشغل، أي الرأسمال . ويقصد بالمشغل في مفهوم المادة 6 من القانونرقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.194 بتاريخ14 من رجب 1424 (11 سبتمبر 2003) كما وقع تعديله وتتميمه، كل شخص طبيعي أو اعتباري، خاصا كان أو عاما، يستأجر خدمات شخص ذاتي واحد أو أكثر؛ في حين يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني، تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين، لقاء أجر، أيا كان نوعه، وطريقة أدائه.
وهذا التعريف لم يأخذ به حرفيا مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المشار إليه أعلاه ، حينما عرف في المادة 3 الأجير، بأنه كل شخص التزم ببدل نشاطه المهني، ويعمل تحت امرة مشغل، يكون تابعا له، وذلك مقابل أجر، أيا كان نوعه أو طريقة أدائه، سواء كان يعمل في القطاع الخاص أو في القطاع العام .
وميزت هذه المادة بين المشغل في القطاع الخاص ونظيره في القطاع العام، ذلك أنه يعتبر مشغلا في القطاع الخاص كل شخص خاضع للقانون الخاص يستأجر خدمات أجير للقيام بأعمال، في مقاولة أو مؤسسة .وفي المقابل يعتبر مشغلا في القطاع العام كل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام يسهر على تدبير مرفق عمومي، ويمارس بهذه الصفة صلاحيات السلطة العمومية.
وقد تعهدت الدول الأطراف في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بتاريخ 16 دجنبر 1966، الذي صادق عليه المغرب [1] ولاسيما بمقتضى الفقرة "د" من المادة 8، بكفالة حق الاضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني. ويأتي هذا التعهد مباشرة بعد التنصيص في الفقرة السابقة على حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية.
وانطلاقا من أول دستور عرفه المغرب بعد الاستقلال لسنة 1961، تم إقرار بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من ضمنها حق الشغل في الفصل 13، وكذا حق الاضراب في الفصل 14 منه، غير أن ممارسته علقت على صدور قانون تنظيمي، وتكرس هذا المبدأ من خلال الدساتير المتوالية، الشيء الذي لم يتحقق إلى حد الآن.
ومما ينبغي التذكير به أن المشرع المغربي عالجعقد العمل تحت عنوان إجارة الخدمة، حينما عرفه فيالفصل 723 من قانون الالتزامات والعقود بأنه " عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته لأجل محدد، أو من أجل أداء عمل معين في نظير أجر يلتزم هذا الآخر بدفعه له ." لكن في المقابل لم يعالج حق الاضراب ضمن مقتضيات هذا القانون، باعتباره الشريعة العامة .
وفي المقابل أتى عقد الشغل بمقتضيات مهمة في هذا الشأن، ذلك أنه طبقا للمادة 32 من مدونة الشغل السالفة الذكر، يعتبر عقد الشغل متوقف مؤقتا أثناء مدة الاضراب.
هذا، ومن الفائدة التذكيركذلك، بأنه طبقا للفصل الأول من الظهير الشريف يتعلق بالمصالحة والتحكيم فيما يرجع للمنازعات الناشئةعن الخدمة بين المؤاجرين والأجراء الصادر في 19 يناير 1946، كان من اللازم أن تجري طرق المصالحة والتحكيم على جميع المنازعات الناشئة عن الخدمة والعمل قبل أن يغلق المشغلون أبواب المصانع، أوأن يشرع الأجراء في الإضراب ولاسيما في المشاريع الفلاحية والتجارية والصناعية وفي المهن الحرة.وبذلك كان التوجه لدى المشرع ابان الحماية اعتبار الاضراب وسيلة احتياطية لفض نزاعات الشغل، وليس الوسيلة المثلى والأساسية.
وفي الوقت الراهن، طفى على السطح نقاش حاد بين رجال الأعمال والسلطات العمومية من جهة، والنقابات والمأجورين من جهة أخرى، حول مشروعية الإضراب في ظل غياب نص تنظيمي ينظمه، ولكل مبرراته وخلفياته وأهدافه .
ففي الوقت الذي تتمسك السلطة التنظيمية بالقول، بأن ممارسة حق الإضراب مقيد بصدور قانون تنظيمي لم ير النور بعد مند صدور الدستور المغربي الأول بعد الاستقلال سنة 1962، وفي ذات الحين فإنها لا تمنع من ممارسته بالمطلق، ولكن الأجر يبقى مقابل العمل، استنادا إلى مقتضيات الفصل 41 من المرسوم الملكي رقم 66.330 بتاريخ 10 محرم 1387( 21 أبريل 1967 )بسن نظام عام للمحاسبة العمومية، كما وقع تعديله وتتميمه ،وبالتالي فإنه لا يمكن أن يتم أداء الراتب الشهري إلا بعد تنفيذ العمل .بينما تتمسك النقابات والتنسيقيات المهنية بالمبدأ العام الوارد في الدستور، والمتمثل في أن الإضراب ليس رخصة وإنما حق من الحقوق الدستورية ، بدليل أن المشرع الدستوري نص في الفصل 29 على أن حق الاضراب مضمون، بحيث قرن الاضراب بالحق. وختم هذا الحق بنقطة، وأستطرد بأنه " ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته ." والواو" هنا ليست واو العطف ،وإنما واو الترتيب . والحكومة هي الملزمة بإعداد مشروع قانون تنظيمي في هذا الشأن، ولا حرجعلى النقابات إذا لم ير النور هذا النص التنظيمي لحد الآن، ولا مجال لإلصاق تهمة هذا العطل والمماطلة بالشريك الاجتماعي أي النقابات.
وقد يقول قائل ما دخل النقابات في مجال الوظيفة العمومية، مادام أن الفصل 8 من الدستور ينص على أنه " تساهم المنظمات النقابية للأجراء "، والعاملون بالوظيفة العمومية ليسوا بأجراء وإنما هم موظفون عموميون أو جماعيون وفي وضعية نظامية، عكس الأجراء الذين يكونون في علاقة تبعية مع المشغل . نجيب هؤلاء بأن الفصل 14من قانون الوظيفة العمومية ينص على أنه " يمارس الموظف الحق النقابي ضمن الشروط المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل ...." وهذا يعني أن الحق النقابي مكفول للموظف والأجير على حد سواء. لكن التساؤل المطروح أي تشريع هذا الذي يحيل عليه قانون الوظيفة العمومية ؟ نعلم بأن الظهير الشريف رقم 1.58.008 بشأن النظام العام للوظيفة العمومية صدر بتاريخ 24 فبراير 1958، لكن الظهير الشريف رقم 1.57.1465 بشأن النقابات المهنية صدر بتاريخ 16 يوليوز 1957 أي قبل صدور قانون الوظيفة العمومية، وهذا يعني أنه هو المعني بالإحالة.وأعقبه المرسوم رقم 2.57.1465 بتاريخ 5 فبراير 1958 بشأن مباشرة الموظفين الحق النقابي[2] والذي ورد في الفصل 1 منه أنه" يعترف بالحق النقابي لموظفي وأعوان الإدارات والمكاتب والمؤسسات العمومية طبق الشروط والتحفظات المبينة بعده ." لكن عندما تعلق الأمر بالإضراب، ورد في الفصل 5 من هذا المرسوم الذي وقعه المرحوم البكاي، بأن "كل توقف عن العمل بصفة مدبرة وكل عمل جماعي أدى إلى عدم الانقياد بصفة بينة، يمكن المعاقبة عنه علاوة على الضمانات التأديبية ويهم هذا جميع الموظفين ."
لا مجال للتأويل أو المغالطة، لأن السلطة التنظيمية تمنع بصفةقطعية وصريحةالتوقف عن العمل، أي الاضراب بالوظيفة العمومية.
وقد يقول قائل، حدث هذا قبل صدور الدستور لسنة 1962 الذي نص على أن حق الإضراب مضمون.
هذا صحيح، لكن بتاريخ 7 أبريل 1979 ،صدر منشور آخر عن الوزير الأول المرحوم المعطي بوعبيد، اعتبر فيه أن "الموظفين الذين يتملصون من القيام بالواجب الذي تقتضيه قاعدة العمل المستمر للمصالح العمومية يعرضون أنفسهم من جراء ذلك لعدم الاستفادة من الضمانات المخولة إياهم في ميدان التأديب ." بل أكد في الفقرة رقم 1، بأنه يجب "الحرمان من الأجرة المطابقة لمدة الانقطاع عن العمل بصرف النظر عن العقوبات المقررة في النصوص التنظيمية المعمول بها .وأضاف في الفقرة الموالية رقم 2، ب "أن الموظفين والأعوان الذين ثبت أنهم حرضوا عمدا بأية وسيلة من الوسائل على الانقطاع عن العمل، يجب حذفهم من الأطر عن طريق العزل مع المنع من التوظيف بالتقييد في سجل التأديب المركزي .."
حدث هذا في ظل تجاذب سياسي بين الأغلبية الحكومية والمعارضة أنذاك، وترتب عنه نتائج وخيمة وجسيمة تمثل على الخصوص في العزل وحتى المتابعات القضائية ضد بعض رجال التعليم خاصة، انتهىبعد مرور سنوات وأوامر ملكية سامية برد الاعتبار إلى هؤلاء وتسوية وضعيتهم المالية والإدارية .
لكن، المعول عليه لدى السلطات العمومية عدم إقرار حق الإضراب بدون قيود وأحيانا عراقيل شكلية، مما جعل القضاء الإداري يتعامل بكثير من التفهم في بعض الأحيان انتصارا للمشروعية.
وهذا قضت المحكمة الإدارية بمكناس مثلا ،بأن الاضراب حق دستوري أكدته جميع الدساتير المتعاقبة، لكن يتعين ممارسته في إطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله وتضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العمومية على نحو لا يمس سيرها المنتظم بشكل مؤثر . وإن عدم ثبوت كون الاضراب الذي خاضه الطاعن فيه خروج عن الضوابط المذكورة، لذلك لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجب المهني، وبالتالي تكون عقوبة الإنذار المؤسسة على هذه الواقعة لاغية.(حكم عدد 63- 2001 بتاريخ 12 يوليوز 2001 منشور على موقع وزارة العدل).
وفي قضية أخرى، قضى بأنه "في ظل غياب النص التنظيمي لممارسة حق الإضراب، فإن القاضي الإداري انطلاقا من دوره الإنشائي للقواعد القانونية يكون ملزما باعتماد ضوابط ومعايير من شأنها أن تضمن الموازنة بين الحماية القانونية لممارسة حق الإضراب باعتباره حقا دستوريا (الفصل 29 من الدستور)، والمصالح المعتبرة قانونا التي يقتضيها ضمان السير المنتظم للمرفق العام لرفع الضرر اللاحق به وبالمرتفقين على السواء.ولئن كان حق الاضراب مضمونا دستوريا، فإن من حق رئيس الإدارة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان استمرارية نشاط المرفق العام، وفرض ضوابط قانونية وإجرائية تضمن عدم إساءة استعمال حق الإضراب وانسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق الإدارية والقوانين المرعية، بما فيها حق اللجوء إلى الاقتطاع من الأجر طبقا لقاعدة " الأجر مقابل العمل" التي أقرها الاجتهاد القضائي في العديد من قراراته، ويعمل بها في العديد من الأنظمة القانونية المقارنة.فالإضراب باعتباره انقطاعا عن العمل يعد تغيبا لا يندرج ضمن حالات التغيب المرخص به قانونا بصرف النظر عن مشروعيته، دون أن يشكل ذلك الإجراء عقوبة إدارية أو مصادرة لحق الإضراب المضمون دستوريا، ما دام أنه لا يمنع حق الموظف وحريته في ممارسة الاضراب؛ غير أن تصرف الإدارة وتفعيلها لقرار الاقتطاع من الأجر، يظل خاضعا لرقابة المشروعية من طرف قاضي الإلغاء.والادارة المطلوبة في الطعن طبقت المقتضيات القانونية المشار إليها أعلاه، غير أنها ولئن دفعت باحترام المسطرة القانونية وتوجيه استفسار في الموضوع، فإنها لم تدل بما يفيد توجيه هذا الاستفسار قبل مباشرة الاقتطاع احتراما للنص القانوني المستند إليه، وللضمانات التي يوفرها للمخاطبين بأحكامه، ما دامت هذه الشكلية مقررة لصالح الموظف لتفادي عنصر المفاجأة في الاقتطاع وتخويل المعني به فرصة التحضير لنتائج النقص الذي تتعرض له أجرته الشهرية تبعا للالتزامات المالية المترتبة عليه، فتكون شكلية جوهرية تمس بشرعية القرار المخالف لها.(حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 3772 بتاريخ 27 نونبر 2013 في الملف رقم 262/5/ 2013 منشور على موقع وزارة العدل )
وفي قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط أكدت الهيأة القضائية الحاكمة بأنه "حيث يعيب المستأنف الحكم المستأنف بانعدام التعليل، ذلك أنه اقتصر على رفض طلبه بالقول بأن الأجر لا يكون إلا مقابل العمل، متجاهلا كون حق الإضراب حق دستوري متعارف عليه عالميا ، وأن الإضراب الذي خاضه المستأنف (الطاعن) كانت وزارة الصحة العمومية على علم مسبق بوقوعه لأنه تم بشكل منظم من طرف النقابة التي ينتمي إليها المستأنف.
لكن، حيث إنه من الثابت من أوراق الملف ومما لا نزاع فيه أن المستأنف أضرب عن العمل يومي 28 و29 دجنبر 2005، وذلك بامتناعه عن العمل، وأن قرار الاقتطاع من مرتبه مقابل ذلك، كان إعمالا لمقتضيات الفصل 41 من القانون المنظم للمحاسبة العمومية الذي يجعل الأجر مقابل العمل، وكذا لمقتضيات القانون رقم 81.12 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.83.230 وتاريخ 05/10/1984 بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة، وهو القانون الذي عمل على تنظيمه المرسوم رقم 2.99.1216 وتاريخ 10/05/2000 الذي نص على أن الاقتطاع المذكور من المرتب يتم بعد توجيه استفسار للمعني بالأمر حول أسباب تغيبه عن العمل، وهو ما تم بالفعل بالنسبة للطاعن (المستأنف).
وحيث إنه ولئن كان حق الإضراب مضمونا دستوريا ومكرسا في مختلف المواثيق الدولية، فإنه لا يعني بالضرورة أن يتم في شكل الانقطاع عن العمل قصد شل حركة المرفق العمومي، وخاصة مرفق الصحة، هذا فضلا عن أن الطاعن لم يدل بما يثبت أنه قد تقدم بطلب الإذن بالتغيب، حتى تتمكن الإدارة المذكورة من اتخاذ التدابير الكفيلة بحسن سير مرفق الصحة العمومية، مما يبقى معه ما أثير من أسباب بدون أساس، ويكون بالتالي الحكم المستأنف، حينما قضى برفض طلب الإلغاء مؤسسا وواجب التأييد."(قرار عــدد : 730، المــــؤرخ في : 17/10/2007.مـلــــف عـدد : 201/07/5.منشور على موقع وزارة العدل).
والاضراب في جميع أشكاله يجب ان يكون جماعيا وليس فرديا ، وعلى هذا الأساس قضت محكمة النقض "إن الاضراب الذي خاضه الطالب هو في الحقيقة اضراب تضامني مع أجير تم توقيفه، ولا يهدف الى ضمان مصلحة عامة للمضربين، وان عدم التحاقه بعمله داخل الاجل المحدد له في الاشعار بالرجوع الى العمل، يجعله في حكم المغادر تلقائيا للعمل وبإرادته، وانه هو من أنهي عقد الشغل بصفة منفردة."(قرار رقم 2023/233 بتاريخ 2023-02-15 في ملف عدد 2020/2/5/1533 منشور على موقع محكمة النقض ). كما قضت قبله بأن "المقرر أن الاضراب هو حق يمارس بشكل جماعي، ويعد من بين مواضيع خلافات الشغل الجماعية، التي تسوى عن طريق مسطرة حل نزاعات الشغل." (قرار رقم2022/384 بتاريخ2022-03-22 في الملف عدد2021/1/5/1651 نفس المرجع).
ولعل من المفيد أن نشير، بأنه وفي عز الاستعدادات للاستحقاقات الانتخابية الأخيرة ، بادرت الحكومة السابقة بإخراج "للوجود" القانون رقم 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.58 بتاريخ 14 يوليو 2021 ، ولعل من أهم عناوينه البارزة ما ورد في المادة 33 في فقرتها الثانية، من أنه يمارس موظفو وأعوان ومستخدمو المرافق العمومية مهامهم بالانضباط في العمل، واحترام القانون والأنظمة الداخلية ، وضمان استمرارية المرفق العمومي، وتجنب أي فعل من شأنه تأخير أو تعليق أو توقيف تقديم الخدمات.
وبهذا النص التشريعي الذي صدر بعد الدستور الجديد وتحت أعين الشركاء الاجتماعيين،تكون السلطات العمومية،أكدت بالملموس نيتها فيمنع الاضراب بالمرافق العمومية، لا فرق بين الإدارات العمومية، أوالمحاكم، أو مصالح الجماعات الترابية ومجموعاتها والهيئات التابعة لها والأجهزة العمومية.
ولنا أن تساءل هل بهذه المبادرة التشريعية تكون السلطات العمومية ضيقت هامش المساومة على مجال حق الاضراب ضدا على محتوى الفقرة الثانية من الفصل 29 من الدستور الذي خول صلاحية تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب لقانون تنظيمي وليس لقانون عادي، وساهم في هذه الهفوة المشرع كذلك؟.
 
القسم الثاني: ممارسة حق الاضراب في ضوء مشروع القانون التنظيميرقم 97.15
يقصد بالإضرابمفهوم المادة 2 من المشروع قانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضرابالسالف الذكر، " كل توقف جماعي عن العمل يتم بصفة مدبرة ولمدة محددة، من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أومصلحة من المصالح الاجتماعية أو الاقتصادية المباشرة للأجراء المضربين." ولا يمارسه إلا الأجراء الخاضعين للقانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل أو الموظفين العموميين أو الجماعيين المسموح لهم بذلك . ويمنع على باقي الموظفين العموميين ممارسة حق الاضراب بقوة الأنظمة الأساسية الخاصة ومقتضيات قانون الوظيفة العمومية التابعين لها ، ولا سيما الذين لا يحق لهم الانتماء إلى النقابات ، من قبيل الموظفين حاملي السلاح، والقضاة، ورجال السلطة الإدارية ، والجمارك، ورجال المطافئ وغيرهم .
والتساؤل المطروح ما هي شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب وما هي العقوبات المقررة في حالة مخالفة هذه الشروط ؟
لابد من التذكير بأن واضع المشروع قانون التنظيمي الذي نحن بصدده ميز بين ممارسة الحق في الإضراب في القطاع الخاصوفي القطاع العام، أو المرافق الحيوية.على ما سنوضحأسفله.
 
أولا: شروط ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص
من أهم الشروط القانونية لصحة الإضراب في القطاع الخاص تحقق ما يلي :
1-  شرطالصفة في الدعوة للإضراب: إن الجهة الداعية الاضراب لا تخرج عن الصنفين التاليين :
أ- النقابة الأكثر تمثيلية: يتوفر المغرب على ما يناهز 18 نقابة تهتم بالدفاع عن مصالح الموظفين والعمال وبعض الفئات المهنية كالفنانين والصحفيين والطلبة وغيرهم. ويعتبر كل من الاتحاد المغربي للشغل ، والاتحاد العام للشغالين، والكنفيدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل ، والاتحاد الوطني للشغل من بين النقابات الأكثر تمثيلية على صعيدي القطاع الخاص والعام ، باعتبار أن لها تمثيلية على الصعيد الوطني وبإمكانها اعلان الاضراب وطنيا أو محليا عبر فروعها .ولا يدخل في ذلك ما يسمى بالتنسيقيات أو الجمعيات المهنية .
وهكذا مثلا من أصل 29 مقعدا مخصص لممثلي الموظفين في استحقاقات سنة 2021، بخصوص اللجان متساوية الأعضاء، حصلت نقابة الاتحاد العام للشغالين على 9 مقاعد، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل على 7 مقاعد، و الاتحاد الوطني للشغل على 6 مقاعد، والاتحاد المغربي للشغل على مقعد واحد .
 ب- النقابة الأكثر تمثيلا، وصورة هذه النقابة تبرز على صعيد مقاولة أو مؤسسة أو مرفق عمومي، غير أنه عند عدم وجودها، فالمعتمد هو وجود النقابة التي حصلت على أكبر نسبة من مجموع مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو المؤسسة، أو أغلبية المأجورين في حالة عدم وجود تمثيلية عن النقابة في المقاولة أو المؤسسة المعنية أو المرفق المعني إذا تعلق الأمر بإضراب على صعيد تلك المؤسسات الاقتصادية أو الإدارية .
واجمالا، يمكن القول بأنه في استحقاقات 2021 تصدرت لائحة اللامنتمين النتائج العامة لانتخاب ممثلي المأجورين في القطاعين العام والخاص بنسبة تقارب 52 في المئة يليها الاتحاد العام للشغالين ب16 في المئة تقريبا ثم الاتحاد العام للشغالين بنسبة 13 في المئة تقريبا .لكن رغم هذا التقدم لا يحق للامنتمين الدعوة للإضراب ما داموا لا يكونون نقابة بالمفهوم القانوني ، وفي هذا اختلال للديمقراطية العددية. وعلى هذا الأساس فإن كل اضراب لا تدعو إليها النقابات بالشروط أعلاه يكون باطلا بقوة القانون مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية، قد تصل إلى حد تجريم الفعل.
وغني عن البيان أنهيحق للنقابات بعد تداول أجهزتها التقريرية اتخاذ قرار الاضراب على الصعيد الوطني في جميع القطاعات أو بعضها أو في قطاع واحد أو في أنشطة معينة داخل نفس القطاع أو قطاعات مختلفة ، كما يمكن لها الدعوة للإضراب على صعيد كل مقاولة أو مؤسسة استنادا إلى مقرر الجمع العام للأجراء، الذي يجب أن تدعو له الجهة الداعية للإضراب خلال أجل 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه
2- مرور 30 يوما على توصل المشغل بالملف المطلبي: فرض مشروع القانون التنظيمي بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب أعلاه، قبل اعلان الإضراب توجيه ملفا مطلبيا من النقابة المعنية إلى المشغل ، قصد اجراء مفاوضات بشأنه والبحث عن الحلول الممكنة لتلبية مطالب الأجراء التي تمثلهم . ورخص للأطراف الاتفاق على تسوية هذا الملف عن طريق الوساطة. غير أنه في الحالة التي تفشل المفاوضات أو تعذر اجراؤها لأي سبب كان، يمكن سلوك جميع المساطر الحبية لحل النزاع بما فيها اعتماد مضمون اتفاقية الشغل الجماعية عند وجودها، ولا سيما في الحالة التي تنص هذه الأخيرة على تعليق أي اضراب خلال مدة محددة.والحاصل أنه لا يجوز ممارسة حق الاضراب قبل انصرام أجل 30 يوما المذكور ، أو دون احترام تام للمسطرة المنصوص عليها في القانون التنظيمي.
3- ألا يتم الإضراب عن طريق التناوب أو بكيفية متتالية: يمنع على النقابة الداعية للإضراب أن تمارس الاضراب الذي دعت إليه عن طريق التناوب، أي أن يعمل جانب من الأجراء في الوقت الذي يتوقف الباقي والعكس، لما في ذلك من ضرر أكيد بوثيرة الإنتاج والدورة الاقتصادية . ويعتبر هذا الاضراب نوع من الاضراب المبرقع الذي يرمي إلى تخفيض الإنتاج ، كما يمنع ممارسة الاضراب بكيفية متتالية بين فئات مهنية معينة أو مختلفة تعمل في نفس المقاولة أو المؤسسة نفسها أو أحد فروعها ، وهذا ما يسمى بالإضراب الدائر ، وآيته أن تمارس فئة أو عمال في فرع من فروع المؤسسة أو المقاولة الإضراب فيما تعمل الفئة الأخرى دون أن يؤدي ذلك إلى التوقف التام أو شل العمل بصفة مطلقة .
4- يمنع التنازل المسبق عن ممارسة حق الاضراب: لا يسوغ للمشغل أن يلزم بمناسبة ابرام عقد الشغل الإجراء بالتنازل عن ممارسة حق الاضراب ، لأن هذا الحق من الحقوق الدستورية والمؤكد بالمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، شريطة ألا يكون الهدف منه الحصول على منافع سياسية محضة . والمنع هذا يكون نافذا حتى لو أذعن الأجير لشرط مسبق ، حيث يكون عقد الشغل صحيحا والشرط باطلا بقوة القانون ومن النظام العام .
غير أنه في الحالة التي تنص اتفاقية الشغل الجماعية على عدم اللجوء إلى الاضراب إلا بعد فشل المفاوضات أو الصلح، يكون هذا البند من الاتفاق ساري المفعول وملزما للجميع.
وعلى هذا الأساس لا يحق لأرباب المقاولات أو المؤسسات ومنظماتهم عرقلة ممارسة حق الاضراب سواء بالإغراء أو الترهيب أو أي وسيلة من الوسائل التي تحول دون ممارسة هذا الحق. كما لا يحق لهم اتخاذ إجراءات تمييزية في حق الأجراء المضربين من شأنها المساس بحقوقهم ومسارهم المهني.
لكن في المقابل، لا يجوز لنقابات الأجراء أو أحد الأجراء عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الاضراب، وذلك بالقيام بكل فعل يؤدي إلى منع الأجراء غير المضربين أو المشغل نفسه من ولوج أماكن العمل أو من القيام بمزاولة نشاطه المهني، عن طريق الايذاء أو التهديد أو العنف اللفظي أو الجسماني أو حتى احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو مخارجها، وخاصة في حالة استعمال الايذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس.
ولا مناص من القول ،أن المشرع الجنائي يعاقب على هذه العملية بمقتضى الفصل 288 بحيث تقدر العقوبة بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من 200 إلى 5.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين ، غير أنه في الحالة التي يكون العنف أو الايذاء أو التهديد أو التدليس قد ارتكب بناء على خطة متواطأ عليها ، جاز الحكم على مرتكبي الجريمة بالمنع من الإقامة من سنتين إلى 5 سنوات .
ومن أجل المزيد من ضمان السير العادي للمقاولة أو المؤسسة باعتبارها خلية اقتصادية واجتماعية، فإنه يحق للمشغل في الحالة التي يرفض الأجراء توفير الحد الأدنى من الخدمة ولا سيما في المرافق الحيوية إحلال أجراء آخرين محل الأجراء المكلفين بتوفير الحد الأدنى من الخدمة، - أي القدر الكافي من الخدمات الأساسية التي يجب تأمينها لضمان استمرارية تقديمها للمرتفقين خلال سريان الإضراب- وذلك خلال فترة الاضراب ، كما من حقه الاستعانة على الفور بأجراء آخرين لتأمين استمرار المقاولة في تقديم خدماتها المتمثلة في تزويد السوق بالخدمات والمواد الأساسية الزمة لحماية الأمن الغذائي والصحي للمواطنين .
5- تبليغ المشغل بقرار الاضراب والسلطة العمومية: قبل ممارسة حق الاضراب يتعين على الجهة الداعية للإضراب تبليغ المشغل بقرارها بأي وسيلة من الوسائل القانونية، وذلك 15 يوما على الأقل قبل التاريخ المقرر للإضراب. وتخفض هذه المدة إلى 5 أيام متى كانت الأسباب الداعية للإضراب توقف المشغل عن أداء المستحقات المالية للأجراء أو وجود خطر حقيقي وحال يهدد سلامتهم البدنية.
هذا، وإنه فضلا عن ذلك يتعين على الجهة الداعية للإضراب أن تحيط علما كل من رئاسة الحكومة والسلطات الحكومية المكلفة بالداخلية والتشغيل والمنظمات المهنية للمشغلين بقرار الاضراب 7 أيام على الأقل قبل الشروع الفعلي في تنفيذه، متى تعلق الأمر بإضراب وطني .كما يجب تبليغ السلطة الحكومية التابع لها القطاع المعني بالإضراب إذا تعلق الأمر بالدعوة إلى الإضراب في جميع القطاعات أو بعضها أو في قطاع واحد أو في أنشطة معينة داخل نفس القطاع أو في قطاعات مختلفة .
كما يتعين، فضلا عن ذلك، أن تحيط علما الجهة الداعية للإضراب كل من المشغل ووالي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم والمندوب الجهوي أو الإقليمي للتشغيل حسب الحالة ، إذا تعلق الأمر بممارسة حق الاضراب على صعيد مقاولة أو مؤسسة.
6- الأجر مقابل العمل: لا يحق للأجراء المضربين المطالبة بأجورهم خلال فترة ممارستهم للإضراب ، لأن عقد الشغل في تلك الحالة يكون متوقفا مؤقتا . والقاعدة المعمول بها أن الأجر مقابل العمل .
وقد كرست هذا المبدأ ديباجة مدونة الشغل، عندما أكدت على أن العمل وسيلة أساسية من وسائل تنمية البلاد وصيانة كرامة الإنسان والنهوض بمستواه المعيشي وتحقيق الشروط المناسبة لاستقراره العائلي وتقدمه الاجتماعي. والعمل ليس بضاعة.
7- لا يمكن الدعوة إلى إضراب جديد متى تم انهاؤه أو إلغاؤه بالتراضي إلا بمرور سنة: قد يبرم اتفاق ثنائي أو متعدد الأطراف بين الجهة الداعية للإضراب والمشغل أو عدة مشغلين من أجل انهاء الإضراب أو إلغائه من أساسه بعد الاستجابة للملف المطلبي، وفي هذه الحالة يمنع منعا باتا الدعوة إلى اضراب جديد إلا بعد مرور أجل سنة شمسية على الأقل، تحتسب من تاريخ انهاء الاضراب أو الغائه . ويعتبر أنذاك الاتفاق المبرم بين الطرفين بمثابة صلح ملزم للطرفين ويجب ما عداه من الاتفاقات السابقة.
8- لا يترتب عن الإضراب افلاس المؤسسة أو المقاولة
تأسيسا على أن دستور المملكة في فصله 35 نص على أنه " تضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر..." كان من اللازم الاعتراف بحق الاضراب للأجراء وكذا تحميل الجهة الداعية للإضراب بعض الالتزامات القانونية دراءا للإضرار بالمقاولة الاقتصادية، وهكذا فرضت المادة 20 من المشروع قانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب أعلاه على النقابة المعنية مجموعة من الالتزامات، نذكر على الخصوصما يلي :
تأطير الأجراء المضربين متى كانوا منخرطين في النقابة الداعية للإضراب وتأمين حسن تنفيذه في جميع مراحله ؛
السهر باتفاق مع المشغل على ضمان حفظ سلامة وسائل العمل، مع اتخاذ الاحتياطات الضرورية لسلامة الأجراء وممتلكاتهم، وكذا تعيين من سيكلف منهم بتقديم الخدمات المذكورة .
غير أنه في حالة عدم التوصل إلى ذلك الاتفاق ، يمكن للمشغل أن يقدم طلبا لقاضي المستعجلات من أجل تحديد هذه الخدمات وتعيين الأجراء الذين سيتكلفون بإنجازها. وآنذاك لا يمكن ممارسة الإضراب إلا بعد صدور أمر قاضي المستعجلات.
لكن التساؤل المطروح، هل يحق لقاضي المستعجلات رفض الطلب ، وهل أمر قاضي المستعجلات في جميع الأحوال قابلا للطعن؟
أمام سكوت النص، نرى بأنه لا يحق لقاضي المستعجلات رفض الطلب متى استوفى شروطه الشكلية، بل من الواجب أن يكون أمره مشمولا بالتنفيذ المعجل بقوة القانون ، وفي حالة رفضه يحق فقط للمشغل الطعن فيه داخل الأجل القانوني المنصوص عليه في الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية أي 15 يوما من تاريخ تبليغ الأمر.
وحسب منطوق المادة 21 من مشروع القانون التنظيمي أعلاه ، يمكن للمشغل - وكذا النقابة الداعية للإضراب-، على حد سواء أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة في إطار الأوامر المبنية على طلب ، تعيين مفوض قضائي أو أحد أعوان كتابة الضبط، داخل أجل لا يتعدى 48 ساعة من التوصل بالطلب ، لإجراء معاينة لظروف سير الاضراب مع ترتيب الآثار القانونية في حالة عرقلة حرية الشغل أو ممارسة الإضراب، أو بصفة عامة ممارسة حق الاضراب دون احترام للإجراءات القانونية المعمول بها ، ودون المساس بحق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية إذا اقتضى الأمر ذلك.
وفي جميع الأحوال يبقى من حق المشغل المتضرر اللجوء إلى القضاء من أجل التعويض في حالة ما إذا نتج عن الاضراب أضرار مادية بوسائل العمل، أو خسائر بالمقاولة متى تمت ممارسة الاضراب بكيفية غير قانونية.
ومما ينبغي التنويه إليه، أن مشروع قانون التنظيمي المذكور ، خول السلطة التنظيمية في شخص رئيس الحكومة وبصفة استثنائية، إمكانية منع الإضراب أو وقفه لمدة محدودة متى ألمت بالوطن مخاطر أو كوارث طبيعية أو أزمة وطنية. كما يمكنه تعليق الاضراب في الحالة التي يتبين له أن ممارسته ستؤدي لا محالة إلى تهديد أو استقرار النظام العام أو عرقلة السير العادي لتقديم الخدمات في حدودها الدنيا. ويتم ذلك بناء على أمر من قاضي المستعجلات استجابة لطلب من رئيس الحكومة وبمبادرة من وزير الداخلية.
وهنا نلاحظ أن الهاجس الأمني هو الدافع لطلب تعليق الاضراب وليس الحماية الاقتصادية للمقاولة. ولعل وراء هذا الاتجاه هو الرغبة في تأكيد تحريم الإضرابات ذات الأهداف السياسية بالخصوص . لكن الإيجابي في الموضوع هو الحضور الفعلي للجهاز القضائي بما له من سلطة .
وفي المقابل، ورد في ديباجة مدونة الشغل أنه " لا يجوز لأي شخص أن يمنع الغير من العمل أو يرغمه على العمل ضد مشيئته . ويمكن أن يمنع العمل بواسطة قرار تتخذه السلطة المختصة طبقا للقانون وذلك في حالة المس بحقوق الغير أو الاخلال بالأمن والنظام العامين ."
ثانيا: شروط ممارسة حق الاضراب في القطاع العام
يقصد بالقطاع العام في مفهوم مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب، كل المرافق التابعة للدولة أو للجماعات الترابية أو للمؤسسات العمومية أو للمقاولات العمومية أو لكل شخص آخر من أشخاص القانون العام .
ويمكن أن يتخذ قرار الإضراب بنفس المسطرة المعمول بها في القطاع الخاص، شريطة أن تحيط علماالجهة الداعية للإضراب، 7 أيام قبل تاريخ الشروع في تنفيذه، كل من رئيس الحكومة والسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والوظيفة العمومية وكذا التشغيل ، فضلا عن السلطة التي لها وصاية إدارية على المرفق المعني، إذا تعلق الأمر بمؤسسة أو مقاولة عمومية، وإلى المدير العام للمؤسسة أو المقاولة العمومية المعنية ، دون إغفال عامل العمالة أو الإقليم متى كان الإضراب يهم نفوذ ترابي محلي .
وغني عن البيان، أن الفئة المعنية بالإضراب لن تشمل الأجهزة القضائية والأمنية وحاملي السلاح والقيمون الدينيون ومراقبي الملاحة الجوية والبحرية فضلا عن الأشخاص الذين تم تكليفهم بضمان حد أدنى من الخدمة والأشخاص المكلفين بالسهر على الصحة والسلامة المهنية بأماكن العمل أثناء فترة سريان الاضراب، ورجال ونساء الجمارك الحاملي السلاح .
ويعتبر كل اضراب وطني أو قطاعي لا تدعو إليه احدى النقابات الأكثر تمثيلية أو ذات تمثيلية على الصعيد الوطني غير مشروع، مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية ولا سيما تفسير الاضراب بمثابة تغيب غير مشروع عن العمل. 
ثالثا: شروط ممارسة حق الاضراب في المرافق الحيوية
كما أسلفنا يقصد بالمرافق الحيوية كل المرافق التي لها ارتباط مباشر بحياة الأشخاص وسلامتهم ،وبصفة عامة المصالح الاستراتيجية، سواء تعلق بالمرافق الصحية أو النقل بكل أشكاله أو التزود بالماء والكهرباء والتطهير ومصالح البيطرة وغيرها .
وواضع مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب، وإن لم يحرم ممارسة حق الاضراب على العاملين في هذه المرافق ، فإنه قيد ممارسته بضرورة ضمان الحد الأدنى من الخدمات . يتم سواء باتفاق الجهة الداعية للإضراب والمشغل بمساهمة السلطة العمومية، أو عن طريق القضاء في حالة تعذر ابرام اتفاق في هذا الشأن .
رابعا: العقوبات المقررة لممارسة حق الاضراب دون احترام للشروط القانونية الواجبة
القاعدة العامة في السياسة الجنائية الوطنية ألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، والنص كما قد يوجد في مدونة القانون الجنائي العام قد يرد في القانون الجنائي الخاص، وهذا ما حرص عليه مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب، بحيث اعتبر الأفعال التالية جنحا يعاقب عليها سواء بعقوبة مالية أو حبسية:
1- عرقلة ممارسة الأجراء حقهم في الاضراب من طرف المشغل أو منظمة مهنية أو نقابية، وتكون العقوبة من 20.000 إلى 50.000درهم، وتطبق هذه العقوبة حتى بالنسبة للأجير الذي اقترف هذا الفعل.
2- اقدام المشغل على إحلال أجراء محل الأجراء المضربين خلافا للقانون ، وتكون العقوبة من 2.000 إلى 5.000درهم ؛
3- اتخاذ المشغل إجراء تمييزيا ضد أجرائه بسبب ممارستهم الاضراب، وتكون العقوبة غرامة مالية من 15.000 إلى 30.000 درهم ؛
4- ممارسة الاضراب بالتناوب وبكيفية متتالية بين فئات مهنية معينة أو مختلفة ، وتكون عقوبة المضربين من 2.000 إلى 5.000درهم ؛
5- عرقلة حرية العمل، وعقوبتها من 5.000 إلى 10.000 درهم ،دون الاخلال بالعقوبات الجنائية الأشد.
وبهذا الاتجاه ترمي السلطات العمومية إلى تكريس مقتضياتالفصل 288 من القانون الجنائي المثير للجدل والنقاش الحاد بين النقابات والسلطات العمومية منذ عهود ، والذي ينص على العقوبة الحبسية من شهر واحد إلى سنتين، لكن بعقوبة مالية أقل كما أسلفنا .
غير أن المادة 40 من مشروع القانون التنظيمي موضوع المناقشة، خولت المشغل إمكانية اللجوء إلى قاضي المستعجلات من أجل استصدار أمر باتخاذ جميع التدابير اللازمة للحيلولة جون عرقلة حرية العمل، بما فيها وقف الإضراب . ويتعرض لعقوبة حبسية من شهر إلى 3 اشهر وغرامة من10.000 إلى 20.000 درهم، كل من رفض تنفيذ الأمر القضائي المذكور ؛
6- الدعوة إلى ممارسة حق الاضراب في القطاع الخاص دون التقييد بأجل 30 يوما من توصل المشغل بالملف المطلبي من النقابة الداعية للإضراب ، وعقوبتها غرامة مالية من20.000 إلى 50.000 درهم دون الاخلال بالعقوبات الجنائية الأشد؛
7- عدم التقييد بالقيود الشكلية الواجب احترامها قبل الدعوة إلى الاضراب السالفة الذكر، كالآجال والصفة وإحاطة السلطات العمومية علماوالمشغل بقرار الإضراب...، وعقوبتها من 10.000 إلى 30.000 درهم؛
8- قيام المشغل بمناولة أو نقل أو ترحيل آليات وأجهزة وباقي وسائل العمل خلال مدة الإضراب، أو اغلاق المقاولة كليا أو جزئيا بسبب الاضراب ،وعقوبتها غرامة مالية من20.000 إلى 50.000 درهم؛
9- جريمة رفض الأجير القيام بالخدمات الأساسية أو توفير الحد الأدنى من الخدمة
التي كلف بتقديمها، وعقوبتها غرامة من 5.000 إلى 10.000 درهم .
واجمالا فإنه في حالة العود تضاعف العقوبة ، ويعتبر الجاني في حالة العود، إذا سبق وأن صدر في حقه مقر ر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، ثم ارتكب مخالفة مماثلة قبل مضي سنتين من صدور المقرر أو تقادم العقوبة .
ويعهد إلى ضباط الشرطة القضائية بتحرير محاضر المعاينة وإثبات المخالفات ، وترسل إلى النيابة العامة لدى المحكمة المختصة داخل أجل أقصاه 24 ساعة من تحريرها .
ولذلك يجب الأخذ في الحسبان ، أن مشرع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب المومأ إليه أعلاه ، فرض على السلطات العمومية اتخاذ جميع الاحتياطات والإجراءات القانونية ضد كل ما من شأنه الاخلال بالنظام العام والممتلكات بما في ذلك فك الاعتصامات والحيلولة دون احتلال المرافق العمومية وسد مداخلها وخارجها ، بل من حقها اللجوء إلى السخرة من أجل تأمين السير العادي للمرافق الحيوية وتأمين تزويد السوق بالمواد الأساسية.
وفي اعتقادنا كان من المفروض أن تمارس هذه الإجراءات الاستثنائية التي تمس بالحقوق الفردية ،بترخيص من رئيس المحكمة المختصة باعتباره حسب منطوق الفصل 117 من الدستور الحامي لحقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون.
 

العربي محمد مياد/ خبير قانوني