الاثنين 25 نوفمبر 2024
خارج الحدود

كشفتها أحداث مالي ودول الساحل: الجزائر..السرطان الذي زرعته فرنسا بشمال إفريقيا

كشفتها أحداث مالي ودول الساحل: الجزائر..السرطان الذي زرعته فرنسا بشمال إفريقيا أدرك الماليون أن فرنسا تستعمل الجزائر كآلة تحكم عن بعد لتسميم المنطقة
لم‭ ‬يأت‭ ‬إعلان‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬إنهاء‭ ‬العمل،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬فوري‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬التأجيل‭ ‬والتفاوض،‭ ‬بـ‭ ‬"اتفاق‭ ‬الجزائر‭ ‬للسلام"‭ ‬الموقع‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬مفاجئا‭ ‬أو‭ ‬مثيرا‭ ‬للاستغراب،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬أتى‭ ‬بعدما‭ ‬«لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬التزام‭ ‬الموقّعين‭ ‬الآخرين‭ ‬بتعهداتهم‭ ‬و«الأعمال‭ ‬العدائية»‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الجزائر،‭ ‬الوسيط‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬الاتفاق»،‭ ‬بحسب‭ ‬بيان‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭.‬
 
فقد‭ ‬فطنت‭ ‬السلطات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬إلى‭ ‬اللعبة‭ ‬القذرة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الجزائر،‭ ‬باحتضانها‭ ‬لكل‭ ‬أسباب‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الساحلية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إمساكها‭ ‬بأوراق‭ ‬إثارة‭ ‬القلاقل‭ ‬والنعرات‭ ‬وإفشال‭ ‬أي‭ ‬نزوع‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬العسكريون‭ ‬الماليون‭ ‬الذين‭ ‬انقضوا‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬قاموا‭ ‬بإبعاد‭ ‬بعثة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬«مينوسما»،‭ ‬واتهموا‭ ‬قواتها‭ ‬بـ‭ ‬«تأجيج‭ ‬التوترات‭ ‬المجتمعيّة»،‭ ‬كما‭ ‬طردوا‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬راعية‭ ‬«اللاستقرار»‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬
 
لقد‭ ‬أدرك‭ ‬الماليون‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الفرنسية‭ ‬لم‭ ‬ترفع‭ ‬يدها‭ ‬عن‭ ‬مالي،‭ ‬بل‭ ‬اختارت‭ ‬خطة‭ ‬بديلة‭ ‬باستعمال‭ ‬الجزائر‭ ‬كـ‭ ‬«آلة‭ ‬للتحكم‭ ‬عن‭ ‬بعد»،‭ ‬وذلك‭ ‬بدعم‭ ‬دولة‭ ‬الكابرانات‭ ‬سياسيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬ولوجيستيكيا‭ ‬واستشاريا‭ ‬ضد‭ ‬كل‭  ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬بالمغرب‭ ‬العربي‭ ‬وبمنطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المغرب‭ ‬ومالي،‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬نفوذها‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تؤمن‭ ‬بقدرتها‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬والفعل‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الإفريقية‭ ‬«رغم‭ ‬اندحارها‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الساحل»‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬مستعدة‭ ‬للقيام‭ ‬بـ‭ ‬«المناولة»‭ ‬لتنزيل‭ ‬أجندتها‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬إلا‭ ‬دولة‭ ‬خونة‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أقرت‭ ‬به‭ ‬باريس‭ ‬حين‭ ‬أكد‭ ‬المستشار‭ ‬الخاص‭ ‬للرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬للشؤون‭ ‬العسكرية‭ ‬الأميرال‭ ‬جان‭ ‬فيليب‭ ‬رولاند،‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر،‭ ‬أن‭ ‬«التنسيق‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬الجزائر،‭  ‬بشأن‭ ‬ملف‭ ‬مالي‭ ‬والوضع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬ضروري،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬الساحل»‭.‬

ومما‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬باريس‭ ‬أجبرت‭ ‬الجزائر،‭ ‬قبل‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬مالي،‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استشارة‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ترتيبات‭ ‬أو‭ ‬خطوات،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬طبيعتها‭ ‬تخص‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬وألا‭ ‬يجري‭ ‬تنفيذ‭ ‬أي‭ ‬سياسات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تطلع‭ ‬قصر‭ ‬الإليزي‭ ‬على‭ ‬ترتيباتها،‭ ‬لكونها‭ ‬مسألة‭ ‬تتصل‭ ‬بالأمن‭ ‬القومي‭ ‬لفرنسا‭ ‬ومصالحها‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬خاصة‭  ‬أن‭ ‬صحراء‭ ‬شمال‭ ‬مالي‭ ‬وشرق‭ ‬النيجر‭ ‬تضم‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬احتياطي‭ ‬من‭ ‬اليورانيوم‭ ‬الذي‭ ‬تنهبه‭ ‬باريس‭ ‬لتلبية‭ ‬75%‭ ‬من‭ ‬احتياجات‭ ‬فرنسا‭ ‬الكهربائية‭ ‬«إنتاج‭ ‬الوقود‭ ‬النووي»‭. ‬

وقد‭ ‬طرحت‭ ‬هذه‭ ‬الاشتراطات،‭ ‬حسب‭ ‬المراقبين،‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬لـ‭ ‬26‭ ‬غشت‭ ‬2022،‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬كبار‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬والأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬من‭ ‬البلدين،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬ووزير‭ ‬الجيوش‭ ‬الفرنسية‭ ‬سيباستيان‭ ‬لوكورنو،‭ ‬ورئيس‭ ‬أركان‭ ‬الجيوش‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬تييري‭ ‬بوركارد،‭ ‬والمدير‭ ‬العام‭ ‬للأمن‭ ‬الخارجي‭ ‬برنارد‭ ‬إيمي‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬الفرنسي،‭ ‬والحاكم‭ ‬الفعلي‭ ‬للجزائر‭ ‬سعيد‭ ‬شنقريحة،‭ ‬رفقة‭ ‬تابعة‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون‭ ‬والمدير‭ ‬العام‭ ‬لمكافحة‭ ‬التخريب‭ ‬والمدير‭ ‬العام‭ ‬للأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬والمدير‭ ‬العام‭ ‬للوثائق‭ ‬والأمن‭ ‬الخارجي‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬الجزائري‭. ‬ولهذا‭ ‬يقول‭ ‬هؤلاء‭ ‬المراقبين‭ ‬أن‭ ‬فرنسا،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الملف‭ ‬المالي،‭ ‬نفضت‭ ‬يدها‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬«برخان»،‭ ‬لكنها‭ ‬عادت‭ ‬من‭ ‬نافذة‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬خضعت‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬لإرغامات‭ ‬المناولة‭ ‬مقابل‭ ‬استمرار‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬ظهره‭ ‬لـ‭ ‬«مغربية‭ ‬الصحراء»‭ ‬والالتحاق‭ ‬بواشنطن‭ ‬ومدريد‭ ‬وبرلين‭.‬
 
لقد‭ ‬فهم‭ ‬الممسكون‭ ‬بالسلطة‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬وفرنسا‭ ‬قد‭ ‬توصلتا‭ ‬إلى‭ ‬تفاهمات‭ ‬تخص‭ ‬باماكو،‭ ‬وأن‭ ‬ماكرون‭ ‬أقر‭ ‬«صيغة‭ ‬جديدة»‭ ‬للوجود‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وذلك‭ ‬استجابة‭ ‬لمتغيرات‭ ‬سياسية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬معها‭ ‬أي‭ ‬إمكانية‭ ‬للقبول‭ ‬بالتحكم‭ ‬الاستعماري،‭ ‬خصوصاً‭ ‬مع‭ ‬تسلم‭ ‬الحكم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نخبة‭ ‬عسكرية‭ ‬مناهضة‭ ‬لباريس،‭ ‬وارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬الاحتجاج‭ ‬الشعبي‭ ‬الرافض‭ ‬لأي‭ ‬حضور‭ ‬فرنسي‭ ‬بمالي‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬عنوان‭ ‬كان،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬انتهى‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الفرنسي،‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬منذ‭ ‬2013‭ ‬إلى‭ ‬الإخفاق‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المجموعات‭ ‬المسلحة‭ ‬والإرهابيين‭. ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬فإن‭ ‬إلغاء‭ ‬«اتفاق‭ ‬الجزائر‭ ‬للسلام»‭ ‬مؤشر‭ ‬قوي‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬تحوّل‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬النخبة‭ ‬المالية‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬حليفة‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬التوتر‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬مصالحها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الحساسة‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬ورأس‭ ‬حربتها‭ ‬في‭ ‬خلط‭ ‬الأوراق‭ ‬وتحريك‭ ‬البيادق‭ ‬لإعادة‭ ‬الاضطرابات،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الجزائر‭ ‬دأبت،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬المجلس‭ ‬العكسري‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬على‭ ‬«تنظيم‭  ‬لقاءات‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬معادية‭ ‬للحكومة‭ ‬المالية»،‭ ‬و«تشجيع‭ ‬جماعات‭ ‬انفصالية‭ ‬واستضافة‭ ‬معارضين‭ ‬للسلطة‭ ‬الحاكمة»‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭  ‬تماما‭ ‬أنها‭ ‬منخرطة‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬المخطط‭ ‬الفرنسي‭ ‬القاضي‭ ‬بإدارة‭ ‬الشأن‭ ‬المالي‭ ‬«عن‭ ‬بُعد»،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬الثمن‭ ‬هو‭  ‬انهيار‭ ‬الأمن‭ ‬تماماً،‭ ‬حتى‭ ‬تقول‭ ‬للماليين‭ ‬ولدول‭ ‬الساحل،‭ ‬وللدول‭ ‬التي‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬الطلاق‭ ‬مع‭ ‬باريس،‭ ‬إن‭ ‬الاستقرار‭  ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬دون‭ ‬فرنسا‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬ممكن‭.‬

لقد‭ ‬أدت‭ ‬المتغيرات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬إلى‭ ‬إرغام‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التنافس‭ ‬الفرنسي‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬دخول‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬صاعدة‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬الموارد،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية‭ ‬والصراعات‭ ‬العرقية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬المغمورة‭ ‬بانتهازيتها‭ ‬العسكرية‭ ‬وتطلعاتها‭ ‬التوسعية‭ ‬وأوهام‭ ‬«الزعامة‭ ‬الإقليمية»‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬سيء‭ ‬الذكر‭ ‬الهواري‭ ‬بوخروبة،‭ ‬اختارت‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬ركاب‭ ‬باريس‭ ‬مأخوذة‭ ‬بأحقادها‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬قاطبة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تونس‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬«ولاية»‭ ‬من‭ ‬ولايات‭ ‬الجزائر‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الخبير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والنائب‭ ‬البرلماني‭ ‬الجزائري‭ ‬السابق‭ ‬الهواري‭ ‬تيغرسي،‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬يوليوز‭ ‬2022‭ ‬في‭ ‬تعليق‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬التونسية/الجزائرية‭ ‬بالموقع‭ ‬الإخباري‭ ‬«سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية»،‭ ‬وذلك‭ ‬مقابل‭ ‬جرعة‭ ‬كهرباء‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬السكر‭ ‬والزيت‭ ‬وحفنة‭ ‬من‭ ‬دنانير‭ ‬«سوناطراك»‭. ‬والآن‭ ‬جاء‭ ‬الدور‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬مالي‭ ‬التي‭  ‬طالبت‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬بـ‭ ‬«الحد‭ ‬من‭ ‬التصور‭ ‬الخاطئ‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬مالي‭ ‬حديقة‭ ‬خلفية‭ ‬للجزائر»‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لموريتانيا،‭ ‬فقد‭ ‬انكشف‭ ‬إعلام‭ ‬الكراغلة‭ ‬برمته‭ ‬حين‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬«المنتخب‭ ‬الموريتاني»‭ ‬كفريق‭ ‬قاصر‭ ‬ليس‭ ‬بإمكان‭ ‬بمقدوره‭ ‬إخراج‭ ‬المنتخب‭ ‬الجزائري‭ ‬من‭ ‬سباق‭ ‬كأس‭ ‬الأمم‭ ‬الإفريقية،‭ ‬حيث‭ ‬تأكدت‭ ‬عقدة‭ ‬الزعامة‭ ‬والتفوق‭ ‬و«القوة‭ ‬الضاربة»‭.‬
 
قد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭ ‬إن‭ ‬الموقف‭ ‬الجزائري‭ ‬يرتبط‭ ‬بقضايا‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬للبلاد‭ ‬مع‭ ‬جوار‭ ‬صعب‭ ‬تمليه‭ ‬التوترات‭ ‬بمنطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬وأيضا‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬على‭ ‬الواجهة‭ ‬الليبية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬مردود‭ ‬عليه‭ ‬إذا‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬يقف‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬القلاقل‭ ‬التي‭ ‬تؤرق‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الإشراف‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬وتمويل‭ ‬جماعة‭ ‬البوليساريو‭ ‬الانفصالية‭ ‬والإنفاق‭ ‬بسخاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعاكس‭ ‬مغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬والتحالف‭ ‬مع‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وإيران‭ ‬وحزب‭ ‬لله‭ ‬ضد‭ ‬المغرب،‭ ‬مرورا‭ ‬بالحرب‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬قوات‭ ‬البولسياريو‭ ‬على‭ ‬نواكشوط‭ ‬في‭ ‬سبيعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬والعملية‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬كوموندو‭ ‬عسكري‭ ‬على‭ ‬ثكنة‭ ‬بحفصة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬1980‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬تبسة‭ ‬بالجزائر،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬الكهرباء‭ ‬ومواد‭ ‬التموين‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭  ‬الشعب‭ ‬التونسي،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لمالي‭ ‬والنيجر‭ ‬وليبيا،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أجهزة‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الجزائري‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬خلق‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بتنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬الإسلامي،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬انتهى‭ ‬إليه‭ ‬الباحث‭ ‬الأنثروبولوحي‭ ‬جيرمي‭ ‬كينان‭ ‬الذي‭ ‬أصدر‭ ‬كتابا‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬«الصحراء‭ ‬المظلمة»‭. ‬

ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬المرء‭ ‬إلى‭ ‬عناء‭ ‬كبير‭ ‬ليفهم‭ ‬أن‭ ‬باريس‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬الأطماع‭ ‬الجزائرية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأوراق‭ ‬في‭ ‬يدها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬«التوازن‭ ‬الدقيق‭ ‬بين‭ ‬الرباط‭ ‬والجزائر»‭. ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬لاعب‭ ‬اقتصادي‭ ‬منافس‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬لجأت‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬استحداث‭ ‬خطة‭ ‬أخرى‭ ‬تتماشى‭ ‬والتغيرات‭ ‬الحاصلة،‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬عرقلة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬قضيته‭ ‬الوطنية‭ ‬ومحاولة‭ ‬خنقه‭ ‬بالإبقاء‭ ‬على‭ ‬التوتر‭ ‬والمبالغة‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬التهديد‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬الجارة‭ ‬الشرقية؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬وضع‭ ‬الرباط‭ ‬أمام‭ ‬امتحان‭ ‬صعب،‭  ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفعها‭ ‬للعودة‭ ‬مرغمة‭ ‬إلى‭ ‬أحضان‭ ‬باريس،‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬طموحاتها‭ ‬الاستثمارية‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬والقطع‭ ‬مع‭ ‬شركائها‭ ‬الأفارقة،‭ ‬وترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬لتفعل‭ ‬فرنسا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬في‭ ‬مستعمراتها‭ ‬السابقة‭.‬‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تجربه،‭ ‬الآن،‭ ‬مع‭ ‬باماكو؛‭ ‬وذلك‭ ‬بتسخير‭ ‬جيش‭ ‬الكراغلة‭ ‬وأجهزة‭ ‬استخباراته‭ ‬للإشراف‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬تمردات‭ ‬للمجموعات‭ ‬المسلحة‭ ‬للطوارق‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي،‭ ‬أو‭ ‬لتهدئة‭ ‬الأوضاع‭ ‬عبر‭ ‬مفاوضات‭ ‬تتم‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬الأجندة‭ ‬الفرنسية‭. ‬إذ‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يراهن‭ ‬الحلف‭ ‬الجزائري-‭ ‬الفرنسي‭ ‬على‭ ‬إشعال‭ ‬تمرد‭ ‬الطوارق‭ ‬والأزواد‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2012،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬المالي‭ ‬قد‭ ‬أخلى‭ ‬عاتقه‭ ‬من‭ ‬«اتفاق‭ ‬الجزائر‭ ‬للسلام»،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يبادر‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬عسكريا‭ ‬بدعوى‭ ‬«منع‭ ‬قيام‭ ‬إمارة‭ ‬إرهابية»‭ ‬على‭ ‬حدوده‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وفق‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬تفضله‭ ‬باريس،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬المالي‭ ‬لطالما‭ ‬وجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬وأد‭ ‬تمرد‭ ‬الطوارق‭ ‬نظرا‭ ‬لإمكانياته‭ ‬المحدودة،‭ ‬وأيضا‭ ‬لشساعة‭ ‬المنطقة،‭ ‬ودراية‭ ‬المتمردين‭ ‬الطوارق‭ ‬بدروبها‭ ‬الوعرة‭.‬
غير‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يُطرح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬هو:‭ ‬هل‭ ‬سيورط‭ ‬جيش‭ ‬شنقريحة‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬قد‭ ‬تستنزف‭ ‬قدراته،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اشتغاله‭ ‬الطويل‭ ‬على‭ ‬صب‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬توتر‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬حدوده‭ ‬الشرقية‭ ‬والغربية‭ ‬أيضا؟‭ ‬وبمعنى‭ ‬من‭ ‬المعاني،‭ ‬هل‭ ‬سينجح‭ ‬الفرنسيون‭ ‬في‭ ‬إرغام‭ ‬شنقريحة‭ ‬على‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬خلقه‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬مالي؟‭ ‬وهل‭ ‬سيسمح‭ ‬الجيش‭ ‬المالي‭ ‬للجزائر‭ ‬بالتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أراضيها؟
إن‭ ‬المظاهرات‭ ‬الشعبية‭ ‬المنددة‭ ‬بالتدخل‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬باماكو،‭ ‬تعكس‭ ‬حجم‭ ‬الاستياء‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬المالي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعيد‭ ‬إلى‭ ‬الأذهان‭ ‬الشعارات‭ ‬المناوئة‭ ‬لفرنسا‭ ‬التي‭ ‬رفعها‭ ‬محتجون‭ ‬ماليون‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬عورة‭ ‬جيش‭ ‬الكراغلة‭ ‬قد‭ ‬انكشفت،‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬مناولة‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬لا‭ ‬حسن‭ ‬الجوار،‭ ‬ولا‭ ‬سيادة‭ ‬الشعوب،‭ ‬ولا‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭. ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬الطابع‭ ‬التآمري‭ ‬لقصر‭ ‬المرادية،‭ ‬وأنه‭ ‬خاضع‭ ‬تمام‭ ‬الخضوع‭ ‬لقصر‭ ‬الإيليزيه‭.‬
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"