من المثير للانتباه أن الإعلام الجزائري، رغم التغيير الجذري الذي وقع في الأدوار والذهنيات والنفسيات، ما زال رهين "لحظة التأسيس" التي جعلته يرتمي في حضن «البروباغندا» الساعية إلى إبراز الجزائر بوصفها «قوة ضاربة» تقود «الحركات التحررية المناهضة للاستعمار». وقد تمثل المظهر البارز لهذا الإعلام في استخدام كل الأساليب الدعائية المنحطة لخلق بيئة تعادي المغرب، وتعمل على قدم وساق من أجل إضعاف مؤسساته، والنيل من رموز سيادته، واستنزاف طاقته وإلهائه بـاختلاق دولة «جمهورية البوليساريو الوهمية السعيدة»!
لم يخرج، إذن، هذا الإعلام من الممارسات التي أفرزتها «لحظة البروباغاندا»، أي لحظة إعلان ورثة الهواري بوخروبة، الذين يحكمون البلد بالنار والحديد، الحرب الشاملة على المغرب، انتقاما للانتصار الساحق للجيش المغربي على الجيش الجزائري، بعد ثلاثة أسابيع من انطلاق المعارك في 8 أكنوبر 1963، في ما سمي آنذاك بحرب الرمال.
والدليل على ذلك أنه ما إن يحقق المغرب انتصارا دوليا في شتى المجالات حتى يبدأ هذا الإعلام في بث الرسائل الحاقدة التي تبخس جهد الجار وتجرده من أي كفاءة أو استحقاق، بل تعتبر أي فوز حققه انتصارا مسروقا من الجزائر وأبنائه وبناته ولاعبيه وجغرافيته وتاريخه وثقافته وتراثه وعلومه وآدابه، وهذا ما نعاينه هذه الأيام مع كأس الأمم الإفريقية بالكوت ديفوار، حين انبرى هذا الإعلام لتجييش الجزائريين بإظهار المغرب بصفته عدوا تأتي من ظهره كل المصائب والمحن، وأن تميزه الكروي مجرد خرافة، ومؤسساته مجرد مصانع للتآمر على الجزائر، وعلى «قوتها الضاربة»!
وبشكل عام، تعبر حال الإعلام الجزائري، بتركيزه الحاقد على المغرب، عن اضطراب في الشخصية أو مرض نفسي واجتماعي تحيل إليه النزعة إلى كره الآخرين، والميل إلى عدم الثقة بهم كقاعدة عامة، والانزعاج من نجاحاتهم والنظر إلى هذا النجاح بخيبة أمل، والاكتفاء بالوقوف في طابور انتظار أي زلة قدم تنجم عنهم. بل إبداء الغضب باستمرار أمام كل تميز أو تفوق، الأمر الذي يتسبب في احتكاك حاد مع كل من يختلف معه، أو مع كل من يستثمر في نماذج مختلفة.
ويكاد لا يختلف المراقبون على أن الإعلام الجزائري هذه الأيام مصاب باضطراب الشخصية الحدية، حيث يكشف الغضب الحاد والاندفاع والحالات المزاجية المتقلبة تجاه المغرب والمغاربة، أن هذا الإعلام يخفي شخصية «ترغب في الشعور بالحب ووجود علاقات دائمة»، الأمر الذي يشير إلى أنها شخصية انتحارية تحتاج إلى خدمات علاجية طارئة لتقليص مساحة العدوانية والاندفاع، قبل أن تدخل في شجار حربي مع الذات أولا، ومع من تعتبره ذاتها المسروقة!
لقد حاول العسكر الجزائري، بعد تعرضه للانتقاد داخليا وخارجيا، بناء إعلام «مستقل» يوهم بأن «النظام» خرج من وباء الحزب الوحيد «البروباغندا». غير أنه حافظ على النواة الصلبة لسياسته الخارجية التي تقوم على العداء للمملكة المغربية، وعلى كل ما يتصل بها، إلى الحد الذي دفع هذا الإعلام، المأخوذ بالنعرة والحماس الزائد للتفوق الوهمي، إلى نسب أشهر معالم المغرب الأثرية وأبرز الإنجازات العلمية والرياضية، بل حتى الرموز والمزارات والأولياء إلى بلاده، في لعبة قذرة تقع خارج أي تصنيف عقلاني أو علمي. وليس هذا غريبا عن إعلام يدار بجهاز التحكم عن بعد من قلب «القصر الجمهوري». والدليل على التحكم والاستئجار أن الصحافة الجزائرية التي يقال عنها إنها «مستقلة» لا تدفع أي إيجار لما يسمى في الجزائر «بيت الصحافة» «مقرات وزعت على الصحف الجزائرية»، وأن خزينة دولة الكابرانات هي من تمول «بروباغاندا مناهضة المغرب»، ليتحدث الصحافيون، بأقلام وأفواه لا تمل ولا تكل، عن «الاحتقان الاجتماعي بالمغرب»، وعن العبودية المتجذرة والعصر الطباشيري الأول والطغيان السياسي الذي تعيشه المملكة العلوية الشريفة، والحال أنها خيالات لا توجد إلا في الأذهان المريضة لهؤلاء المأجورين!
إن من يتابع الإعلام الجزائري، منذ ما قبل قطع العلاقات الديبلوماسية وإغلاق الأجواء، يدرك أن هذا الأعلام مصاب بعقدة اسمها المغرب، إذ لن تجد صحيفة، ولا برنامجا سياسيا أو ثقافيا أو رياضيا، ولا نشرة إخبارية، إلا والهجوم على المغرب وقادته ومؤسساته، ووصفه بأبشع النعوت، هو سيد الموقف. وهو ما يوضح أن مسيري هذا الإعلام «اتحدوا» من أجل الامتثال للكابرانات، وأن الجزائريين ما زالوا يعيشون طغيان «الحزب الوحيد» «والستراتوقراطية المُقَنَّعة» بقيادة «الكابران» شنقريحة وأزلامه في المؤسسة العسكرية. وسبب ذلك، كما لا يخفى على أحد، هو التأييد الدولي المتزايد لمقترح الحكم الذاتي بوصفه حلا سياسا وحيدا لنزاع الصحراء المفتعل.
ويعمد هذا الإعلام إلى تخوين كل من يقول كلمة حق في السياسات المغربية، وفي النموذج الاقتصادي المغربي، فضلا عن نشر الإشاعات والأكاذيب من خلال الادّعاء بوجود حرب باردة يقودها المغرب على الجزائر في الداخل والخارج؛ والحال أن تلك الأخبار والتحليلات مجرد أحتلاقات يكذّبها الواقع وتفتقر إلى الحجج والدلائل.
إن من يتابع الإعلام الجزائري ليقتنع بالفعل بأن المغرب يعيش في القرون الوسطى، وأنه له أجندة لتقسيم الجزائر، وأنه هو المسؤول المباشر عن افتقار الأسواق الجزائرية إلى المواد الأساسية، وأنه المسؤول الأول والأخير عن العواصف والأعاصير والحرائق وجميع الكوارث الطبيعية والموبقات التي تضرب البلاد، وأنه الذي يقف وراء خروج المنتخب الجزائري من المونديال، وصانع أزمة البطالة، وممول الاحتجاج الاجتماعي والسبب في طوابير الحصول على الحليب والدقيق.. إلخ. وما يؤكد أن هذا الأعلام يمتح من القاموس الحربي أنه يلجأ إلى لغة انفعالية تفتقر إلى الدبلوماسية، كما تفتقر إلى النزاهة الفكرية وأخلاقيات المهنة، والتحيز للحقيقة والمصداقية، وذلك حين يستعمل عبارات من قبيل «نظام الاحتلال» و«جيش الاحتلال» و«العدوان» و«تصفية الاستعمار» و«بلاد هكا» و«العدو الغاشم»، بل الأدهى من ذلك كله حين يسكت عن أي انتصار مغربي في المحافل الدولية، وحين يضطر إلى ذلك يلجأ إلى «التحايل» المثير للضحك والسخرية.
ولا يفسر هذه «البروباغندا الحاقدة» إلا وقوع الإعلام الجزائري في شرك «الاختلاق»، والإمعان في حشد الأباطيل من أجل معاداة المغرب، لا لشيء إلا لأن الكابرانات يعلمون جيدا أن معركة الشعب الجزائري ليست مع المغرب ولا مع المغاربة، ولكنّ معركته الحقيقية هي مع تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، في ظل حكم عسكري مصاب بـ «داء الشعور بالعظمة»!
لقد نجح الكابرانات في «إلهاء» الشعب الجزائرية عن معركته الأولى، بعدما قاموا بتكميم أفواه الصحافيين والحقوقيين النزهاء، كما قاموا بإرشاء المتزلفين و«لحاسي الكابة» والمرتزقة والراغبين في الإثراء السريع، وهذا ما يفسر السباق المحموم الذي دخله الصحافيون الجزائريون لإنتاج أكبر عدد من الأخبار الكاذبة عن المغرب، بل هذا ما يعكسه عدد القصاصات الإخبارية التي تتناول المغرب في «وكالة الانباء الجزائرية، مما يعني أن التهجم على المغرب ليس مجرد «انفعال عابر» بل عقيدة إعلامية الغاية منها استهداف المؤسسات المغربية. كما يؤكد أن الجزائر دولة تفتقد إلى الرشد السياسي في تدبير الخلافات، وأنها لا تراهن على المستقبل، ولا تستحضر حتى منطق القرب الجغرافي، بل تصر على أن يظل «الجوار صعبا»، و«المصير المشترك» معلقا.. ما لم يعلن المغرب تخليه عن وحدته الترابية، علما أن تدرك تمام الإدراك أن المغرب تجاوز هذا المنطق، ولا يدير لعبته على أساس الحرب، بل على أساس التفاوض والإقناع ومد اليد وتطوير العمل الديبلوماسي.
يسير المغرب بخطى حثيثة واثقة صوب الحسم النهائي لملف الصحراء. وهذا ما يؤكده الدعم الدولي والعربي والإفريقي، ولذلك ليس ذنبه أن حكام الجزائر لا يتوفرون على السرعة نفسها، ولا على الحافز نفسه الذي تتوفر عليها الديبلوماسية تبقى لتدبير علاقاتها الدولية. كما ليس ذنبه أن يتحول الإعلام الجزائري إلى جوقة مثيرة للسخرية، خاصة أن أقطاب هذا الإعلام لا تتوانى عن التضليل والاختلاق، مما يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى حالة الهزيمة النفسية التي يعيشها الكابرانات في مواجهة المد المغربي الفعال.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية"الوطن الآن"