الأربعاء 27 نوفمبر 2024
اقتصاد

العربي الزكدوني: كلفة مخطط "المغرب الأخضر" كانت جد باهظة على الموارد المائية

العربي الزكدوني: كلفة مخطط "المغرب الأخضر" كانت جد باهظة على الموارد المائية العربي الزكدوني، خبير في الاقتصاد الفلاحي والتنمية القروية
أجرى‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الفلاحي‮ ‬والتنمية‭ ‬القروية،‭ ‬العربي‭ ‬الزكدوني،‭ ‬حوارا‭ ‬مطولا‭ ‬نشر‭ ‬ضمن‭ ‬قناة‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬الحريشي‭ ‬على‭ " ‬يوتيوب‭ " ‬سلط‭ ‬فيه‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬بالمغرب‭ ‬والتي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬وأبرزها‭ ‬إشكالية‭ ‬الإجهاد‭ ‬المائي‭ ‬منتقدا‭ ‬الاختيارات‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬خلال‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬الأخيرة‭ ‬والتي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬استنزاف‭ ‬الموارد‭ ‬المائية،‭ ‬وإهمال‭ ‬سلسلة‭ ‬الحبوب‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الفلاحية،‭ ‬داعيا‭ ‬الى‭ ‬وقفة‭ ‬تأملية‭ ‬لتقييم‭ ‬حصيلة‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬خلال‭ ‬50‭ ‬سنة‭ ‬والقطع‭ ‬مع‭ ‬الاختيارات‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والتوتر‭ ‬والتقلبات‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬،‭ ‬مؤكدا‭ ‬بأن‭ ‬كلفة‭ ‬مخطط‭ " ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭ " ‬كانت‭ ‬جد‭ ‬باهظة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ .‬

 
في‭ ‬نظرك‭ ‬هل‭ ‬تسبب‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭ ‬في‭ ‬الإجهاد‭ ‬المائي؟‭ ‬وهل‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬سياسة‭ ‬فلاحية‭ ‬أم‭ ‬أمام‭ ‬حالة‭ ‬تخبط‭ ‬عشوائي؟
الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بإشكالية‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬تحت‭ ‬ظروف‭ ‬خاصة‭ ‬منذ‭ ‬بضعة‭ ‬سنين،‭ ‬رغم‭ ‬كوننا‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬ناشدنا‭ ‬المسؤولين‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬الاختيارات‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬لتفادي‭ ‬ما‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خصاص‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬هو‭ ‬المورد‭ ‬الأساسي‭ ‬لجميع‭ ‬الأنشطة‭ ‬البشرية‭ ‬وأيضا‭ ‬للحياة‭ . ‬أولا‭ ‬لفهم‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬وكيف‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه،‭ ‬فقبل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬كان‭ ‬نموذجا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬ببناء‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للقطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬بغية‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬آنذاك‭ ‬بالاكتفاء‭ ‬الذاتي،‭ ‬بمعنى‭ ‬أننا‭ ‬ننتج‭ ‬حسب‭ ‬معطياتنا‭ ‬المناخية‭ ‬وحسب‭ ‬التربة‭ ‬والأراضي‭ ‬الصالحة‭ ‬للزراعة،‭ ‬ومن‭ ‬ما‭ ‬يتوفر‭ ‬من‭ ‬مراعي‭ ‬للإنتاج‭ ‬الحيواني‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬الى‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭. ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬طورنا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬سلاسل‭ ‬الانتاج‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬سلاسل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متواجدة‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬لو‭ ‬أخذنا‭ ‬منتوجات‭ ‬النباتات‭ ‬السكرية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬من‭ ‬شمندر‭ ‬وقصب‭ ‬السكر‭.
 
‬حيث‭ ‬أدخلنا‭ ‬إنتاج‭ ‬الشمندر‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وكانت‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬سيدي‭ ‬سليمان‭ ‬بالغرب،‭ ‬وطورنا‭ ‬المساحات‭ ‬المزروعة‭ ‬من‭ ‬الشمندر‭ ‬وقصب‭ ‬السكر‭ ‬ولكننا‭ ‬لم‭ ‬نتوصل‭ ‬إلى‭ ‬تغطية‭ ‬جميع‭ ‬الحاجيات‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬من‭ ‬السكر،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬النسبة‭ ‬المئوية‭ ‬تتأرجح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬40‭ ‬الى‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬منذ‭ ‬سنين،‭ ‬رغم‭ ‬المجهودات‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتوسيع‭ ‬المساحات‭ ‬الزراعية،‭ ‬أولا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالدوائر‭ ‬السقوية،‭ ‬ونفس‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحبوب‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭. ‬ويمكنني‭ ‬القول‭ ‬إننا‭ ‬فقدنا‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬منذ‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لازلنا‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬خصاص‭ ‬يتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬50‭ ‬الى‭ ‬70‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬حسب‭ ‬السنوات‭. ‬وكنا‭ ‬نعتقد‭ ‬الى‭ ‬حدود‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتغطية‭ ‬جميع‭ ‬حاجياتنا‭ ‬من‭ ‬اللحوم‭ ‬والحليب‭ ‬ومشتقاته‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬الاستيراد‭ ‬والذي‭ ‬شمل‭ ‬حتى‭ ‬أضاحي‭ ‬العيد‭ ‬من‭ ‬البرتغال‭ ‬واسبانيا‭ ‬ورومانيا،‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬إطلاق‭ ‬العنان‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬لاستيراد‭ ‬العجول‭ ‬للذبح‭. ‬أزمة‭ ‬الحليب‭ ‬الكل‭ ‬يعرفها،‭ ‬والإنتاج‭ ‬مهدد‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬يمكن‭ ‬الرجوع‭ ‬إليها‭. ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالخضر‭ ‬والفواكه‭ ‬الأكثر‭ ‬استهلاكا‭ ‬فهي‭ ‬تغطي‭ ‬الحاجيات‭ ‬من‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الوطني‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ضغط‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأثمان‭. ‬بالطبع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬يرجعون‭ ‬الوضعية‭ ‬الحالية‭ ‬إلى‭ ‬التقلبات‭ ‬المناخية‭ ‬وإلى‭ ‬تعاقب‭ ‬سنوات‭ ‬الجفاف،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬إرجاع‭ ‬جميع‭ ‬الأمور‭ ‬الى‭ ‬السماء‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نتحمل‭ ‬أية‭ ‬مسؤولية‭ ‬في‭ ‬الوضعية‭ ‬الحالية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تقبله‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المنطقية‭.. ‬فعلا‭ ‬هناك‭ ‬تغيرات‭ ‬أو‭ ‬تقلبات‭ ‬مناخية‭ ‬وهناك‭ ‬تعاقب‭ ‬لسنوات‭ ‬الجفاف،‭ ‬وهناك‭ ‬نقص‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬التساقطات‭ ‬المطرية‭ ‬والثلوج‭ ‬والتي‭ ‬تزود‭ ‬الفرشاة‭ ‬المائية‭ ‬والسدود‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬توزع‭ ‬حسب‭ ‬الاستعمالات‭ ‬الفلاحية‭ ‬والصناعية،‭ ‬والسياحية‭ ‬والماء‭ ‬الصالح‭ ‬للشرب،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬ليست‭ ‬لهم‭ ‬مسؤولية‭ ‬في‭ ‬الوضعية‭ ‬الحالية‭. ‬أخيرا‭ ‬تصفحت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والتقييمات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تقارير‭ ‬أنجزتها‭ ‬مؤسسات‭ ‬دستورية‭ ‬مثل‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي،‭ ‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط،‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات،‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬مديرية‭ ‬الدراسات‭ ‬التابعة‭ ‬لوزارة‭ ‬المالية،‮ ‬التقرير‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬خمسينية‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬تقرير‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬الجديد،‭ ‬التقييمات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي،‭ ‬المنظمة‭ ‬العالمية‭ ‬للأغذية‭ ‬والزراعة،‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬الصندوق‭ ‬الدولي‭ ‬للتنمية‭ ‬الفلاحية‭.. ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬الخطب‭ ‬الملكية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬أو‭ ‬منذ‭ ‬اعتلاء‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬العرش‭.. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬تتضمن‭ ‬التقائية‭ ‬تنبني‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإشكالات‭ ‬المطروحة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬والتي‭ ‬لاتزال‭ ‬لحدود‭ ‬اليوم‭ ‬تبارح‭ ‬مكانها،‭ ‬بينما‭ ‬الكل‭ ‬مجمع‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬بكونها‭ ‬تشكل‭ ‬إكراهات‭ ‬قوية‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬مردودية‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬وتحد‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتقليص‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمجالية،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬سموها‭ ‬الأسئلة‭ ‬العالقة‭ ‬للتنمية‭ ‬الفلاحية‭ ‬والقروية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭. ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬الى‭ ‬تقييم‭ ‬هام‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الطيب‭ ‬زعمون‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬آنذاك،‭ ‬حيث‭ ‬لازالت‭ ‬لحد‭ ‬الساعة‭ ‬الإكراهات‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬آنذاك‭ ‬سيدة‭ ‬الموقف‭. ‬وأعطيك‭ ‬مثال‭ ‬الماء‭ ‬وسأعود‭ ‬الى‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬بتاريخ‭ ‬27‭ ‬يونيو‭ ‬2001‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬22‭ ‬سنة،‭ ‬والذي‭ ‬وجه‭ ‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للماء‭ ‬والمناخ‭ ‬والذي‭ ‬دعا‭ ‬فيه‭ ‬الى‭ ‬تغيير‭ ‬طريقة‭ ‬تدبيرنا‭ ‬للماء‭ ‬والى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الطلب‭ ‬بينما‭ ‬لازلنا‭ ‬لحد‭ ‬الآن‭ ‬نتخبط‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬«بناء‭ ‬السدود،‭ ‬تحلية‭ ‬المياه،‭ ‬تصفية‭ ‬المياه‭ ‬العادمة‭ ‬وإعادة‭ ‬استعمالها».‭ ‬وقد‭ ‬كرر‭ ‬الملك‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬ونصف‭ ‬بمناسبة‭ ‬افتتاح‭ ‬البرلمان‭ ‬نفس‭ ‬الموضوع‭ ‬حين‭ ‬طرح‭ ‬موضوع‭ ‬الاستثمار‭ ‬والماء‭ ‬وضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬القطاعية‭..‬
 
ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬مضامين‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬لعام‭ ‬2001‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المسؤولين‭ ؟
على‭ ‬ضوء‭ ‬معطى‭ ‬تقلص‭ ‬الموارد‭ ‬المائية،‭ ‬إعطيني‭ ‬مثال‭ ‬واحد‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬أو‭ ‬سياسة‭ ‬كان‭ ‬معمولا‭ ‬بها‭ ‬تم‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فيها،‭ ‬فهل‭ ‬بعد‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬«الجيل‭ ‬الأخضر»‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬امتدادا‭ ‬لمخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭..‬إنها‭ ‬أزمة‭ ‬كبيرة،‭ ‬والتي‭ ‬تجعلني‭ ‬شخصيا‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الجفاف‭ ‬غير‭ ‬مقنع،‭ ‬فمن‭ ‬الآن‭ ‬فصاعدا‭ ‬ينبغي‭ ‬للمغرب‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬سياساته‭ ‬العمومية‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬معطى‭ ‬قار‭ ‬وهيكلي‭ ‬وهو‭ ‬نقص‭ ‬الماء‭. ‬فالنقص‭ ‬المائي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬أصبح‭ ‬معطى‭ ‬أساسيا‭ ‬وتابتا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬جميع‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬والتخطيطات‭ ‬والاستشرافات‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تبنى‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭. ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬معطى‭ ‬جديدا‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الخبراء‭ ‬منذ‭ ‬30‭ ‬سنة،‭ ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬مفروضا‭ ‬علينا‭ ‬جوهريا‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬النموذج‭ ‬الفلاحي‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬للبلاد‭ ‬ككل‭.‬

لنعد‭ ‬الى‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر،‭ ‬فلقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬تميزت‭ ‬بغلاء‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬الموجهة‭ ‬للاستهلاك‭ ‬البشري‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬الأسعار‭ ‬بشكل‭ ‬مهول‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬أزمة‭ ‬عالمية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬عصفت‭ ‬بأبناك‭ ‬كبرى،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬ذلك‭ ‬طالبت‭ ‬التوجيهات‭ ‬الملكية‭ ‬ببلورة‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬لإعطاء‭ ‬نفس‭ ‬جديد‭ ‬للقطاع‭ ‬الفلاحي‭. ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭ ‬تتميز‭ ‬ببعض‭ ‬الجوانب‭ ‬وأبرزها‭ ‬استمراريته‭ ‬لما‭ ‬يناهز‭ ‬15‭ ‬سنة،‭ ‬فالقليل‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الفلاحية‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬بالاستمرارية‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬المدة‭ ‬باستثناء‭ ‬سياسة‭ ‬السدود‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الستينيات‭ ‬ووضع‭ ‬لها‭ ‬المرحوم‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬هدف‭ ‬سقي‭ ‬مليون‭ ‬هكتار،‭ ‬وقد‭ ‬حققنا‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬استمرت‭ ‬لأزيد‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬سنة‭ ‬ولازالت‭ ‬مستمرة‭ ‬نسبيا‭ ‬الى‭ ‬حدود‭ ‬اليوم‭.‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬قطاعات‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والأمن‭ ‬والعدل‭ ‬تتطلب‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجيات‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬قبول‭ ‬تغييرها‭ ‬كل‭ ‬سبعة‭ ‬أيام مع‭ ‬مجيء‭ ‬كل‭ ‬حكومة!،‭ ‬فهذه‭ ‬القطاعات‭ ‬تمنحنا‭ ‬إمكانية‭ ‬تسيير‭ ‬البلاد‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬مصيرها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬طويل‭ ‬جدا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضمن‭ ‬استقرار‭ ‬البلاد‭ ‬وبالتالي‭ ‬ضمان‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬وتحقيق‭ ‬التنمية‭. ‬اذا‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭ ‬حظي‭ ‬بمعطى‭ ‬الاستمرارية‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬معطى‭ ‬الاستثمار،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬للقطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬أن‭ ‬حظي‭ ‬بميزانيات‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم،‭ ‬وأعطيت‭ ‬له‭ ‬تسهيلات‭ ‬مكنت‭ ‬من‭ ‬تحريك‭ ‬التنظيمات‭ ‬المهنية‭ ‬رغم‭ ‬محدوديتها،‮ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬إطلاق‭ ‬عنان‭ ‬لاستغلال‭ ‬أراضي‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬ما‭ ‬يسمون‭ ‬"المستثمرين"‭ ‬الوطنيين‭ ‬المغاربة‭ ‬والأجانب،‭ ‬وفعلا‭ ‬تضاعف‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬وتضاعفت‭ ‬قيمة‭ ‬المنتوج،‭ ‬وارتفع‭ ‬نسبة‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭. ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬إجراء‭ ‬تقييم‭ ‬للتمويلات‭ ‬التي‭ ‬منحت‭ ‬للتنظيمات‭ ‬المهنية‭ ‬أو‭ ‬البيمهنية،‭ ‬ومعرفة‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬المغربي‭ ‬وعلى‭ ‬ظروف‭ ‬عيشه‭ ‬وعلى‭ ‬تعليمه‭ ‬وعلى‭ ‬دخل‭ ‬أبنائه،‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ . ‬الكثيرون‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الجفاف‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬منذ‭ ‬30‭ ‬سنة‭. ‬وأنا‭ ‬أختلف‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬فهذا‭ ‬النقص‭ ‬المائي‭ ‬الذي‭ ‬نعاني‭ ‬منه‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬له‭ ‬مثيل،‭ ‬فالجفاف‭ ‬الذي‭ ‬عاشه‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬الجفاف‭ ‬الحالي،‭ ‬أولا‭ ‬لكون‭ ‬نسبة‭ ‬الساكنة‭ ‬كانت‭ ‬ضئيلة‭ ‬بينما‭ ‬حاليا‭ ‬نحن‭ ‬نقارب‭ ‬40‭ ‬مليون،‭ ‬اذا‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الماء‭ ‬اليوم‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الأمس‭. ‬ثانيا‭ ‬السدود‭ ‬لم‭ ‬تتراجع‭ ‬حقينتها‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬اليوم،‭ ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬الثمانينيات‭ ‬الى‭ ‬حدود‭ ‬اليوم‭ ‬استنزفنا‭ ‬الفرشاة‭ ‬المائية‭.‬
 
وما‭ ‬هي‭ ‬كلفة‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر؟
الكلفة‭ ‬كانت‭ ‬باهظة‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬استنزاف‭ ‬الفرشة‭ ‬المائية‭ ‬خلال‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬وترك‭ ‬الدمار‭. ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬أقبل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الجفاف‭ ‬لماذا؟‭ ‬لأن‭ ‬المساحة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تجهيزها‭ ‬للسقي‭ ‬بالتنقيط‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬صندوق‭ ‬التنمية‭ ‬الفلاحية‭ ‬ارتفعت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الأراضي‭ ‬خارج‭ ‬الدوائر‭ ‬السقوية‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬مليون‭ ‬و700‭ ‬ألف‭ ‬هكتار‭ ‬مجهزة‭ ‬للسقي‭. ‬والجديد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يناهز‭ ‬600‭ ‬الى‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬هكتار‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬لأي‭ ‬مراقبة‭ ‬وتتعلق‭ ‬بالسقي‭ ‬التابع‭ ‬للخواص‭ ‬والذي‭ ‬تطور‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬التنمية‭ ‬الفلاحية‭ ‬والذي‭ ‬يضخ‭ ‬مياه‭ ‬الفرشة‭ ‬المائية‭ ‬عبر‭ ‬حفر‭ ‬الآبار‭ ‬دون‭ ‬حسيب‭ ‬ولا‭ ‬رقيب‭. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬المسؤولين‭ ‬ساهموا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬عن‭ ‬قصد،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يؤاخذون‭ ‬عليهم‭ ‬هو‭ ‬كونهم‭ ‬لا‭ ‬ينصتون‭ ‬للتقييمات‭ ‬التي‭ ‬تجرى‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬جودتها‭ ‬اذا‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬الاحتياطات‭ ‬اللازمة‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬التتبع‭ ‬والتقييم‭ ‬المستمر،‭ ‬فإنها‭ ‬تؤدي‭ ‬الى‭ ‬رواسب‭ ‬سلبية‭. ‬فلا‭ ‬يعقل‭ ‬دعم‭ ‬السقي‭ ‬بالتنقيط‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬حتى‭ ‬مياه‭ ‬الشرب،‭ ‬وللأسف‭ ‬فقد‭ ‬انتهى‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭ ‬منهيا‭ ‬معه‭ ‬حتى‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭. ‬ولذلك‭ ‬أؤكد‭ ‬أن‭ ‬الجفاف‭ ‬مجرد‭ ‬عامل‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الاختيارات‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬أيضا‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه‭ ‬اليوم‭ ..‬
‮ ‬
ماذا‭ ‬عن‭ ‬توسيع‭ ‬مساحات‭ ‬النخيل‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي؟
للأسف‭ ‬فتوسيع‭ ‬مساحات‭ ‬النخيل‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي‭ ‬يتم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأراضي‭ ‬الرعوية‭ ‬التابعة‭ ‬للجماعات‭ ‬السلالية‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬كراء‭ ‬ذات‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬ويستفيدون‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضخ‭ ‬المياه‭ ‬من‭ ‬الفرشة‭ ‬المائية‭. ‬وللأسف‭ ‬فضخ‭ ‬المياه‭ ‬يتم‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬عالية‭ ‬تعد‭ ‬مصدر‭ ‬المياه‭ ‬بالنسبة‭ ‬للواحات‭ ‬التقليدية‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬يتم‭ ‬لصالح‭ ‬فئة‭ ‬معينة‭ ‬لما‭ ‬يسمونهم‭ ‬بـ‭ ‬«المستثمرين»‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أنظمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬وبيئية‭ ‬وثقافية‭ ‬تشكل‭ ‬مكونا‭ ‬أساسيا‭ ‬ليس‭ ‬للفلاحة‭ ‬المغربية‭ ‬بل‭ ‬للهوية‭ ‬المغربية‭. ‬فالمجتمعات‭ ‬الواحية‭ ‬تعد‭ ‬رافدا‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الهوية‭ ‬المغربية،‭ ‬قد‭ ‬يقال‭ ‬إنه‭ ‬سيتم‭ ‬رفع‭ ‬إنتاج‭ ‬التمور،‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬كلفة‭ ‬ذلك‭ ‬البيئية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والأمنية‭ ‬؟‭ ‬وللأسف‭ ‬فالقطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬يتم‭ ‬تدبيره‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬معيار‭ ‬مالي‭.. ‬منذ‭ ‬2007‭ ‬دخلنا‭ ‬في‭ ‬منهجية‭ ‬جديدة‭ ‬تم‭ ‬بموجبها‭ ‬إقصاء‭ ‬الخبراء‭ ‬والباحثين‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬المخططات‭ ‬والبرامج‭ ‬الفلاحية‭ ‬وتم‭ ‬تعويضهم‭ ‬بمكاتب‭ ‬الدراسات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬والأمر‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬وجود‭ ‬تيار‭ ‬جارف‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬وجوده‭ ‬على‭ ‬المغرب،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬مكاتب‭ ‬الدراسات‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬شركات‭ ‬هدفها‭ ‬الربح،‭ ‬فهي‭ ‬تقوم‭ ‬بإعداد‭ ‬المخططات‭ ‬والدراسات‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬وتتقاضى‭ ‬أجورها‭ ‬ثم‭ ‬تغادر،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬بعدها‭ ‬محاسبتها،‭ ‬بينما‭ ‬تشغيل‭ ‬الباحثين‭ ‬المغاربة‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬تملك‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬سيكونون‭ ‬مسؤولون‭ ‬أمام‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الفشل‭. ‬لب‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬هي‭ ‬الفلاحة‭ ‬الأسرية،‭ ‬فمنذ‭ ‬الأربعينيات‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬بلورة‭ ‬سياسة‭ ‬فلاحية‭ ‬موجهة‭ ‬للفلاحة‭ ‬الأسرية‭ ‬ولحد‭ ‬الآن‭ ‬ليست‭ ‬لدينا‭ ‬سياسة‭ ‬فلاحية‭ ‬موجهة‭ ‬لهذه‭ ‬الفئات‭ ‬الواسعة‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬بالمغرب‭.‬‮ ‬ينبغي‭ ‬تنويع‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭. ‬لحدود‭ ‬الساعة‭ ‬لازال‭ ‬الاقتصاد‭ ‬القروي‭ ‬مرتبط‭ ‬ارتباطا‭ ‬شديدا‮  ‬بالإنتاج‭ ‬الفلاحي،‭ ‬ونحن‭ ‬نتساءل‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬سلسلة‭ ‬الحبوب‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬الفلاحية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭ ‬أو‭ ‬مخطط‭ ‬الجيل‭ ‬الأخضر‭.. ‬للأسف‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الجنرال‭ ‬ليوطي‭ ‬فالفلاحة‭ ‬المغربية‭ ‬لازالت‭ ‬مرتبطة‭ ‬بما‭ ‬تجود‭ ‬به‭ ‬السماء،‭ ‬رغم‭ ‬سياسة‭ ‬السدود‭ ‬التي‭ ‬دشناها‭ ‬منذ‭ ‬الستينيات،‭ ‬ورغم‭ ‬دعم‭ ‬السقي‭ ‬بالتنقيط‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭ ‬ورغم‭ ‬توسيع‭ ‬الأراضي‭ ‬المغروسة‭.. ‬وها‭ ‬قد‭ ‬عدنا‭ ‬اليوم‭ ‬الى‭ ‬تابت‭ ‬من‭ ‬الثوابت‭ ‬في‭ ‬الفلاحة‭ ‬المغربية،‭ ‬إذن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بمعطى‭ ‬هيكي،‭ ‬فهل‭ ‬تعاملنا‭ ‬معه‭ ‬كمعطى‭ ‬هيكلي؟‭ ‬للأسف‭ ‬فالاقتصاد‭ ‬القروي‭ ‬مرتبط‭ ‬أشد‭ ‬الارتباط‭ ‬بالإنتاج‭ ‬الفلاحي،‭ ‬علما‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬60‭ ‬سنة‭ ‬ونحن‭ ‬نردد‭ ‬بأن‭ ‬الفلاحة‭ ‬المغربية‭ ‬ونظرا‭ ‬لقلة‭ ‬الموارد‭ ‬وضعفها،‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬تحمل‭ ‬العبء‭ ‬الديمغرافي‭ ‬للعالم‭ ‬القروي‭. ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تثمين‭ ‬المنتوجات‭ ‬الفلاحية‭ ‬عبر‭ ‬التصنيع‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬قمنا‭ ‬به‭ ‬بالنسبة‭ ‬للنباتات‭ ‬السكرية،‭ ‬حيث‭ ‬أقيمت‭ ‬مصانع‭ ‬لإنتاج‭ ‬السكر‭ ‬والتي‭ ‬مكنت‭ ‬من‭ ‬تشغيل‭ ‬ساكنة‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭.‬
 
وهل‭ ‬هناك‭ ‬نماذج‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار؟
تجربة‭ ‬"كوباك"‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لإنتاج‭ ‬الحليب‭ ‬ومشتقاته‭ ‬تعد‭ ‬تجربة‭ ‬رائدة‭ ‬رغم‭ ‬كونها‭ ‬تمر‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬صعبة‭ ‬حاليا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬هل‭ ‬بلورنا‭ ‬صناعات‭ ‬صغيرة‭ ‬ومتوسطة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القروي؟‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬أنشطة‭ ‬قروية‭ ‬موازية‭ ‬ومكملة‭ ‬للقطاع‭ ‬الفلاحي،‭ ‬علما‭ ‬أنه‭ ‬تمنحنا‭ ‬إمكانيات‭ ‬تشغيل‭ ‬جديدة‭ ‬لفائدة‭ ‬ساكنة‭ ‬البوادي،‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬تقليص‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬(الغابات،‭ ‬المياه،‭ ‬المراعي)‭ ‬كما‭ ‬ستمكن‭ ‬من‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الهجرة‭ ‬القروية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬خلق‭ ‬توازنات‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭. ‬وما‭ ‬نقوله‭ ‬ليس‭ ‬جديدا‭ ‬فمنذ‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭ ‬ونحن‭ ‬نردده،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذه،‭ ‬واذا‭ ‬كانت‭ ‬الهياكل‭ ‬العقارية‭ ‬تعيق‭ ‬تطوير‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إصلاحها‭ ‬منذ‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭ ؟

مؤخرا‭ ‬تم‭ ‬الاهتداء‭ ‬الى‭ ‬تمليك‭ ‬الأراضي‭ ‬السلالية‭ ‬لذوي‭ ‬الحقوق‭ ‬مع‭ ‬تخصيص‭ ‬مليون‭ ‬هكتار‭ ‬للاستثمار‭ ‬الفلاحي،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬جاء‭ ‬متأخرا‭ ‬فلقد‭ ‬طرحه‭ ‬الطيب‭ ‬زعمون‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬كاتبا‭ ‬عاما‭ ‬لوزارة‭ ‬الفلاحة،‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬لحد‭ ‬الآن‭ ‬هذه‭ ‬الازدواجية‭ ‬بين‭ ‬الخطاب‭ ‬والدراسات‭ ‬وحتى‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬المسطرة‭ ‬وواقع‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭..‬
 
وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬تقارير‭ ‬اللجان‭ ‬الموضوعاتية‭ ‬للبرلمان‭ ‬بشأن‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي،‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إخراج‭ ‬توصياتها‭ ‬لحيز‭ ‬الوجود؟
صحيح‭.. ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬الى‭ ‬التفعيل،‭ ‬فالمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬مثلا‭ ‬طرح‭ ‬مشكل‭ ‬الماء‭ ‬وطرح‭ ‬مشكل‭ ‬التسويق‭. ‬كما‭ ‬طرح‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬حول‭ ‬التنمية‭ ‬القروية،‭ ‬وحول‭ ‬التسويق‭ ‬وحول‭ ‬أسواق‭ ‬الجملة‭.. ‬هناك‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬والدراسات‭ ‬والمراجع‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬طريقها‭ ‬الى‭ ‬التفعيل‭..‬
 
وهل‭ ‬المغرب‭ ‬بلد‭ ‬قروي‭ ‬أم‭ ‬بلد‭ ‬فلاحي؟
المغرب‭ ‬بلد‭ ‬قروي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فلاحيا،‭ ‬والمغرب‭ ‬قروي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حضريا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬القروية‭ ‬لازالت‭ ‬هي‭ ‬السائدة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬المدن‭ ‬المغربية،‭ ‬رغم‭ ‬كون‭ ‬الساكنة‭ ‬القروية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬تقلص،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬سوى‭ ‬40‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬حاليا‭..‬
‮ ‬
ماهي‭ ‬أبرز‭ ‬الأفكار‭ ‬الاستشرافية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬في‭ ‬المغرب؟
هناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬بأن‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬إنتاج‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬في‭ ‬بلدك،‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬الأسواق‭ ‬الأجنبية‭ ‬لتعويض‭ ‬النقص‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬مواد‭ ‬معينة،‭ ‬ولكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭..‬حاليا‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬المياه،‭ ‬فأين‭ ‬هو‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة‭ ‬معرضة‭ ‬للتقلص‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬العجز‭ ‬على‭ ‬جلب‭ ‬المنتوجات‭ ‬الفلاحية‭ ‬من‭ ‬الخارج‭..‬ماهو‭ ‬المطلوب‭ ‬اليوم‭ ‬؟‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬وكما‭ ‬قلت‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬دولي‭ ‬نظمه‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئية‭ ‬بشراكة‭ ‬مع‭ ‬مجلس‭ ‬المستشارين،‭ ‬بعد‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬حول‭ ‬تنمية‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة،‭ ‬فإن‭ ‬سياسة‭ ‬السدود‭ ‬وتجهيز‭ ‬الأحواض‭ ‬الهيدروفلاحية‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬نجاعتها‭ ‬ومنطقها‭ ‬وقد‭ ‬حققت‭ ‬أهدافها‭ ‬إجمالا،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬انتهت‭. ‬وحاليا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬علينا‭ ‬نتيجة‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬ونتيجة‭ ‬الاختيارات‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬خلال‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬الأخيرة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬وحسب‭ ‬ما‭ ‬نستشرفه‭ ‬من‭ ‬التقلبات‭ ‬والتوترات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬المتواضع‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬بلادنا‭ ‬وقفة‭ ‬تأملية‭ ‬مسؤولة‭ ‬لتقييم‭ ‬‮ ‬ما‭ ‬قمنا‭ ‬به‭ ‬خلال‭ ‬50‭ ‬سنة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬التنمية‭ ‬الفلاحية‭ ‬والقروية‭. ‬وأعتقد‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الاختيارات‭ ‬والتوجهات‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬سواء‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬تطوير‭ ‬منتوج‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬والاستثمار‭ ‬فيها،‭ ‬وكذا‭ ‬الرقمنة‭ ‬والتغطية‭ ‬الصحية‭ ‬والخطابات‭ ‬الملكية‭ ‬المتعددة‭ ‬حول‭ ‬إشكالية‭ ‬الماء،‭ ‬وتطوير‭ ‬الصناعات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الهيكلية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬المغربي،‭ ‬تحلية‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬وما‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬استثمارات‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية،‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬وعلى‭ ‬إفريقيا‭..‬كل‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬يعطينا‭ ‬اللمسات‭ ‬الأولى‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الترتيبات‭ ‬تتعلق‭ ‬بإنجاز‭ ‬نموذج‭ ‬اقتصادي‭ ‬مغاير،‭ ‬والتي‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التساؤلات‭ ‬مطروحة‭ ‬حول‭ ‬مصير‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬والعالم‭ ‬القروي‭..‬