الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: التواصل أداة أساسية في الممارسة التعليمية التَّعلُّمية

أحمد الحطاب: التواصل أداة أساسية في الممارسة التعليمية التَّعلُّمية أحمد الحطاب
التواصل communication داخلَ الأقسام يتمثَّل في إحداث علاقة، من خلال الحِوار conversation بين المدرس والمتعلِّمين. وإحداث هذه العلاقة يعتمد على اللغة langage. وهو ما يُسمَّى بالتواصل اللفظي communication verbale. وهذا يعني أن كل لفظٍ أو كلمةٍ ينطق بها المدرسُ، أثناء تواصله مع المتعلمين، لها وزنُها ولها مكانُها في العلاقة البيداغوجية التي تربط بين هذا المدرس وهؤلاء المتعلِّمين. فما هو التواصل اللفظي داخلَ الأقسام؟.
 
التواصل اللفظي داخلَ الأقسام، هو مجموع العناصر اللغوية التي يُصدِرها المدرس عبر الصوت la voix والتي تهدف إلى إقامة جسرٍ تواصلي بين هذا المدرس والمتعلِّمين، علما أن المقصودَ من هذا الجسر، هو إحداث تفاهم متبادل بين هذين الطرفين. فما هي العناصر اللغوية التي يعتمد عليها التواصل داخلَ الأقسام؟.
 
هذه العناصر هي الصوت la voix، النبرة le ton، النُّطق la prononciation واختيار الكلمات les mots والعبارات les expressions.
 
فيما يخصُّ الصوت، يجب أن يكونَ واضحا، نقِيّاً (صافيا)، مُتحكَّما فيه ومسموعا. أما نَبرَةُ الصوت، فهي حِدَّتّه. نبرة الصوت يجب أن تتغيَّرَ حسب نوعية وأهمية الرسالة التَّعلمية أو التربوية التي يريد المدرس إيصالَها للمتعلِّمين. النبرة، إما أن تعلو وإما أن تنخفِضَ. النُّطقُ لا يقل أهميةً عن العنصرين، الأول والثاني. كل كلمة يجب أن تكون منطوقةً بوضوح؟ وبالأخص، عندما يتعلَّق الأمرُ بالكلمات الجديدة بالنسبة للمتعلِّمين. وآخِر عنصر هو اختيار الكلمات والعبارات التي، من شأنها، تسهيلُ التواصل وجعلُه في متناول قدرة إدراك المتعلِّمين.
 
ولهذا، فالتواصل الجيد داخلَ الأقسام هو الذي تكون لغتُه مبسَّطة، أي في متناول قدرة إدراك المتعلِّمين. بمعنى أن هؤلاء المتعلّمين يُدركون بسهولةٍ ما يوجِّهه لهم المدرس من كلام ويلتقطون كذلك بسهولة الرسائلَ التَّربوية التي تحملها هذه اللغةُ المبسَّطة.
 
عادةً، التواصل يقتضي أن يكونَ هناك مُرسِلٌ ومُرسَلٌ إليه. داخل الأقسام، يجب أن يكونَ هذا التواصلُ متبادلا، بمعنى أن يشاركَ فيه المتعلِّمون شريطةَ أن يكون المدرسُ هو مُحرِّكُه ومُوجِّهه، وأن يكونَ جاذبا للانتباه، دون أن يفقِدَ سلطتَه son autorité على ما يجري داخلَ القسم من أنشطة تعليمية تعلُّمية.
 
كما أن التَّواصلَ الجيد هو الذي يكون فيه المدرس على بيِّنةٍ من مستوى المتعلِّمين اللغوي ويلعب فيه هذا المدرسُ دورَ المشجِّع لهؤلاء المتعلِّمين على المشاركة في الحوار البيداغوجي والديداكتيكي والتربوي الذي تدور أطوارُه حول الوضعيات التعليمية التعلُّمية situations d'enseignement apprentissage، شريطةَ أن لا تكونَ هذه المشاركة فوضويةً تُفقِد المدرسَ سيطرتَه على الوضع.

والتواصل الجيد هو الذي يُنصِت فيه المدرس للمتعلِّمين، كل على حِدة، بإصغاءٍ وتأنٍّ، وأن لا يُوبِّخَهم إذا أخطأوا لغويا أو نحويا. بل عليه أن يُشجِّعَهم على أن يستمرُّوا في المشاركة في الحوار وأن لا يُظهِر إستياءَه من هذه الأخطاء.
 
والتواصل الجيد هو الذي يكون فيه المدرسُ ضابطاً للوقت لتجنُّب حدوث ثغراتِ فراغٍ يستغلُّها المتعلِّمون للانشغال بالترترة والشَّغب.

والتواصل الجيد هو الذي يكون فيه المدرسُ حافزا يُقوِّي رغبةَ المتعلِّمين في التَّعلُّم والفهم والإدراك، وفي إعطاء الفرص لهؤلاء المتعلِّمين للتعبير عن آرائهم وعن فضولهم وتطلُّعهم إلى أنجع وأفيد وضعيات التَّعلُّم. وفي هذا الصدد، على المدرس أن يوزِّعَ أخذ الكلمة بإنصاف على المتعلِّمين لئلا يستحوِدَ المتفوِّقون منهم على أخذ هذه الكلمة.
 
من هذا المنطلق، يبدو واضحا أن نجاحَ الوضعيات التعليمية التَّعلُّمية رهين إلى حدّ كبير بطبيعة وجودة وملاءمة التواصل القائم بين المدرس والمتعلمين. في صُلب هذا التواصل، تلعب اللغة، أي التعبيرُ الشفوي والمكتوب، دورا حاسما.
 
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارةُ إلى أن المدرسَ ليس فقط متخصِّصاََ في مجاله. إنه، من المفترض، أن يكونَ كذلك ملمّاً بلغة تواصُله مع المتعلمين. فهو مطالب، في هذا الشأن ومن حين إلى آخر، أن يلجأَ إلى التَّجريد abstraction وصياغة المفاهيم conceptualisation. حينها، تصبح لغتُه عاملا حاسما في اسْتِبْطان المفاهيم وبناء أو إعادة بناء المعارف من طرف المتعلمين.
 
فأثناء لقائهِما داخل القسم، يتبادل المدرس وجمهورُه (المتعلمون) كَمّاََ من المعلومات شفويا أو بواسطة حركات هدفُها، في آخر المطاف، هو تسهيلُ التَّعلُّم وتغيير معارف وكفاءات وسلوكات المتعلمين. إنه من المُهِمِّ بمكان أن يتمَّ التَّأَكُّدُ من أن هذه المعلومات تصِل إلى مَن يستقبلها بالتَّمام كما يرغب في ذلك المدرسُ. في هذه الحالة، من المفترض أن يكون هذا الأخير قادراََ على:
1. القيام بقراءةٍ وإِملاءٍ واضحين وسَهْلَيْ الإلتقاط من طرف جمهوره؛
2. إدراكٍ جيِّدِِ للطريقة التي يستقبل بها جمهورُهُ الرّسالةَ التربويةَ ويقوم بإدماجها في سلوكه؛
3. إدراكٍ جيِّدِِ لما يريد جمهورُه تبليغَهُ له بدوره؛
4. تكييف لغته مع قدرة التعلُّم والمستوى الفكري لهذا الجمهور؛
5. التَّعرف على الصورة التي يُكَوِّنُهَا عنه هذا الأخير وهل تُوَلِّدُ لديه الاحترامَ أو تُولِّد لديه الشكَّ وأحاسيسَ عدمِ الاطمئنان؛
6. اختيارِِ جيِّدِِ للمُعينات التربوية التي سَتُوَظَّفُ والتي من شأنها أن تضمنَ تواصلا تفاعليا، ناجعا وقادرا على استقطاب اهتمام جمهوره؛
7. تفادي كل طريقة تواصلية تُظْهِرُ المدري/المُرَبِّي كمالك للمعرفة وتَبَنِّي تلك التي تُظْهِرُهُ كَمَرْجِعِِ، كَمُنَشِّطِِ لتنمية شخصية وفضول أولائك الذين يتعلمون.
انطلاقا من هذه الاعتبارات، لا يُعَدُّ المدرس فقط مُعلِّما يُتْقِنُ البيداغوجيا (مدرس مرموق، موهوب) ومُرَبِّياََ (يستهدف تنميةَ شخصية المتعلم) ولكن كذلك مُحاوِراََ (مُنَشِّطاََ، مُتَعَاطِفاََ بمعنى تَقَمُّصِ حالة الآخرين empathique، أي أن المدرس لا يمكن أن يكونَ باستمرار عَقْلَاِنيّاََ داخل القسم) ومُرَبِّياََ نفسانيا (التعرف على نفسانية المتعلم). وكما يُقَاُل في اللغة المُتداولة، يجب أن يَسْرِيَ التَّيارُ بينه و بين مُسْتَمِعِيهِ audience.
 
فعلى المدرس أن يكون محيطا بلغة التعليم وخصوصا بتلك التي لها علاقة بتخصصه. وقد يكون من المرغوب فيه أن يُدعَّمَ التكوينُ الأساسي والتربوي للمدرس بتكوينِِ في التواصل. وبعبارة أوضح، يجب على المدرس أن يكون مُحيطاََ بِخَبايا مهنته التي يلعب فيها التواصل دورا حاسما.
 
ولا داعيَ للقول أن عمليةَ التَّعليم التي يكون وراءها المدرسُ، كي تكونَ فعالة وناجعة، من المفروض أن تكونَ لغةُ التواصل شفافةً وسهلةَ الإدراك من طرف المتعلمين. ونجاعة وفعالية عملية التَّعليم تكمنان في لغة تواصلٍ من شأنها أن تجعل من تدخُّلاتِ المدرس داخلَ القسم ذاتَ تأثيرٍ إيجابي، بيداغوجياً وفكريا، على المتعلِّمين ليكونوا قادرين على كل ما من شانه أن يسهِّلَ عليهم عمليةَ التَّعلُّم. وعندما تُسَهَّلُ عمليةُ التَّعلُّم، يصبح المتعلِّمُ، حسب ما يبدله المدرس من جُهد بيداغوجي وديداكتيكي، قادرا على اكتسابٍ منظَّمٍ للمعارف وعلى الفهم  والإدراك،  وبالأخص، أن يكونَ شريكا فعالا ونشيطا في التواصل…
 
واشتراك المتعلمين في التواصل الذي يُحرِّكه المدرس داخل القسم، من الضروري أن يُتِيح الفرصةَ لهؤلاء المتعلِّمين لتفجير قدرتِهم على الإبداع créativité وعلى النقد وعلى الأخذ والرَّد وعلى الاقتراح… علما أن التواصلَ الجيِّدَ والمفيدَ هو الذي يُخرِج المتعلِّمين من جمودهم passivité وانغلاقهم على أنفسهم renfermement.