الأربعاء 27 نوفمبر 2024
اقتصاد

رشيد بنويني: هذه معيقات ومقترحات تعزيز إنتاج براءات الاختراع بالمغرب

رشيد بنويني: هذه معيقات ومقترحات تعزيز إنتاج براءات الاختراع بالمغرب الدكتور رشيد بنويني، أستاذ القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية– جامعة القاضي عياض
إلى متى سيظل استمرار ضعف إنتاج براءات الاختراع بالمغرب رغم توفره على موارد بشرية عليا وكل البنيات المؤسساتية من جامعات، معاهد البحث والتطوير، إلى جانب توفره على موارد طبيعية مهمة لصناعة المستقبل كالكوبالت الذي يستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية.
هاهي دول منافسة مثل تركيا خطت خطوات متقدمة في مجال الاختراعات والإنتاج الذاتي الصناعي، ماهي المعيقات التي تقف حاجزا أمام تسلق المغرب سلم إنتاج براءات الاختراع؟ والحلول،  لتعزيز  ترتيب المغرب بالمنظمة الدولية للملكية الفكرية؟
أسئلة طرحتها
"أنفاس بريس" على الدكتور رشيد بنويني، أستاذ القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية– جامعة القاضي عياض بمراكش، وأثمرت هذه الورقة:

تتكون حقوق الملكية الصناعية من العناصر التالية الرسوم والنماذج الصناعية وبراءات الاختراع والعلامات التجارية؛ وهذه لها قانونا خاصا بها وهو القانون رقم 97 – 17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية المعدل والمتمم بموجب القانون 05 – 31. وتعنى بتنظيمها المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، وهو تابع لوزارة التجارة و الصناعة.
بالنسبة لبراءة الاختراع فأهميتها واضحة يمكن أن نستشفها من خلال ما يلي:
 
أولا: دورها الجيوستراتجي
بفضل براءة الاختراع تضمن الدول لنفسها موقعا بين الأمم الأخرى فإما أن تكون في مصاف الدول المتقدمة إن هي امتلكت ما يكفي من هذه الحقوق أو لا تكون؛ نظرا لمكانتها المتزايدة في التنظيم الاقتصادي والسياسي التي أضحت تحتلها الملكية الفكرية منذ ثمانينيات القرن الماضي حيت صارت تنعت بثروة الأمم الجديدة؛ فبعد أن كانت براءة الاختراع قضية محصورة في نطاق المختصين القانونيين، حيث انصب الاهتمام حول حقوق والتزامات المبدعين والمبتكرين أشخاص القانون الخاص، أضحت اليوم قضية سياسية واقتصادية وثقافية، ومصدرا للصراع والمفاوضات بين الدول والشركات العابرة للقارات والمنظمات غير الحكومية، حالها تماما كحال الموارد الأخرى مثل النفط أو الماء. 

فلقواعد براءات الاختراع تأثير في إمكانية الوصول إلى العديد من الموارد وفي التفوق الاقتصادي والسيطرة السياسية والتنوع الثقافي، وبالتالي فهي تمثل رهانا جيوسياسيا حقيقيا. وبالتالي فالوصول إلى هذا التفوق يفرض وضع معايير دقيقة من خلال توافقات دولية.
 
ثانيا: الاهتمام الدولي
من تم جاء اهتمام دول العالم ببراءات الاختراع  لما تمثله من قيمة على جميع الأصعدة، و بالتالي كان لابد من إحاطتها بحماية قانونية فعالة سواء على المستوى الوطني أو الدولي.

والاستجابة لذلك تم من خلال وضع قوانين للملكية الفكرية سواء في شقها الأدبي والفني أو في شقها الصناعي وهي عبارة عن قوانين وطنية مأخوذة من الاتفاقيات الدولية التي أبرمت في هذا الإطار وأهم هذه الاتفاقيات هي اتفاقية باريس لحقوق الملكية الصناعية لعام 1883 وهي الفترة التي أبرمت فيها جل الاتفاقيات العالمية المحددة لمصير العلاقات الدولية السياسية و الاقتصادية أي الفترة السابقة عن احتلال الدول الصناعية للدول غير الصناعية فكان لزاما أن تعد عدتها القانونية لتسهيل مأموريتها و تضمن لاقتصادياتها التطور المستمر من خلال البحث عن موارد طبيعية وفي نفس الوقت أسواق خارجية بشكل دائم ومستمر. إضافة إلى اتفاقية باريس أبرمت اتفاقية دولية أخرى وهذه المرة تتعلق بحقوق المؤلف وهي اتفاقية برن سنة.
 
ثالثا: أهمية النتائج الاقتصادية
يمكن أن نستنتج أهمية براءات الاختراع مما وقع خلال وباء كورونا وما نشأ عنه من صراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية أي بين دولتين في المجال الصناعي تعد الأكبر عالميا و بينهما حرب المختبرات والتسابق والتنافس بكل الطرق وإتباع حتى الخبيثة منها من أجل هدف واحد تحقيق أكبر الأرباح التجارية فقط إلا لكونها سيدة على براءات الاختراع. وقد لاحظنا كيف تربع المغرب على عرش صناعة الكمامات في لحظة وجيزة.  

ولدينا المثال التقليدي وهو اليابان التي لا تتوفر على موارد طبيعية ومع ذلك فهي من الدول الصناعية الكبرى إلا لكونها من رواد براءات الاختراع. وقس على ذلك مجال الأسلحة ومجال الطيران ومجال الأدوية ومجال النسيج والألبسة ومجال المعلوميات و مجال الفضاء ومجال البحار...أي أنها تشمل جميع مناحي الحياة. فإذا كانت الموارد الطبيعية محدودة فالفكر غير محدود.  
 
ويمكن الإشارة إلى أن المملكة سجلت سنة 2018، تقديم 2323 إيداعا من طرف الأجانب، مقابل 186 إيداعا فقط للمغاربة وبأن الإنتاج العلمي في المغرب لايزال ضعيفا، على الرغم من التطور الطفيف للبحوث في التخصصات الصاعدة.
 
الصعوبات:
- إشكالية تمويل الإنتاجات العلمية.
- التحديات المرتبطة بنظام البحث في المغرب، 
- وجود فجوة بين الجنسين والتي تعود لعدة عوامل. 

العامل الأول مرتبط بالتعليم: فمنذ السنوات الأولى للتعليم تتكون لدينا قناعة أن التحيز الجنسي في التخصصات أمر طبيعي، فيوجه اهتمام الذكور نحو التخصصات العلمية و أما الإناث فيدفع بهن نحو تخصصات من قبيل اللغات والتواصل والرعاية.  

وعلى الرغم من التقدم المحرز في مجال تشجيع الفتيات على دراسة ما يسمى بالموضوعات العلمية والتقنية والهندسية والرياضية، وعلى الرغم من حصول الفتيات على الدرجات الأولى والثانية في تلك المواد، فهوية الفتاة العلمية ليست مثيرة ولا جذابة وهن في سن المراهقة؛ فعدد قليل منهن يلتحق أو يحصل على الدكتوراه، فلماذا ينظر للعلم على أنه ذكوري؟ الجواب إنها  "صلابة الصورة النمطية" والتي من خلالها نرى أن العلم بحسب المخيال الجماعي يحتاج إلى صفات محددة إذ يتمتع العالم بدرجة عالية من التجريد والعقلانية والإبداع، و هذه صفات اعتبرت، ولو خطأ، ذكورية.

العامل الثاني متصل بالمعطى البيولوجي والاجتماعي، فإذا تتبعنا النساء طوال حياتهن المهنية كعالمات أو مخترعات، سنجد أن الفجوة تتسع أكثر، فمسارهن في هذه المجالات معقد جدا. فالمرأة التي تعتزم الوصول إلى منصب قار و مهم عليها أن تقطع مسافات تعليمية طويلة، و ربما تضطر لاستكمال دراستها الذهاب إلى الخارج و بعد حصولها على درجة الدكتوراه بعد سنوات، فهذا يعني وصولها سن الثلاثين لتجد نفسها أمام مفترق الطرق إما اختيار المعطى البيولوجي الاجتماعي أي الإنجاب أو الاستمرار في البحث العلمي و البحث عن مستقبل مهني طموح؟ فعدد قليل نسبيًا من النساء من حملة الدكتوراه يسلكن طريق العمل البحثي. 

العامل الثالث - صعوبة في صعود القمة: وعندما يفعلن ذلك، أي سلوك طريق العمل البحثي، فإما يكسبن أقل أو يصطدمن " بالسقف الزجاجي" الشهير ويجدن صعوبة في صعود القمة في المسار المهني. 

العامل الرابع - يسمى"خط الأنابيب الراشح"، بحيث تظل نسبة النساء اللواتي يستخدمن نظام البراءات منخفضة مقارنة بنسبة الأوراق العلمية اللاتي ينشرنها كل سنة. وبعض العلماء يشيرون إلى هذا النمط باسم  "خط الأنابيب الراشح".

لكن على الرغم من هذه الصورة القاتمة إلا أنه في بعض الدول المغاربية و المغرب على وجه الخصوص تبرز المرأة في المجالات العلمية.

على صعيد الأرقام تشير إحصائيات اليونسكو إلى أن ما نسبته 38% من العاملين في البحث العلمي في الوطن العربي هم من النساء، وقد تصدرت تونس الدول العربية بنسبة 47% تلتها مصر بنسبة 42% ثم السودان بنسبة 40%. أما بالنسبة للمغرب فجاءت نسبة الباحثات العلميات فيها مقارنة بالذكور كالتالي: والمغرب 30%. نذكر بعض الأسماء على سبيل المثال لا الحصر: إلهام قادري التي هاجرت إلى فرنسا فولجت المدرسة الأوربية للكيمياء في ستراسبورغ حيث نالت درجة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية الجزئية عام 1997 وكوثر حفيظي التي نالت الدكتوراه في الطاقة الذرية من جامعة باريس الجنوبية بفرنسا عام 1999. وهذا يدل على أنه ليس تمت فرق بيولوجي فطري. ومع ذلك يظل المشكل قائما ويتمثل في كون أن هذا التوجه لا يتوج باستصدار براءات اختراع، إذ ينتهي الأمر عند كتابات المقلات العلمية.

ففي عام 2017، شملت نسبة 51  في المائة من جميع الطلبات بشأن البراءات المقدمة من القطاع الأكاديمي مخترعات، مقابل 30 في المائة فقط لقطاع الأعمال (القطاع الخاص). ولكن على الرغم من أن القطاع الأكاديمي لديه أعلى نسبة مشاركة للنساء، فإن قطاع الأعمال لديه أكبر عدد مطلق من المخترعات.  

ناهيك على أن توجه الباحثين للعمل بشكل جماعي، بغية تنفيذ مشاريع بحثية مشتركة، شجع وكالات التمويل من أجل تقديم الدعم المالي لهذه المجموعات. فتنامت ظاهرة تشكيل فرق متعددة التخصصات استجابة لمتطلبات مشاريع بحثية تشمل جامعة واحدة أو عدة مؤسسات.

إذا كان الهدف الأساسي للمؤسسات الجامعية هو نشر المعرفة والعلم، فما هي الوسائل المعتمدة لتحقيق هذا الهدف؟ وبصيغة أخرى كيف يمكن نشر المعرفة الناتجة عن البحوث المنجزة في الجامعة مع الحفاظ على حقوق مبدعيها، سواء الحقوق المعنوية أو الحقوق المادية المتمثلة في اقتسام ثمارها الناتجة عن الاستغلال التجاري؟.

فالأساتذة المدرسون والباحثون الزائرون والمتعاونون الخارجيون والطلبة  في الجامعات ومؤسسات البحث العامة يبتكرون جميعا ملكية فكرية أثناء أداء أبحاثهم أو مهام التدريس. وقد تتخذ هذه الملكية الفكرية صورة معلومات تقنية سرية تحميها الأسرار التجارية واختراعات وتصاميم وبرمجيات الحاسوب ومصنفات أصلية مكتوبة ورسوم بيانية ومحاضرات وعروض يمكن حمايتها كلها ببراءة، وقد تنتج الملكية الفكرية عن أنواع كثيرة أخرى من المساعي الإبداعية. 

الصعوبة الثالثة:
ظهور الانترنيت وما واكبه من اعتداء على حقوق الملكية الفكرية لم يستطع القانون مواكبته. 
المقترحات
والآن يمكن تقديم بعض المقترحات منها: 
- الرفع من ميزانية البحث العلمي.
- إدراج روح البحث منذ سن مبكرة، من خلال جعل التلاميذ يشتغلون على المشاريع.
- وضع سياسة للملكية الفكرية داخل كل الجامعات المغربية.
- ضرورة تطوير القدرة الابتكارية المغربية وزيادة وعقلنة التمويلات المرتبطة بالبحوث من خلال استلهام التجارب الدولية.
وذلك بتشجيع القطاع الخاص نحو الصناعة والابتكار وفتح القطاع البنكي على روح المغامرة بتبني المشاريع التي اعتمد على الابتكار ...