الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: بنزاكور.. الخط المتصل

عبد الرفيع حمضي: بنزاكور.. الخط المتصل عبد الرفيع حمضي
سواء في جنازة  شوقي بنيوب، أحمد حرزني رحمهما الله. كان النسيج  الحقوقي بمقبرة الشهداء يتساءل بقوة عن الحالة الصحية للنقيب عبد العزيز بنزاكور فلم تكن تتسرب من الدار البيضاء ومن محيط النقيب إلا همسات قليلة وهو المعروف بقلة  الكلام. وزادت ندرته  بعد رحيل رفيقة عمره.
سي عبد العزيز بنزاكور رحمه الله لم أعمل معه بنفس  المؤسسة لا المهنية ولا السياسية ولكن جمعتني  وإياه محطتين.
الأولى وجها لوجه والثانية بواسطة الأثر المستمر في الزمن.
منذ عشرين سنة كان سي بنزاكور حديث التعيين كأول وسيط للمملكة، حل محل والي ديوان المظالم، الذي كان قد استنفذ مهامه كمؤسسة تقليدية. وحان الوقت مع دستور 2011  إلى الانتقال إلى الأومبدسمان ombudsman كمؤسسة لها مواصفات حقوقية حديثة.
وما كان لشخصية حداثية تربت في أحضان اليسار التقدمي إلا أن يكون  تعيينه قيمة مضافة لهذا المولود الجديد. وهكذا دعا لاجتماع عام مع المخاطبين الرسميين لوسيط المملكة بالقطاعات الوزارية والذين هم بالأساس المفتشون العامون للوزارات أو من يقوم مقامهم، وكنت حينها واحد منهم كمفتش عام لوزارة التشغيل والتكوين المهني .
وبهذه الصفة حضرت هذا اللقاء.
في البداية تناول الكلمة السيد وسيط المملكة، محددا الغاية من اللقاء والتي تتجسد أساسا في تجويد وتسريع التجاوب مع شكايات المرتفقين والتي يحيلها وسيط المملكة على القطاعات الحكومية.
كنت جالسا في الصف الأمامي بالقاعة الكبرى بالمعهد العالي للدراسات القضائية وتابعت كل حركات عضلات وجهه وهي تنتفخ بتغير قوة نطقه للكلمات وشاهدت الجدية  التي تسطع من عينيه. أما إشارات يديه وإن كان لا يرفعها  عاليا ففي بطئ حركتها الحسم والدقة.
وعندما فتح باب النقاش تناولت الكلمة وقلت بداخلي لابد أن أكون صادقا مع هذا الرجل الذي اعرف مساره ووطينته. خاصة أنني كنت أعرف جيدا مكامن الخلل  في العلاقة بين ديوان المظالم والإدارة المغربية بحكم ممارستي في الميدان  لسنوات.
فخاطبته وباقي الحاضرين " ما سأقوله لا يليق بمفتش عام له صلاحيات في قطاعه وله إمكانيات ومستقل في بنايته ومساطره  فأنا في وضعية مريحة والحمد لله  ولكن  اسمحوا لي السيد الوسيط  فكما تعلمون ان مصدر القرارات بالوزارات موجود عند الكتاب العامين، وبالتالي فكل ما ترسلونه  إلى الوزير من تظلمات وشكايات ومطالب  يحيله علينا فنعيده للتحري وإعداد الأجوبة على المدراء المركزيين  الذين يعملون تحت إشراف الكاتب العام  وبالتالي كل الأجوبة التي نبعثها لكم تتم وفق تيرممتر الكاتب العام ومادام ليس هو المسؤول امامكم مباشرة عن  الأجوبة فلهذا السبب  تسجلون تعثر في جوهر وآجال الأجوبة. وحتى عندما يكون المشتكي على صواب فكونه التجأ للوسيط فعليه الانتظار. ولهذا فأنا اقترح ان نرفع توصية في هذا الاجتماع  لرئيس الحكومة من اجل تعيين الكتاب العامين هم المخاطبين الرئيسين لوسيط المملكة وإعفائنا  من هذه المهمة كمفتشبن عاميين او تقوية صلاحية واختصاصات جهاز المفتشين العامين كما هو الحال في الدول المتقدمة ".
لكن يبدو ان هذا التدخل لم يرق السيد الوسيط رغم أن كل أطر المؤسسة الذين يمارسون بها لسنوات استحسنوه وعبروا لي عن ذلك في حينه. وعند وجبة الغداء قال لي الأستاذ عبد العزيز "سي حمضي واش أنا غادي نقول  لرئيس الحكومة كيفاش ينظم إدارته  أنا كنخدم من داخل النص الموجود ." تناولنا الغداء آنذاك ولازلت الحكاية على حالها  إلى الآن. 
كان رحمه الله يعرف قياس البراد ولا يحب خلط الأوراق.
المحطة الثانية عندما التحقت بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2013 .من المهام الإضافية التي أوكلت إلي هي عضوية لجنة متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة من 2014 إلى غاية 2019 وكنا نعقد اجتماعات أسبوعية يترأسها المرحوم النقيب مصطفى الريسوني وبجانبه الهرم الفاضل طيب الله ثراه مصطفى اليزناسي.
وكان لا يمر اجتماع إلا والنقيب الريسوني يحكي لنا عن سي عبد العزيز بنزاكور وعن موقفه من هذا الملف أو من هذه القضية وكيف يعالج هذه وكيف يتناول تلك.
فقد خبر الرجل في الهيئة المستقلة للتعويض وفي هيئة الإنصاف والمصالحة  ولكم  أن تتصورا  حجم ما عرفته وما علمته عن الفقيد  خلال هذه المدة إلى أن  توفي الصحفي الكبير مصطفى اليزناسني والتحق به في عز كورونا النقيب مصطفى الريسوني  ليسافر إليهما سيدي عبد العزيز بنزاكور  وتتوقف بذلك رحلة الحكي المفيد عن مرحلة مجروحة .
رحمة الله عليهم جميعا .