الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: المحاميات وانتخابات المحاماة ومسلسل المعاناة...

محمد الشمسي: المحاميات وانتخابات المحاماة ومسلسل المعاناة... محمد الشمسي
من يطالع القانون الحالي المنظم لمهنة المحاماة وكذا مسودة المشروع المزمع المصادقة عليه في السنة المقبلة لن يتفاجأ بالحصيلة المخجلة التي حصدتها المحاميات في الانتخابات المهنية الأخيرة في جميع هيآت المحامين بالمغرب، ففي الوقت الذي يفترض فيه أن تكون مهنة المحاماة أسوة حسنة في تنزيل المناصفة كمبدأ دستوري فإن مهنة الدفاع لم تسلم من سيطرة الفكر الذكوري الذي يجعل المحامي الرجل أو الذكر يهيمن على المجالس المهنية من منصب النقيب الى العضوية.

ولعل المبرر في فشل أو إفشال تحقيق مبدأ المناصفة يعود لمواد القانون نفسها، سواء تلك المعمول بها حاليا، أو تلك الواردة في المشروع المرتقب، فالمشرع لم يقو على إخفاء ميولاته الذكورية وانحيازه لها، وهذا ظاهر من اللغة التي انتقاها المشرع وهو يتحدث عن منصب النقيب وشروطه ومهامه بصيغة المذكر، دون إشارة الى كلمة "النقيبة"، ويُرجع الذكوريون ذلك الى أن وصف النقيب جاء باعتباره مؤسسة، لنرد عليهم ألا يصلح وصف النقيبة لذات المؤسسة؟ وألا تستقيم المؤسسة إلا إذا وصفت بالمذكر؟ وهل عقمت اللغة العربية لتوجد لكلمة النقيب صيغة مؤنث؟ ولعل حرص المشرع على الحديث عن النقيب وعن العضو بصيغة المذكر يرسخ في بعض الأذهان أنه لا مكان للمحامية في احتلال تلك المناصب، وأنهن في أفضل الأحوال أعداد انتخابية تصوت ثم تهتف للزملاء الذكور، لذلك وعندما كان لي شرف عضوية لجنة مناقشة مسودة قانون المهنة، بتكليف من نقيب هيئة المحامين بالدارالبيضاء الأستاذ موافق الطاهر  إلى جانب نقباء وفطاحلة الدفاع، (وكلنا ذكور بالمناسبة) حرصت على ربط عبارة النقيبة كلما وجدت المشرع ذكر كلمة النقيب، وكذلك كان الحال مع عبارة العضو أو العضوة، لأنه يستحيل تحقيق المناصفة على الواقع مالم تتحقق على مستوى النص واللغة، وطبعا لن تكلفنا المناصفة النصية أو اللغوية غير التخلص من بعض النرجسية وداء الذكورية المكتسب.

وثاني الأسباب التي حرمت المحاماة من حمل مشعل المناصفة يعود لعقلية المحاميات أنفسهن، فهن لا يتكثلن في تحالفاتهن لأجل مقاومة المد الذكوري، وهن يفضلن الانضمام الى حملات المرشحين الذكور، وكأنهن لا يشعرن بالأمان إلا تحت أجنحة وحمى الذكور، لذلك فحتى مبادرة إحداهن للمنافسة على منصب النقيب يراها المحامون كما المحاميات ضربا من ضروب العبث، فالراسخ في العقول الباطنية استنادا للثقافة السائدة والمهيمنة في المجتمع والتي شبت عليها الأجيال دون احتياط من جسامتها، أن الرجال قوامون على النساء، بمعنى أن الرجال خلقوا لمقارعة الصعاب واحتلال المناصب وأن النساء هن في الدرجة الموالية، قد يحتللن ما فضل على الرجال، والخطير أنه من فرط هذا الحيف وطوله وقوته بات عقيدة حتى في أذهان العديد من  المحاميات اللواتي لا يثقن في جنسهن.

ان الانتخابات الأخيرة في مهنة المحاماة التي أسفرت عن استئثار الرجال بجميع مناصب النقيب، وعن وصول نسائي  محتشم لمنصب عضوية المجالس يساءل وزارة العدل التي تقبض مفاتيح التشريع، وهي مطالبة بأن تجعل المناصفة فعلا إلزاميا لا يتنافى مع التمرين الديمقراطي، لأنه ليس من العدالة ولا من الإنصاف في شيء أن تبقى المحامية مجرد رقم في الكتلة الناخبة تصفق لفوز الرجال، وحتى إذا ما غامرت ودخلت غمار الانتخابات باتت مثار الشفقة وأحيانا السخرية.

إننا نكتب هذا المقال آملين أن تتحرك وزارة العدل تحركا آنيا لضخ أنفاس دستورية في مسودتها حتى نعيش في الانتخابات المهنية المزمع عقدها في دجنبر 2026 طقسا مغايرا لطقوس سيطرة الرجال على مفاصل المهنة وعلى أجهزتها، فالمرأة المحامية التي استأمنها المواطنون على حرياتهم وممتلكاتهم وأثبتت جدارتها، قادرة على أن تمنح المؤسسات المهنية الكثير من الجدارة والمهارة، وما ذلك على المحامية بعزيز .