السبت 23 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

ربيع الزموري: التعليم بالمغرب بين الواقع والآفاق (1)

ربيع الزموري: التعليم بالمغرب بين الواقع والآفاق (1) ربيع الزموري

 يتربع على رأس هرم منطومة التعليم بالمغرب، التعليم العالي، باعتباره دعامة أساسية في تنميــة البلاد، لأنه يحمـل مشـروع تكويـن الشـباب وإنتـاج المعرفـة الأكاديمية، وهو أهم محطة في طريق العلم والتعلم حيث يتم استقبال التلاميذ الوافدين من الثانويات فيتم منحهم صفة الطلبة والطلبة الباحثين في مختلف التخصصات ليتلقوا ما يجعلهم ينتجون منتوجا علميا أكاديما يعود بالنفع على البلاد والعباد وتعتبر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي  والابتكارهي الوزارة الوصية على هذا القطاع  الذي يزخر بألمع الدكاترة الأساتذة الجامعيين باعتبارهم قامات علمية كبيرة لأنهم يحملون مشعل العلم منذفاطمة الفهرية وبالتالي فالتاريخ يشهد لهم بأنهم رواد الجامعات رقم 1 ويقومون بأدوار طلائعية مباشرة في تكوين الأطر والكفاءات ولثانويات التأهيلية والإعدادية وقبلها المدارس لا تقل أهمية عن الجامعات نظرا للدورالذي تلعبه في بناء التلاميذ الذين سيلجوا الجامعات والتلاميذ الراغبين في التكوين المهني إذن ينبغي أن تكون هذه المؤسسات ذات أهداف ورؤى واستراتيجيات موحدة هدفها الأساسي وبالدرجة الأولى تأهيل النخب الوطنية التي تمكن من الارتقاء بالوطن  وسنحاول من خلال هذه الورقة التعرف على واقع التعليم بالمغرب.

 

أولا : واقع التعليم بالمغرب

في الوقت الذي يعرف فيه قطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ازدهارا وتوجها جديدا ينسجم مع الرؤية الاستراتيجية في أفق 2030 بادخال تحسينات على النظام المعروف LMD إجازة ماستر دكتوراه واعتماد اللغات الحية والتكنولوجيا والرقمنة  وبالتالي فالتعليم العالي يذهب في طريق الابتكار والانفتاح على التجارب الدولية ومنافستها .أما بالنسبة لقطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والذي ينوي الوزير الوصي عليه السيد شكيب بن موسى تجهيز الأجيال التي ستلج الجامعات أو مؤسسات تكوين أخرى في إطار الاتقائية والانسجام بين القطاعين  الا ان هناك التلميذات والتلاميذ  الذين اختار اباؤهم وأمهاتهم تسجيلهم بالمدارس والثانويات العمومية واغلبهم يعانون الفقر والهشاشة  وأما الاباء الذين يرغبون في تقديم الأفضل لأبنائهم فإنهم يختارون التعليم الخصوصي.

 

ثانيا: الفرق بين التعليم العمومي والخصوصي

رغم أن التعليم العمومي والخصوصي يجتمعان في كونهما تحت إشراف وزارة التربية والتعليم الأولي والرياضة إلا أنهما يختلفان في طرق بناء شخصية التميذ ومستواه الدراسي.

التعليم العمومي

إن الواقع الذي يعيشه التلاميذ بمدارس التعليم العمومي قبل الأزمة الحالية بسبب الاضرابات وهدر الزمن المدرسي هو واقع صعب لأن  هذه المؤسسات لم تعد تنحج كما في السابق في إنتاج الكفاءات في المجالات المطلوبة والمرغوب فيها وحتى النتائج التي يحصل عليها التلاميذ نهاية الموسم الدراسي أغلبها تكون صادمة إما ناقصة أو تكرار مما يسفر عن ترك وهجر المدرسة وبالتالي انتشار ظاهرة الهدر المدرسي وتتعدد الأسباب سواء بالعالم القروي أوالحضري

أسباب الهدر المدرسي بالعالم القروي

ضعف تغطية المدرسة لحاجيات تمدرس الطفل الكتب والمعدات المدرسية، عدم توافر المطاعم المدرسية بالعديد من المدارس ، حالات الغياب المتكررة لدى بعض المدرسين، والتي تعود في الغالب إلى ظروف العمل الصعبة ولاسيما بالوسط القروي البعد، السكن، النقل، التجهيزات والفقر والحاجة، والدخل المحدود للأسر، وضعف الموارد المالية للتكفل بدراسة الأبناء. هذا إضافة إلى تشغيل البعض منهم لأطفاله في أعمال الفلاحة وغيرها من الأعمال وتكليف الفتاة بأعمال البيت

أسباب الهدر المدرسي بالمجال الحضري                                                    

الاكتظاظ، الذي يمكن اعتباره ظاهرة عامة بأغلب المؤسسات التعليمية الذي يحول دون تحقيق المردودية المطلوبة من حيث استفادة التلاميذ خصوصا اللغات والمواد العلمية مما يجعل العديد من الأسر تضطرإلى الاستعانة بدروس الدعم المراجعة الليلية  في اللغات او المواد التي يجدأغلب التلاميذ صعوبات في استيعابها  أما التلاميذ الذين يعانون الفقر والعنف داخل الأسرة، فغالبا ما يكون مصيرهم الانحراف الأخلاقي والتعاطي للتدخين والمخدرات وبالتالي عدم التمكن من متابعة الدراسة.

التعليم الخصوصي

تسمية التعليم الخصوصي جاءت على وزن التعليم العمومي، لتفادي ايحاءات التسميات الأخرى الرائجة ومنها التعليم الخاص والتعليم الحر، والتعليم الخصوصي لا يختلف عن التعليم العمومي في مناهجه ومقرراته وبرامجه اختلافا كبيرا، فهذا الأمر أعطاه البعض هالة لا يستحقها فالمقررات الدراسية التي تعتمدها الوزارة الوصية هي نفسها، والقانون واضح في هذه النقطة، والاختلاف الذي يمكن أن يكون هو في مناهج اللغات التي خصص لها حيز أكبر في التعليم الخصوصي، مما استلزم اعتماد مقررات موازية وداعمة لهذه اللغات  (اللغة الفرنسية والإنجليزية  نموذجا). مميزات التعليم الخصوصي تتمثل في الآتي:
غياب الاكتظاظ في الأقسام خلاف صنوه العمومي، وهذا لا يعني غياب الاستثناء ولكنه لا يعتد به احصائيا وواقعيا. الخدمات الموازية: كالنقل المدرسي الذي أصبح ملازما للتعليم الخصوصي رغم ما يشكله من عبء على المؤسسات من الناحية المادية، فأهل الميدان يعتبرونه “شرا لا بد منه” ويدخلونه في خانة الخدمات الاجتماعية في الأغلب. التخصص في المواد: فتدريس المواد الدراسية يكون حسب التخصص، فكل مادة يدرسها أستاذ متخصص فيها بدءا من اللغة العربية الى الفرنسية والمواد العلمية والمواد الموازية …الخ، مما يجعل العطاء أفضل وأكثر جودة. الاهتمام بالأنشطة الموازية: جرعتها في التعليم الخصوصي اكبر، ايمان منا بأهميتها في تكوين شخصية الطفل والتلميذ. تدريس اللغات الأجنبية: خاصة الفرنسية والانجليزية حيث يتم تلقينها منذ المراحل الأولية في التعليم الأولي، وتتدرج مع التلميذ في كافة السنوات الدراسية، بخلاف التعليم العمومي التي لا يحتك فيها المتعلم باللغة الاجنبية الا في السنة الثانية من التعليم الابتدائي. احترام الغلاف الزمني واستيفائه: نظرا لانعدام الإضرابات، فنادرا ما نجد مؤسسة تعليمية خصوصية تعرف إضرابا، بخلاف التعليم العمومي الذي عرف في بعض السنوات مبالغة كبيرة في هذا الامر اضرت بالقطاع والضحية هو التلميذ(ة). احترام واعتماد بيداغوجية الفروق الفردية أثناء توزيع التلاميذ، حيث يتم اجتياز رائز تحديد المستوى حتى يتم تصنيف التلاميذ بشكل يجعله يتلقى احسن وبشكل يتناسب مع قدراته، وهنا اقف عند الروائز التي يعتقد الكثير انها للبحث عن المتفوقين و اقصاء غيرهم، والحقيقة إن هذه الروائز الأولية (وأقول الأولية) إنما هي تصنيفية وليست اقصائية أبدا، وهذا من منطلق أن الكل له الحق في ولوج التعليم سواء كان عموميا أو خصوصيا، وأيضا لأن الأولى بالعناية هو المتعثر وليس المتفوق حتى يصبح متفوقا كذلك.

 

ثالثا : افاق التجويد

الآفاق على ضوء النموذج التنموي الجديد

يطمح النموذج التنموي الجديد إلى إحداث نهضة حقيقية للمنظومة التربوية، اعتبارا أن الاختيار الاستراتيجي الأول بالنسبة للمنظومة، هو تعليم ذو جودة، فالمدرسة المغربية اليوم يجب أن تمكن كل متعلم من اكتساب المهارات والكفايات الأساسية لضمان اندماجه الاجتماعي، ودعم نجاحه الأكاديمي والمهني، كما يجب أن تصبح هذه المدرسة هي الرهان الأساس لتكوين شباب متفتح يطور ذاته ويصنع مستقبل المغرب، من خلال ترسيخ معنى الاستقلالية والمسؤولية وأخلاقيات المهنة والتتشبع بالمواطنة والسلوك المدني والقيم الإنسانية الراسخة في الهوية المغربية والفكر المنفتح والقدرة على التأقلم مع التحولات السريعة التي يعرفها العالم. ولأجـل ذلك يدعو النموذج التنموي الجديد إلى اصلاحات طموحة من شأنها تعزيز واستكمال رؤية 2030 والقانون الإطار المنبثق عنها بالإضافة إلى الرفع من قدرات النظام التعليمي من حيث الصمود والتكيف مع أوضاع تفرض إكراهات شبيهة بتلك التي رافقت الأزمة الصحية كوفيد 19 القضاء على الهدر المدرسي خصوصا بالعالم القروي وبناء مؤسسات جماعاتية  و تنزيل برنامج التكوين المستمر وتأهيل فضاءات المؤسسات التعليمية. ايجاد حلول ملائمة للإكراهات المتعلقة بتعميم وتطوير ربط المؤسسات التعليمية بالأنترنيتتعزيز كفاءات المدرسين في مجال المعلوميات. إن الرهان اليوم هو الرفع من مستوى التكوين الأساس والمستمر، وإعداد الفاعلين والممارسين والمتدخلين في مجال تدبير منظومة التربية والتكوين وذلك بهدف تحسين الأداء، وتطوير الكفايات والمقاربات المعتمدة وتوحيدها لبلوغ الاحترافية، (تأهيل الموارد البشرية) لضمان النجاح المدرسي وتحسين جودة التعلمات والارتقاء بالمؤسسات التعليمية. ولقد أوصى تقرير النموذج التنموي الجديد 2021 ب: تنظيم مسار التلميذ في عدة مستويات للتعلم عبر تحديد المعارف والمهارات والسلوكيات التـي يجـب اكتسـابهـا مـن طـرف المتعلـم فـي كل مرحلـة مـن مسـاره الدراسـي قبـل المـرور إلى المرحلة المواليـة بشكل يحـد مـن تراكم النواقص. وضع آليـة لمحاربة الهدر المدرسـي تتيـح التدخـل عنـد كل مرحلـة مـن الحيـاة المدرسية للطفـل لأجـل تجنب تراكـم فجـوات التعلم والحد من مخاطر الانقطاع عن المدرسة والرفع من فرص النجاح الأكاديمي والمهني.

من خلال باقي الاطر المرجعية

أشار الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مجاله الثاني إلى ربط المدرسة بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي قصد خلق مدرسة الحياة، كما تنص المادة التاسعة من القسم الأول منه على هوية مدرسة جديدة، هي مدرسة الحياة أو الحياة المدرسية التي ينبغي أن تكون حسب الميثاق: ” مفعمة بالحياة، بفضل نهج تربوي نشيط، يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي جاء في الميثاق:” تسعى المدرسة المغربية الوطنية الجديدة إلى أن تكون: … مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة، والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن، مما يتطلب نسج علاقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي، والمجتمعي، والثقافي، والاقتصادي. ” وعلى نفس النهج ينبغي أن تسير الجامعة وحري بها أن تكون مؤسسة منفتحة وقاطرة للتنمية على مستوى كل جهة من جهات البلاد وعلى مستوى الوطن ككل. هذه التعبئة التي تجسدها هذه الفقرة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين وغير ذلك من الأطر المرجعية وخصوصا أحكام القانون الإطار رقم 17 – 51 بمثابة إطار تعاقدي ملزم للدولة ولباقي الفاعلين والشركاء المعنيين في مجال التربية والتكوين؛ و هذه التعبئة لا يمكن أن تبقى مجرد خطاب عام ، وانما يتعين أن تصبح نسقا منظما ببعد التقائي يرسخ مسؤولية الفاعلين المباشرين في المدرسة ،ومحيطها وشركائها ويؤمن تملكهم لأهداف الإصلاح وانخراطهم في تطبيقه وتتبعه وفق التدابير التي تتماشى مع طبيعة موقعهم المجتمعي والتي حددتها الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 من خلال المشروع المندمج رقم 15 وذلك بالإشارة لأهم التدابير الواجب القيام بها وتبنيها من أجل إعطاء نفس جديد لأدوار الفاعلين وانخراطهم وهي كالتالي: 1 الفاعلون التربويون: إرساء تعاقد معنوي لتجديد الثقة و إرساء دينامية متجددة للحوار والنقاش المنظم 2 الأسر:  إشراك الأسر في تدبير المؤسسة عبر تثمين دور جمعيات آباء وأمهات التلاميذ و تثمين علاقة تفاعلية وسلسة مع الأسر- تنظيم دورات تكوينية لفائدة الأسر 3وسائل الإعلام:  تحقيق دعم موصول للمدرسة من طرف وسائل الإعلام و إذكاء النقاش العمومي حول المدرسة ووضع آليات لضمان الحصول على المعلومات الموثوقة في إطار تفعيل الدستور4. هيئات المجتمع المدني : إطلاق مبادرات موسعة تنبني على التركيز على المشاريع ذات الأولوية للمدرسة و  تعزيز كفاءات المشرفين على الشراكة- تعزيز الاستفادة من التجارب والممارسات الجيدة5. الفاعلون الاقتصاديون : توسيع إنخراط المقاولات ومنظماتها المهنية في شراكات مؤسساتية مع المدرسة- تعزيز تواجد ممثلي المقاولات في مجالس التدبيروتوفير بنك المشاريع جهويا وإقليميا ومحليا قصد توجيه الشراكات نحو المجالات ذات الأولوية.

 

المراجع:

الحسن دانكو: التعليم الخصوصي هو الشقيق الأصغر للتعليم العمومي

ذ/عبد العزيز السيدي النموذج التنموي الجديد يدعو إلى نهضة تربوية حقيقية لتحسين جودة التعليم بشكل جوهري وإعادة وضع المدرسة العمومية في صلب المشروع المجتمعي المغربي.“

يتبع..