الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

تدمري عبد الوهاب: طوفان الأقصى أو نهاية عصر حروب الجيوش النظامية العربية وبداية عصر حروب فصائل المقاومة

تدمري عبد الوهاب: طوفان الأقصى أو نهاية عصر حروب الجيوش النظامية العربية وبداية عصر حروب فصائل المقاومة تدمري عبد الوهاب
عملية طوفان الاقصى عملية عسكرية نوعية تنفذها سرايا القسام وباقي الفصائل الفلسطينية المقاومة. عملية فاجأت الكيان الصهيوني في توقيتها وخطتها المدروسة بإحكام في اجتياز الحواجز الامنية المختلفة التي اقامها الكيان على حدود غزة.
رغم ان هذه الخطة بالشكل الذي تم تنفيذها وما ترتب عنها من اقتحام ونقل للمعارك إلى وسط المستوطنات الواقعة في غلافها .وأسر العشرات من الجنود والمستوطنين يدفع اي متتبع الى القول بأن الخطة كانت جاهزة من قبل وتم تدارسها مسبقا مع خبراء من محور المقاومة وخاصة حزب الله الذي يتوفر على تجربة مهمة في مجال الاقتحامات سواء في لبنان او في سوريا ، مع الاحتفاظ بسرية مطلقة في توقيت انطلاقها.
لكن يبدو أن ما سرع في تنفيذها هو ما ورد من معلومات استخباراتية لدى المقاومة حول مخططات حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو القاضية بقرب بدأ تصفية العشرات من قيادات المقاومة الفلسطينية بعد ان تم إطلاق العنان للمتطرفين اليهود تدنيس باحات المسجد الأقصى بشكل شبه يومي وتشجيع بناء المستوطنات مع حث المستوطنين على الاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين وممتلكاتهم. وذلك حتى يقدم نفسه كمنقذ للداخل الاسرائيلي المنقسم على نفسه سياسيا وعسكريا واجتماعيا. ومعتقدا في نفس الان ان العنف المفرط ضد الفلسطينيين سيؤدي أما للسيطرة المطلقة التي ستقوي موقعه في الحكم والسلطة وفي علاقته بدول التطبيع العربية التي ستتوسع دائرتها. او في حال وجود ردة فعل من فصائل المقاومة التي وفق حسابات استخباراته سوف لن تخرج عن المألوف الذي اختبرته إسرائيل في مواجهتها السابقة مع القطاع التي عادة ما تكون دون خسائر تذكر. وهو ما سيساهم كذلك في إعادة اللحمة للجبهة الداخلية الاسرائيلية المتآكلة في سبيل مواجهة "العدوان الفلسطيني".
وفي كل الحالات حسب سيناريوهات نتانياهو سيكون وحكومته الرابح الاكبر.
-داخليا تثمين الجبهة الداخلية المنقسمة - خارجيا تسريع وتوسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية.
لكن يبدو أن الخطط التي رسمتها الحكومة المتطرفة بزعامة نتانياهو قد فشلت كليا في تحقيق أهدافها امام هذه العملية النوعية والاستباقية للمقاومة سواء:
- في الجانب المتعلق بتقديرات مخابراته لقدرات المقاومة التي فاجأته تكتيكيا وعسكريا. وأجهضت مخططاته بعملية عملية عسكرية جريئة داخل مستوطنات غلاف غزة لم يشهد لها الكيان مثيل منذ حرب اكتوبر 1973.حيث أظهرت المقاومة على قدرتها على تجاوز الحواجز الامنية المختلفة المضروبة على القطاع. ونقل المعارك الميدانية داخل أراضي 1948. وقتل وأسر المئات من الجنود والمستوطنين وهو ما لم يكن في حسبان حتى أكثر المترددين من الامنيين الاسرائيليين ومعاهد الدراسات من المواجهة مع المقاومة الفلسطينية.
-أوفي الجانب المتعلق بتقوية الجبهة الداخلية التي يبدو ان العملية العسكرية للمقاومة قد فاجأت بنتائجها الشارع السياسي الإسرائيلي بموالاته ومعارضاته. ودفعت بـ نتانياهو للاستنجاد بهم لتشكيل حكومة طوارئ وطنية تستبعد منها الأحزاب المتطرفة. وهو ما لم يكن ضمن حساباته ولا يعد في صالحه بعد ان ارتفعت جل الاصوات الاسرائيلية ضده وحملته مسؤولية الإخفاق الأمني والعسكري الذي يضاف الى الاخفاق السياسي في الحفاظ على الامن الاستراتيجي لإسرائيل. ولن يشفع له في ذلك ما أقدم عليه من حرق للمدنيين الفلسطينيين بالقصف الجوي العشوائي على غزة بهدف الرفع من أعداد القتلى ولو كان ذلك على حساب النساء والأطفال.
ولا تهديداته باجتياح القطاع الذي سيشكل مستنقعا دمويا غير مضمون العواقب وتكلفته ستكون باهظة لقواته. بالإضافة الى كون هذه الخطوة ستشكل منعرجا خطيرا في اتجاه حرب إقليمية تتوحد فيها ساحات المقاومة من الضفة والجولان وجنوب لبنان اضافة للفصائل العراقية واليمنية. خاصة مع بداية التصعيد العسكري الذي تشهده جبهة الشمال وتصريحات مسؤولي حزب الله الذين اعتبروا أنفسهم غير محايدين في هذه المواجهة. وهو ما يمكن أن يكون رادعا لنتانياهو على ارتكاب هذه الحماقة التي يمكن ان تؤدي إلى فناء الكيان. وحينها لن ينفعه في ذلك مواقف الدعم ولا المساعدات التي تأتيه من الغرب الاستعماري وأمريكا التي فتحت جسرا جويا مع اسرائيل لمواجهة "الإرهاب الفلسطيني" حسب تعبيرهم، واستقدمت حاملة طائرات للمنطقة. ولنتانياهو أكبر عبرة في أوكرانيا التي تعيش تهديدا وجوديا بعد ان استكنت للوعود الغربية والأمريكية ورفضت مفاوضات السلام في البداية مع روسيا.
-أو في ما يخص مشروع التطبيع مع الدول العربية التي وجد حكامها أنفسهم في حرج بين المواقف التضامنية لشعوبهم مع القضية الفلسطينية وما ينتهجونه من سياسات تقاربية مع الكيان الإسرائيلي الذي أقنعهم وامريكا بموت القضية الفلسطينية وأن كل ما يمكن تحصيله في هذا الوضع الإقليمي المتردي هو التقرب لإسرائيل العظمى لضمان أمنهم و ضمان ما قد تنعم به من" حقوق " على الفلسطينيين .
لكن العملية العسكرية الحالية و توسعها لتشمل كل فلسطين وربما كل محيطها الاقليمي نتج عنها إعادة قوية للقضية الفلسطينية الى مشهد الصراع الدولي ونسفت كل الاحلام الوردية للكيان الاسرائيلي ولحكومة نتانياهو في قدرتها على ترسيم علاقتها بمحيطها الإقليمي العربي . اضافة الى تجميد مخططات التطبيع التي تواترت بشكل سريع في السنتين الأخيرتين ولن اقول التراجع عنها كليا، رغم ان ذلك سيبقى رهينا بمدى قدرة المقاومة على الاستمرار وتوسيع الجبهات المستنزفة للقوة العسكرية الاسرائيلية.
خلاصة
من خلال هذه العملية العسكرية النوعية التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية يمكن استخلاص ثلاثة نقط اساسية:
-إعادة القضية الفلسطينية الى واجهة الصراع الاقليمي والدولي بعد ان توحدت كل الفصائل والقيادات في غزة و الضفة الغربية لمواجهة الكيان الاسرائيلي بعد ان وهم نتانياهو الحكومات العربية و العالم بأهمية استراتيجيته القمعية للشعب الفلسطيني ومخططاته التهويدية لكل الأراضي الفلسطينية التي تنسف جدوى الحديث عن ضرورة قيام الدولة الفلسطينية. وبعد ان تدخلت على الخط في هذا الصراع القوى الدولية المتصارعة عبر التهديدات والتهديدات المضادة ابتداء من امريكا وايران و نهاية بالصين وروسيا التي قد تؤدي الى اشعال المنطقة.
-أظهرت العملية العسكرية للمقاومة الفلسطينية قدرتها على قلب الطاولة على حكومة نتانياهو وعلى الجيش الإسرائيلي الذي شهد عملية إذلال لم يسبق لها مثيل في تاريخ حروبه مع جيرانه .بل ان نتائج هذه العملية سيكون لها ما بعدها بعد ان أظهرت فشل نتانياهو في الحفاظ على ما يسميه بالأمن القومي للكيان الذي طالما اعتبر نفسه من أكبر المستأمنين عليه. بل ان هذه العملية التي نسفت كل مخططاته والتي كان يريد منها تقوية سلطته هي من ستعجل بسقوطه و تنهي مساره السياسي الملطخ بالهزيمة .
- تجميد مسلسل التطبيع مع الدول العربية لوقت لن يكون بالقصير الذي يعتبره نتانياهو من انجازاته الكبرى بعد ان اعتقد بوأد القضية الفلسطينية واقنع بعض الحكام العرب بذلك .هذا إن لم يتم التراجع عنه كليا بالنسبة لبعضهم و يدفع بتريث الآخرين الذين كانوا على قائمة التطبيع ولنا في رفض هذه الدول مطلب أمريكا القاضي بإدانة العملية العسكرية للمقاومة مؤشر دالا على ذلك .خاصة ان استمرت هذه المقاومة و وسعت من جبهات اشتباكها لتشمل كل المحور المقاوم مع كل ما يمكن ان ينتج عنها من تهديد وجودي للكيان الاسرائيلي.
-ان هذه العملية العسكرية النوعية لفصائل المقاومة وقدرتها على الاستمرار والتوسع أظهرت لأول مرة فشل الرهان الاسرائيلي والامريكي على مشروع التطبيع مع الحكومات العربية لإنهاء القضية الفلسطينية. حيث ان هذه العملية العسكرية التي خرجت عن إطار الحروب النظامية التي خاضتها إسرائيل مع جيرانها تبين لاول مرة قدرة فصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة خوض حرب كرامة نوعية أذلت الكيان الإسرائيلي وتهدد وجوده ان توسعت جبهات الاشتباك الى المستوى الإقليمي وذلك دون الحاجة للجيوش النظامية العربية. مما يجعل من خيار رهان اسرائيل على التطبيع كرافعة لضمان أمنها الاستراتيجي رهانا خاطئا لان ما يهدد وجودها وأمنها حاليا هو خروج قرار الحرب والسلم من ايدي الحكومات العربية وانتقاله إلى أيدي تنظيمات محور المقاومة. بالإضافة ال. ما تنتهجه من سياسات استيطانية وقمع وقتل وإذلال ممنهج للفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس على كافة أراضي ما قبل سنة 1967.والانسحاب اللامشروط من كافة الأراضي السورية واللبنانية.ش