الجمعة 7 فبراير 2025
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد:عن الكرامة مرة أخرى

عبد الجليل أبوالمجد:عن الكرامة مرة أخرى عبد الجليل أبوالمجد
كرامة الإنسان قيمة دستورية في الدساتير الحديثة، فمعظم الدساتير الوطنية المعاصرة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان تحث على احترام كرامة الإنسان كمبدأ أساسي غير قابل للانتهاك. وهذا أيضا ما ورد في دستور المغرب الأخير، لاسيما في تصديره.
والحفاظ على الكرامة مرتبطة بالإنسان حيا وميتا، فكما يتعين الحفاظ عن كرامة الإنسان في حياته، فإنه يتعين كذلك مراعاة كرامة الإنسان المشرف على الموت، بل ومراعاة كرامة جسده بعد مماته "إكرام الميت دفنه".
من الأقوال المأثورة التي تعجبني: «الأيام تكشف معادن البشر.. والمواقف تكشف عمق المشاعر وصدق القلوب». وهكذا كان المغرب بعد الزلزال لتي تعرض له، وما أعقبها من تضامن شعبي وجهد حكومي تجلى في تعبئة جميع وسائل وإمكانيات الدولة لتقديم المساعدات اللازمة وتقييم أضرار الزلزال.
لكن ما يثير الانتباه قبل وبعد الزلزال هي ظاهرة نزوع بعض المغاربة نحو تصوير المحتاجين دون موافقتهم عند تقديم التبرعات أو الصدقات لهم، ونشر هذه الصور في وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة، وقد يكون ذلك قد حدث لتحقيق أهداف وغايات مقبولة مثل تحسين صورة جهات ومؤسسات معينة، أو التشجيع على التصدق وفعل الخير.... الخ، ولكن غاب عن فكر من فعل ومازال يفعل هذا أن تحقيق أهداف وغايات عامة يجب ألا يتم على حساب كرامة وخصوصية العائلات الذين تظهر صورهم، وينكشف حالهم، ويفضح وضعهم. ويزداد الأمر سوءا عندما يكون من يقوم بالتصوير والفضح مجرد وسيط، لم يقدم من ماله الخاص شيئا، ولا من مال مؤسسته أو شركته أو الهيئة التابع لها، وإنما هو مجرد موصل لتبرعات التي تبرع بها أشخاص آخرون لمن يستحقها، ورغم ذلك يصر على التصوير، والفضح والتشهير.
صحيح كثير من المغاربة يحتاجون إلى يد المساعدة لكن دون أن تمس كراماتهم. وصحيح الإعانة حق للمحتاج سواء أكانت مالية أو عينية أو طبية وتوظيفها إعلاميا وصولا إلى الشهرة تصرف غير أخلاقي، ولا يليق بكرامة الإنسان، وإن كانت هناك حاجة لإثبات ذلك إبراء للذمة أو مستندا يقدم للجهة فيكون ذلك بالتوقيع وإن وجدت حاجة للتصوير فتحفظ الصور في الملفات ولا تفضح خصوصية العائلات وتحطم كرامتها، فالكرامة حق للإنسان لا تسقطه الحاجة.
ثمة ذل يرتسم في عيون ذاك المسن المحتاج، وتلك المرأة العاجزة، وذاك الطفل اليتيم، وتلك الأرملة اليائسة، وهم يضطرون لتلقي حاجاتهم أمام عدسات من يتفاخر بأنه قدم لهم أبسط الضروريات، وأحيانا أقلها، طالبا بثمنها زيادة عدد متابعيه، وممارسا تباهيا وتفاخرا، يثير كثيرا من علامات الاستفهام.
ختاما نقول، إن (يد تساعد خير من عين تشاهد) وإن ما يجري من تصوير وبيع وشراء من قبل البعض هو عمل غير أخلاقي وغير مقبول، ومع تكرار مثل هذه التصرفات المقيتة في المناسبات وفي الكوارث المطلوب الحد منها بتفعيل القوانين وتحمل التبعات والمسؤوليات حتى لا تبقى الاعانات مغموسة بالإهانات والأنفس مهانة والقلوب مكسورة والأعين دامعة. كما ينبغي أن تتكاتف جهود السلطات والمجتمع المدني لمحاربة هذه الظاهرة المنحطة والقذرة.
" قال المُتنبي وليته ما قال: من يهن يسهل الهوان عليه… وما لجرح بميت إيلام.