الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

الصديق معنينو: "طائرة بدون ربان"

الصديق معنينو: "طائرة بدون ربان" الصديق معنينو
بعد انتصارها على الجيوش الفرنسية والأمريكية والصينية، قرّرت فيتنام الشيوعية إقفال الحدود وتصفية الحساب مع أعداء الأمس، وطيلة عشر سنوات عاشت البلاد مأساة حقيقية مات خلالها من الجوع مئات الآلاف وغادرها في سفن الموت أربعة ملايين مات نصفهم غرقا...
مساعدات
بعد هذه الفترة الكئيبة تقرر تغيير السياسة والانفتاح على الخارج في محاولة لجلب رؤوس الأموال لدعم التنمية... قال الفيتناميون.... «لا يهمنا أن تكون الأموال للعدو الأمريكي أو المستعمر الفرنسي أو المتربص الصيني، المهم أن تصل تلك الأموال لتشييد المعامل والمصانع..... فورا وضعوا قانونا محفزا فيه تسهيلات وإعفاءات ومساعدات... عند زيارتي لم أسمع ولو مرة واحدة أن «فيتنام بلاد الشهداء» أو بلاد «القوة الضاربة» ومع ذلك سقط سبعة ملايين شهيد فيتنامي في حروب التحرير...
فتح الأبواب
لم يقرر الشيوعيون في فيتنام أن كل مستثمر لن يتمكن إلا من 49% من رأس المال، وأن الدولة تحتفظ بالأغلبية كما فعل جيراننا الذين لا زالوا يعيشون عهد «ماؤ» و «اشتالين» حين كان كل شخص يُضبط وفي جيبه دولار واحد يتم إعدامه... وخلافا لجيراننا فَهِمَ الفيتناميون أن الفلاحة ضرورية للتنمية لذلك استغلوا كل متر مربع وأزاحوا 42 % من مساحة الغابة... وعوض الموت جوعا أصبحوا يصدرون بعد الاكتفاء الذاتي....
بينما جيراننا استصغروا الفلاحة ووقفوا في طوابير لاقتناء أبسط الحاجيات.
أذكر أن هواري بومدين في خطاب شهير قال متخايلا... لنترك الفلاحة والرعي للمغاربة هم متخلفون منذ زمان أما الجزائر فستتحول إلى قوة صناعية تغزو افريقيا... هكذا خسر الجزائريون الفلاحة ولم ينجحوا في الصناعة، كما أنهم لم ينجحوا في السياحة، أما الفيتناميون فقد فتحوا بلادهم أمام السياحة كرافد للتنمية والتشغيل وجلب العملة الصعبة... ملايين السياح يزورون فيتنام سنويا وملايير الدولارات تتراكم في خزينة الدولة.
قنطرة الوحدة
وقفت لحظة في مدينة «هوي» وسط فيتنام لزيارة منتجع سياحي أقامه الفرنسيون في قمة الجبال على علو 1550 مترا... حافظ عليه الفيتناميون وطوروه... تصعد إليه بـ «طيلي فيريك وتدوم الرحلة، فوق غابة كثيفة عشرين دقيقة... بعد ذلك تعبر قنطرة ذهبية تحملها يدان عملاقتان، بكبر حجمهما ذكرتني بوجوه الرؤساء الأمريكيين المنحوثة على جبال روشمور» في ولاية «داكوطا... المدينة الفرنسية هي «باريس مصغرة» مع وولد ديزناي» وسط مشاهد طبيعية رائعة... تناولت مع رفاق الرحلة، طعام الغذاء في مطعم ضم ثلاثة آلاف من السياح وعدد المطاعم المشابهة ستة تقدم الوجبات دفعة واحدة لستة ألفاً من الزوار. 
الأكبر والأقوى
بلاد جيراننا، بصحراء رائعة الجمال، مقفلة على نفسها لا تستقبل حتى خمسين ألف سائح سنويا.... الجزائري بطبعه يعتقد أن بلاده هي الأكبر والأقوى والأحسن، لا يقبل النقاش ويصبح عدوانيا إذا حاولت إقناعه... الجزائري على يقين بأنه ولد ليعيش ويحكم لا ليعمل ويتعب كما يؤمن أنه عار على الجزائري فأحرى الجزائرية أن يكون في خدمة السائح... أذكر أنه أثناء زيارتي لمدينة عنابة، جلست في مقهى مطل على البحر رفقة بعض الأصدقاء وطلبت كأس قهوة لنادل عبوس.. انتظرت نصف ساعة فقدم لي كأس قهوة ونسي السكر وعندما ذكرته بذلك وبرغبتي في كأس ماء أجابني بما معناه... «خُذ ما هو أمامك أو اتركه... أنت أخويا في جزائر المجاهدين........
جبهة التحرير الوطني
لماذا قارنت بين البلدين؟ لسبب بسيط هو أني اكتشفت أن «الفيتكونغ» الذي سماه الأمريكون بالمقاتلين الشيوعيين» اكتشفت أن «الفيتكونغ» تعنى «جبهة التحرير الوطني» وهو ما ذكرني ب EL.N «الإفلين» الجزائرية... البلدان خاضا حرب تحرير واحد يبني المستقبل والثاني عيونه على الماضي..... له رؤية رجعية وإسهال حاد للتذكير بالشهداء... الفيتنام لها برامج مستقبلية محددة... قال محدثي..... «الطريق السيار قبل 2030 والقطار السريع قبل 2035... لكن شيئا واحداً يظل غامضا في فيتنام الشيوعية وهو انعدام حرية التعبير والصحافة وتأسيس الأحزاب واحترام حقوق الإنسان - لذلك فهي في حاجة إلى هذا التحول الإستراتيجي.
القوة الضاربة
الأرقام التي أشرت إليها تكون هدفاً وطنيا واضحا عند الفيتناميين بينما الجزائر لا برنامج وطنيا لها.... فلاحتها لا تلبي حاجيات البلاد والصناعة ترجع إلى الستينيات والسياحة لا وجود لها والبترول والغاز لن يدوما طويلا... في جزائر اليوم قوانين استثمار غير واضحة ومائة من المستثمرين الجزائريين في السجن.... بلاد ملايين الشهداء» تائهة وعساكرها مرتشون ورئاستها كاذبة ... «القوة الضاربة» لم تدخل «البريكس» رغم أن الرئيس تبون زار موسكو وبايع بوتين وزار الصين وباع الجزائر وأخذ من الصندوق مليار ونصف دولار وأهداه لدول أغنى منه، وردد مراراً وتكراراً أن دخول الجزائر إلى البريكس طبيعي نظرا لحجم الجزائر وقوتها الاقتصادية وتأثيرها في الأحداث... طائرة الجزائر بدون ربان تتقاذفها الرياح، هي كذلك بدون بوصلة أو مشروع وطني واضح ... العسكر يعتبرون شعب الجزائر رهينة وأرض الجزائر مسبتاحة.... بلاد الشهداء ليس لها ما تفتخر به والجزائري لا يقبل المقارنة لأنه مؤمن أنه الأحسن والأقوى وله عدو واحد هو «المروك»...