الأحد 23 فبراير 2025
كتاب الرأي

 أحمد نورالدين: زيارة بلينكن للمغرب والسعودية: المصالح أولا وأخيرا.. 

 أحمد نورالدين:  زيارة بلينكن للمغرب والسعودية: المصالح أولا وأخيرا..   أحمد نورالدين
 الولايات المتحدة منذ كانت وهي ترفع شعار "أمريكا ليس لها اصدقاء دائمون ولا اعداء دائمون، أمريكا لها مصالح دائمة"، وعلينا أن نتعامل معها ومع الدول الغربية عموما بهذا المنطق، وإلا سنكون خاسرين على طول الخط نحن في المغرب وكذلك الشأن بالنسبة لاشقائنا في السعودية ودول الخليج عموما.
وأظن ان السعودية قد تنبهت لذلك منذ فترة ليست بالقصيرة، وهناك أمثلة كثيرة على الطعنات التي تلقتها الرياض من حليفها الامريكي، وعلى سبيل المثال لا الحصر اذكر تغاضي واشنطن عن سيطرة إيران على العراق من بوابة التيارات السياسية الطائفية الموالية لطهران، وأذكر ايضا تسهيل واشنطن للاتفاق النووي مع إيران على عهد اوباما، والذي لا يحد من امتلاك نظام آيات الله للسلاح النووي وإنما يؤجله فقط، كما اذكر قانون "جاستا" سنة 2016 والذي فتح المجال لمحاكمة وابتزاز الدولة السعودية على أعمال قد يقوم بها متطرفون يحملون جنسيتها، ثم ابتزاز ترامب للسعودية في صفقة بلغت 450 مليار دولار مقابل تحجيم التغول الايراني، ولكن سرعان ما انقلبت واشنطن على سياستها بعد وصول الديمقراطي بايدن إلى البيت الابيض، ومحاولته العودة إلى الاتفاق النووي مجددا.. الخ.
هذه التقلبات دقت ناقوس الخطر لدى السعودية، وبدأت في تنويع خياراتها الاستراتيجية، وأظن ان المصالحة مع إيران او بالأحرى التهدئة تحت رعاية صينية، وانضمامها لمجموعة "بريكس" كانت تحولا استراتيجيا في السياسة الخارجية السعودية، وكذلك الأمر بالنسبة لتقارب الإمارات مع روسيا. وهذه مؤشرات مقلقة لواشنطن على انهيار الثقة في سياستها جراء تقلب مواقفها بتغير انتماء سيد البيت الابيض الابيض من ديمقراطي إلى جمهوري أو العكس.
من هذه الزاوية الجيوسياسية الواسعة يجب أن نتعامل في المغرب مع واشنطن،   ألا نوقع لها صكّاً على بياض لها او لأي دولة اخرى، بل علينا أن نواصل سياسة تنويع الشركاء في كل المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية والاستراتيجية عبر العالم، من اليابان شرقا إلى البرازيل غربا، الى جانب تقوية الجبهة الداخلية بتكريس الديمقراطية طبعا، لان في ذلك وحده صمام الأمان لمصالحنا الاستراتيجية أمام رياح الابتزاز الدولي.
ولتقريب الصورة أكثر علينا أن نتذكر كيف خطفت واشنطن صفقة الغواصات الموجهة لأستراليا من بين يدي حليفتها فرنسا، رغم وزنها الاقتصادي والاستراتيجي ورغم حجم المبادلات الذي لا يمكن ان نقارنه مع المغرب، فما بالك حين يتعلق الأمر بدولة افريقية أو عربية!
ولا ننسى في هذه المعادلة المعقدة، أن الجزائر  مستعدة للتنازل عن كل شيء مقابل هدم وحدة المغرب وفصله عن صحرائه. وهناك سوابق في هذا المجال بسبب كعكة حقول النفط والغاز التي اعطتها الجزائر لواشنطن، ويمكنكم الرجوع إلى تصريحات وزير خارجية الجزائر، أحمد عطاف، خلال زيارته لواشنطن في غشت 2023، وحديثه عن استثمارات الشركات الأمريكية في حقول النفط والغاز الجزائرية لقياس حجم المخاطر.
وهذا لا يعني بتاتا أن نغلق الباب في وجه أمريكا، ولكن يجب علينا أن نعلم ما هي الأوراق التي نملكها والتي تغري واشنطن لتعزيز علاقتها معنا؟ وما هي الاوراق التي يملكها اعداؤنا؟  ثم بعد ذلك أن نتعامل في علاقاتنا الدولية بعقلانية ونفعية وليس بالعاطفة، خاصة عندما يتعلق الأمر  بدولة دينها وعقيدتها ومذهبها تقديس المصالح ولا شيء غير المصالح.  
وبالعودة إلى الزيارة المرتقبة للسيد بلينكن إلى المغرب قادما إلبه من السعودية، المهم أن نعرف ما نريده نحن من أمريكا أولا، وكيف نربطه ثانيا بما تريده منا امريكا. وعلى سبيل المثال فقط، أمريكا تريد منا أن نكون حليفا في حربها ضد الارهاب العالمي، وتريد تحجيم التوسع الصيني في إفريقيا اقتصاديا، وتريد وقف التمدد العسكري الروسي في دول الساحل، وتريد هزيمة روسيا في أوكرانيا، وتريد إحكام قبضتها على أوربا، وتريد الضغط على السعودية، بالإضافة إلى ملفات أخرى كثيرة. وما علينا إلا أن نستعمل بذكاء ما نملك من أوراق بما فيها التحالفات المغريية مع دول الخليج وغيرها من الدول الصديقة، لتعزيز الموقف الامريكي المعترف بوحدتنا الترابية وتحصينه من التقلبات، ودفع واشنطن إلى الوفاء بالتزاماتها وعلى رأسها فتح قنصلية بالداخلة، كان قد زارها مساعد وزير خارجيتها في عهد الإدارة السابقة. والأهم من ذلك كله أن لا نفقد البوصلة الحقيقية في سياستنا الخارجية، والمتمثلة في الطي النهائي لملف الصحراء المغربية في اللجنة الرابعة، حتى لا يبقى هناك مجال لابتزاز المغرب في قضيتنا الوطنيةالمقدسة من حلفائه قبل أعدائه.. /
أحمد نورالدين، خبير في العلاقات الدولية، عضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية