نصت المادة الثالثة والثلاثون من القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات على عقد مجلس الجماعة جلساته، وبشكل إلزامي، ثلاث(3) دورات عادية في السنة خلال شهور فبراير، ماي وأكتوبر.
يجتمع المجلس في الأسبوع الأول من الشهر المحدد لعقد الدورة العادية، التي تتكون من جلسة أو عدة جلسات، المحدد لها جدولة زمنية والنقط التي سيتداول في شأنها المجلس خلال كل جلسة.
أولا: التحديد التحكمي للدورات: العدد وتاريخ الانعقاد
بيدو أن التأطير التحكمي لدورات المجلس بواسطة المشرع وتحديد عددها وتاريخ إجرائها، يثير تطبيقه صعوبات على أرض الواقع منها:
1- الحصر العددي للدورات العادية والجدولة الكمية للنقط
حصر عدد دورات المجلس العادية في ثلاث، كما هو الشأن بالنسبة لمجلس المقاطعة، وخلافا للسابق، حيث كانت مجالس الجماعات الحضرية والقروية تعقد أربع(4) دورات عادية في السنة ( المادة 58 من القانون رقم 78.00 ) غير مستساغ، خاصة أن هناك بعض المقررات لا يمكن أن تبرمج أو تتخذ إلا في دورات عادية . ففي حالة قبول العريضة بواسطة الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية، فإنها تسجل في جدول أعمال المجلس في الدورة العادية الموالية (المادة 125 من القانون التنظيمي رقم 113. 14 المتعلق بالجماعات)، كما أن تقديم ملتمس مطالبة الرئيس بالاستقالة بعد انصرام أجل ثلاث (3) سنوات من مدة انتداب المجلس، فيدرج هذا الملتمس وجوبا في جدول أعمال الدورة العادية الأولى من السنة الرابعة التي يعقدها المجلس (المادة 70). وقد ينتعش تفعيل هذا المقتضى في حينه، مع بداية مؤشر صراع الأغلبيات في ظل هذا الانتداب، وليس معادلة الأغلبية والمعارضة، كما هو في الاعتياد.
إن الحصر العددي للدورات العادية، ومع كثرة الانتظارات، من شأنه أن يعدد اللجوء إلى الدورات الاستثنائية، فتصبح هاته الأخيرة، وكأنها هي القاعدة؛ لكون تجاوز عددها للدورة العادية في السنة تحصيل حاصل في بعض الجماعات. أو يرهق الموارد البشرية للجماعة بكثرة نقط جدول اعمال الدورة العادية. فقد تضمن جدول أعمال الدورة العادية لمجلس جماعة مكناس لشهر أكتوبر 2023 ثلاث(3) جلسات، الأولى والثانية برمجت فيها 45 نقطة. وضم جدول أعمال دورة أكتوبر العادية لجماعة الدارالبيضاء 97 نقطة.
2- الجدولة الزمنية للدورات وانعكاساتها
لا بد من الإشارة بداية إلى ذلك التباعد الزمني بين دورتي ماي وأكتوبر، التي قد تصل المدة الفاصلة بينهما إلى ست (6) شهور.
- إن انعقاد الدورات العادية بواسطة مجالس الجماعات في الأسبوع الأول من الشهر(دورة أكتوبر مثلا) (حسب المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها رقم 4883 في 19 نونبر2015 فإن عدم انعقاد مجلس ... لدورته العادية في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، لا يرتب البطلان، ولم يجعله المشرع واقعا تحت طائلة أي جزاء)، قد يفضي إلى تزامن انعقاد أكثر من مجلس جماعي لدورته في يوم واحد، وإذا كانت هناك حاجة لبرمجة أو استدعاء أحد مسؤولي أجهزة اللاتمركز الفني لتقديم تقرير ذي الصلة بجدول الأعمال( التعليم، الصحة، الأشغال... ) فقد يصعب عليه تلبية حضور جلسات دورات هاته المجالس المنعقدة في نفس اليوم مع وجود عدد كبير من الجماعات القاعدية في الإقليم الواحد، مثلا يضم إقليم تارودانت 89 جماعة، ويحتوي إقليم الصويرة على 57 جماعة( فكيف يطلب من العمال أو مساعديهم القيام بجولات ميدانية وجلب الاستثمارات وتفقد الساكنة، وهم مستنزفون بمعالجة ودراسة أو التأشير على مقررات المجالس العديدة...وإن الزلزال الذي عرفته البلاد يعجل بمراجعة التقسيم الترابي) ونفس الشيء ينطبق على حضور ممثل عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه ( من درجة قائد على الأقل وليس عون سلطة) دورات مجلس الجماعة في الحالة المذكورة، خاصة أنه مطالب بتقديم جميع الملاحظات والتوضيحات المتعلقة بالقضايا المتداول في شأنها إما بمبادرة منه أو بطلب من الرئيس أو أعضاء المجلس. خاصة وأن حضورها ضروري، وهو ما أكدته بعض الأحكام القضائية ، إذ يعتد بحضور محاضر هاته السلطات في غياب تحرير محاضر المجالس (حكم المحكمة الإدارية بمكناس عدد 624/7107/2015 وكذا 571/7110/2017، والمؤكد بقرار محكمة الاستئناف الإدارية عدد 4791 بتاريخ 13نونبر2015) حيث يبقى تحرير السلطة المحلية للمحضر، وفقا لما عاينته بجلسة الانتخاب، هو المخرج المناسب لإتمام العملية الانتخابية، خاصة وأن القانون نفسه يفرض عليها الحضور لجلسة الانتخاب.
ثانيا: تأطير اجتماعات المجلس
للتذكير فالدورة تتكون من جلسة أو عدة جلسات. ويحدد لكل دورة جدولة زمنية للجلسة أو للجلسات والنقط التي سيتداول في شأنها المجلس خلال كل جلسة. وتحدد المدة الزمنية للجلسات وتوقيتها في النظام الداخلي للمجلس (المادة 33 من القانون التنظيمي رقم 113. 14 المتعلق بالجماعات).
يمكن إبداء من خلال هاته المقتضيات الملاحظات التالية:
1- الدورة و الجلسات
الجلسة أو الجلسات التي يعقدها المجلس التداولي، في إطار الدورات، بيد أن الجلسة -التأسيسية- المنعقدة لانتخاب رئيس المجلس ونوابه فتجرى في جلسة واحدة(المادة 10 من القانون التنظيمي رقم 113. 14 المتعلق بالجماعات . وتسري أحكام هاته المادة على انتخاب رئيس مجلس المقاطعة ونوابه- المادة 221) ،تعقبها مباشرة جلسة مخصصة لانتخاب نواب الرئيس وتحت رئاسة هذا الأخير (المادة 17 من القانون التنظيمي رقم 113. 14 المتعلق بالجماعات). فجلسة انتخاب النواب تحكمها هاته المادة الأخيرة، والتي يرأسها الرئيس، وهي نفس الجلسة التي ينتخب فيها كاتب المجلس ونائبه (المادة 23). وتلي مباشرة جلسة انتخاب الرئيس التي يرأسها العضو الأكبر سنا من بين أعضاء المجلس الحاضرين غير المترشحين (المادة 12). وكأن الامر يتعلق بجلستين وليس بجلسة واحدة، كما تشير إلى ذلك المادة العاشرة من القانون التنظيمي رقم 113. 14 المتعلق بالجماعات. وبصرف النظر عن هذا الالتباس فتبدو هاته الجلسات الانتخابية سابقة عن الدورات العادية والاستثنائية، ومستقلة عنها (يستشف من المادة السادسة من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي أن انتخاب مكتب المجلس الجماعي يتم في جلسة تحضرها السلطة الإدارية المحلية المختصة أو من يمثلها)، بيد أن الملتمس المتعلق بمطالبة أعضاء المجلس الرئيس بتقديم استقالته، وخلافا لمبدأ توازي الأشكال، يدرج وجوبا في جدول أعمال الدورة العادية الأولى من السنة الرابعة التي يعقدها المجلس (المادة 70 ). هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن غياب الأعضاء عن حضور تلك الجلسات -التأسيسة- لا يرتب تطبيق مقتضيات المادة السابعة والستين من القانون التنظيمي للجماعات، والتي تنص على أن كل عضو من أعضاء مجلس الجماعة لم يلب الاستدعاء لحضور ثلاث (3) دورات متتالية أو خمس (5) دورات بصفة متقطعة دون مبرر يقبله المجلس، يعتبر مقالا بحكم القانون. ويجتمع المجلس لمعاينة هذه الإقالة .هذا على مستوى هذا النوع من الجلسات الانتخابية -التأسيسية- المتفردة والخارجة عن دائرة الدورات، إلى جانب تلك الجلسات المندرجة في إطار هاته الأخيرة ،والتي أفردها المشرع بنوع من التخصيص.
2- جلسة تقديم أجوبة على الأسئلة الكتابية
يخصص مجلس الجماعة جلسة واحدة عن كل دورة لتقديم أجوبة على الأسئلة الكتابية التي يوجهها أعضاء مجلس الجماعة إلى رئيس المجلس بصفة فردية أو عن طريق الفريق الذي ينتمون إليه حول كل مسألة تهم مصالح الجماعة (المادة 46). ويخضع طرح السؤال الكتابي لجحموعة من الضوابط، تستشف من نموذج النظام الداخلي -مجلس الجماعة-. فالسؤال الكتابي يجب أن لا يتضمن توجيه تهم إلى جهة معينة أو أن يهدف إلى خدمة أغراض تهم أحد أعضاء المجلس أو أقربائه (المادة 12). يدرج السؤال الكتابي والجواب المقدم من قبل رئيس المجلس أو نائبه في محضر الجلسة ... ويمكن لرئيس المجلس الجماعي باتفاق مع أعضاء المكتب ضم مجموعة من الأسئلة الكتابية، التي تجمع بينهما وحدة الموضوع، وأن يقدم جوابا موحدا عنها. كما يجوز لرئيس المجلس رفض الإجابة عن الأسئلة الخارجة عن اختصاصات المجلس وصلاحيات رئيسه، ويبلغ ذلك إلى المعني بالأمر خلال انعقاد الدورة (المادة 18). وهو ما طابقته أحكام المادة التاسع عشر من النظام الداخلي لمجلس جماعة مكناس للفترة الانتدابية (2021 – 2027 ).
وللإشارة فقد برمجت هاته الجماعة ضمن جدول أعمال دورة أكتوبر 2023 الجلسة الثالثة منها للإجابة عن الأسئلة المطروحة من طرف بعض الأعضاء، والتي بلغ عددها 33 سؤال، همت الجانب البيئي والتجهيزات الأساسية واحتلال الملك العمومي، قطاع الرياضة والثقافة، اختلالات تدبير سوق الجملة للخضر والفواكه... كما أن تدبير استهلاك الوقود والمحروقات كان موضوع سؤال كتابي لأحد المستشارين بمقاطعة الحي الحسني بالدارالبيضاء.
3- محاضر الدورات أو الجلسات : خنق التداول والدارالبيضاء نموذجا
يسجل على المشرع أنه لم يستقر على محضر واحد، بل عدد منها (محاضر الجلسات أو الدورات أو المداولات)، فأحيانا يشير إلى محضر الجلسة أو الجلسات، حيث يعهد إلى كاتب المجلس بتحرير محاضر الجلسات وحفظها (المادة 23 من القانون التنظيمي رقم 113. 14 )، ويدون -وجوبا- بمحضر الجلسة أسباب رفض إدراج كل نقطة مقترحة في جدول الأعمال (المادة 46) أو يستعمل محاضر الدورات،كما ورد ذلك ضمن مقتضيات المادة 116 من القانون التنظيمي للجماعات،التي توجب تبليغ نسخ من محاضر الدورات ومقررات مجلس الجماعة ... إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه. كما يشير إلى محاضر مداولات مجلس المقاطعة، حيث توجه نسخ منها إلى رئيس مجلس الجماعة الذي يحيلها إلى عامل العمالة أو من ينوب عنه (المادة 230).
وإذ تكون جلسات مجلس الجماعة مفتوحة للعموم ،فإن الاخلال بالنظام العام قد يفضي إلى عقد اجتماع مغلق (غيرمفتوح للعموم) (المادة 48 من القانون التنظيمي رقم 113. 14 المتعلق بالجماعات. وقضت المادة الثامنة من النظام الداخلي لجماعة مكناس على أنه في حالة إقرار جلسة غير مفتوحة للعموم، يأمر الرئيس بإخلاء القاعة من العموم ومن ممثلي وسائل إلاعلام وجميع الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالنقطة أو النقط موضوع المناقشة، قبل متابعة أشغال الجلسة. وهو ما سلكته المادة 60 من النظام الداخلي لجماعة الدارالبيضاء (2021-2027). وكذا المادة 13 من النظام الداخلي لمجلس مقاطعة الصخور السوداء،).فهناك حرص على ضبط إيقاع توقيت هاته الاجتماعات، وهذا ما يستشف من بعض الأنظمة الداخلية لمجالس الجماعات ،التي استأنست بما جاء في المادة السادسة من نموذج النظام الداخلي لمجلس الجماعة، و قضت أحكامها بما يلي:"فتتحدد المدة الزمنية لكل جلسة في... ساعة وتبتدئ وجوبا على الساعة... من يوم انعقادها وتختم وجوبا على الساعة".. وبعد أن أكذت المادة الخامسة من النظام الداخلي لمجلس جماعة سلا على أن الدورة تتكون من جلسة أو عدة جلسات وفق قرار مكتب المجلس في هذا الشأن، فحددت المدة الزمنية لكل جلسة من الجلسات في أربع (4) ساعات على الأكثر، تبتدئ من الساعة الثالثة بعد الزوال إلى غاية الساعة السابعة مساء. وهي نفس المدة الزمنية لكل جلسة حسب المادة السادسة من النظام الداخلي لمجلس جماعة عين تاوجدات ، تبتدئ وجوبا على الساعة 10 صباحا من يــوم انعقادها، وتختم وجوبا عند استنفاذ المجلس دراسة النقط المدرجة بجدول أعمال الجلسة . وحددت المادة 19 من النظام الداخلي لمجلس مقاطعة سيدي البرنوصي مدة كل جلسة في (03) ساعات قابلة للتمديد، بينما تبنى مجلس جماعة الدارالبيضاء مدة أربع (4 )ساعات للجلسة. وهذا السقف الأقصى يحتكر نصف مدته (ساعتين) مكتب المجلس وتوزيع النصف المتبقي على أعضاء الفرق مع مراعاة التمثيل النسبي (المادة 69 من النظام الداخلي، الذي صوت عليه المجلس خلال دورته الاستثنائية المنعقدة بتاريخ 21 أكتوبر 202). وفاقتها جماعة أكوراي (التي لا تقارن بالبيضاء)،إذ حددت المــــادة السادسة من النظام الداخلي لمجلسها المدة الزمنية لكل جلسة في (05) ساعات. تبتدئ وجوبا على الساعة العاشرة من يوم انعقادها، وتختم وجوبا على الساعة الثالثة بعد الزوال. ورفعت المادة السابعة من النظام الداخلي لمجلس جماعة مكناس سقف المدة الزمنية لكل جلسة في 14 ساعة. تبتدئ الجلسة على الساعة العاشرة صباحا وتختتم على الساعة الثانية عشر ليلا كحد أقصى. وهكذا يتضح أن السقف المحدد لمجلس الدارالبيضاء لا ينسجم وحجم هاته المدينة (الأكبر من حيث عدد السكان، وعدد الأعضاء، وعدد المقاطعات والرئة الاقتصادية في المغرب إلخ). فهل جلسة واحدة من أربع (4)ساعات كافية لمناقشة 97 نقطة، موضوع دورة أكتوبر الحالية، تهم مواضيع مفصلية: المالية والميزانية،التعمير والممتلكات، الاتفاقيات...
وهاته كل واحدة منها تستحق أن تكون موضوع دورات مستقلة، خاصة أن منها 92 نقطة موضوع الدراسة والتصويت وبذلك يتحول المجلس إلى غرفة للتسجيل ورفع الأيادي.
فكيف تمرر وتصرف هاته النقط في 240 دقيقة، منها 120 دقيقة محتكرة من لدن المكتب (مباراة في كرة القدم مع الأشواط الإضافية)، ونصف المدة مخصص لأعضاء الفرق( لا يمكن أن يقل عدد كل فريق عن خمسة)؛ مما يعني حرمان الأعضاء المنتمين إلى مجلس جماعة الدارالبيضاء، وغير المتوفرين على فريق من التداول، وإقصاء هؤلاء معناه إقصاء دوائرهم الانتخابية من إسماع صوت من يمثلهم، خاصة أن هؤلاء لا يملكون إلا حق الكلام والتداول فقط (المادة 66) كما أن مصادرة حق هؤلاء في التداول يمس بمبدأ دستوري: وهو مبدأ التدبير الحر.
ويجذر التذكير بالمادة الثالثة من القانون التنظيمي في هذا الصدد: يرتكز تدبير الجماعة لشؤونها على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جماعة، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها. فكيف لم يعترض الوالي أو العامل على المادة 69 من النظام الداخلي ألذي ضيق من قاعدة موسعة، كما لا يمكن التدرع بالاقتباس البرلماني للاختلاف البين بين الجماعات الترابية والبرلمان (وحتى في ظل هذا الأخير فجيلي يتذكر جرأة المناضل والبرلماني السابق (محمد بنسعيدأيت يدر) صاحب المقعد الواحد أو فصاحة المرحوم علي يعته...).
د أحمد حضراني/ رئيس مركز الدراسات في الحكامة والتنمية الترابية