الأربعاء 27 نوفمبر 2024
خارج الحدود

الإرهاب يتبث مساره الدموي ضد إرادة الشعب التونسي

الإرهاب يتبث مساره الدموي ضد إرادة الشعب التونسي

تمكنت السلطات التونسية، منذ مطلع الشهر الجاري، من اعتقال 221 شخصا متورطا في قضايا إرهابية ، بمن فيهم المدعو عفيف العموري الذي وصفه بلاغ لوزارة الداخلية ب"القيادي الصلب في تنظيم أنصار الشريعة الإرهاب المحظور".  وعلى امتداد رمضان الماضي تم تسجيل حصول ثلاث عمليات إرهابية أسفرت عن مقتل 21 عسكريا، وجرح أكثر من 29 آخرين. وهو ما يبين أن مسلسل الإرهاب ماض في تثبيت مساره الدموي، ضد على إرادة الشعب التونسي الذي انتفض في يناير 2011 من دحر الاستبداد، وإطلاق دينامية تأسيس دولة الحق والقانون.

هذا الواقع يجعل المراقب للمشهد السياسي التونسي يلاحظ وجود تباين كبير بين مشروعين متصارعين: الأول ديموقراطي تلتف حوله  كل قوى الحداثة والتقدم، وقد أثمر، منذ هروب بنعلي، عن إتمام الاستحقاقات التشريعية، وعن تدشين الحوار من أجل إعداد أول دستور لتونس الجديدة. ومشروع إرهابي متجسد في نشاط التيارات الأصولية المتشددة التي تنهل من المرجعيات الدموية. وهو ما ترجم بالملموس من خلال اغتيال الناشط السياسي شكري بلعيد في فبراير 2013، كما يترجم إلى اليوم بالدعوة إلى تحريم الفن والإبداع وحرية المعتقد، وبتكفير المخالفين للرأي.

ومع ذلك، فالعديد من المراقبين يسجلون في أحيان كثيرة حصول تداخل بين المشروعين، موجهين التهمة إلى حزب النهضة الإسلامي الذي يبدو، في نظرهم، يلعب بقناعين في نفس الوقت: قناع العمل الديموقراطي المؤمن بعمل المؤسسات الدستورية، وقناع "باطني" يناصر فكر الظلام، ويتستر عن الإرهابين الذين يسميهم أحد الكتاب التونسيين ب"الحشاشين الجدد".بل يؤازرهم من أجل كبح جماع المجتمع المدني،وتعطيل طاقاته الكبرى من أجل التحرر.

وفي الواقع، فهذا الدور المزدوج ليس حالة تونسية صرفة. إنها نفس حالة مصر التي منحت نفسها دستوريا إلى حزب الإخوان المسلمين (من يوليوز 2012 إلى يوليوز 2013) ليتبين أن أرض الكنانة كانت في الحقيقة قيد الاحتجاز، وأن مشروع الإخوان كان يقصد الانقلاب على الديموقراطية عبر تجسير العلاقة مع الإرهابين، ومع عموم الإخوان في المحيط الإقليمي والدولي، في أفق تأسيس دولة الخلافة الإسلامية. وهي نفس الحالات بإيقاعات وتلوينات مختلفة في اليمن وليبيا وسوريا والعراق والمغرب ذاته.

إن ما يجري في تونس لا يسائل التونسيين وحدهم، بل كل الديموقراطييين في العالم العربي الإسلامي. وهو ما يضاعف من مهام الحركات الديموقراطية الحقيقية التي تجد نفسها اليوم في مواجهة الإرهاب بكل أقنعته: القاعدة و"داعش" وسلالاتهما من جهة، وحركات الإسلام السياسي ذات الدور المزدوج: عين على صناديق الاقتراع، وعين على المشانق والسيوف والسواطير التي يعدونها لخصومهم المؤمنين حقيقة بصناديق الاقتراع.