الثلاثاء 5 ديسمبر 2023
اقتصاد

عبد الرزاق الهيري: حان الوقت لإخراج تشريع خاص بالجبل لجبر الضرر وإعادة الاعتبار للساكنة

عبد الرزاق الهيري: حان الوقت لإخراج تشريع خاص بالجبل لجبر الضرر وإعادة الاعتبار للساكنة عبد الرزاق الهيري
قال عبد الرزاق الهيري، أستاذ بكلية العلوم القانونية بفاس، وخبير في تتبع السياسات العمومية، إن "‬الاهتمام‭ ‬بالمناطق‭ ‬الجبلية‭ ‬تأخر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وأول‭ ‬اهتمام‭ ‬برز‭ ‬عند‭ ‬إنشاء‭ ‬صندوق‭ ‬التنمية‭ ‬القروية،‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬2012،‭وأن هذا  ‬الاهتمام‭ ‬سيزيد‭ ‬بعد‭ ‬إطلاق‭ ‬البرنامج‭ ‬تحت‭ ‬القيادة‭ ‬الملكية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقليص‭ ‬الفوارق‭ ‬الترابية‭ ‬والمجالية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬سنة‭ ‬2015،‭ ‬وهذا‭ ‬البرنامج‭ ‬يعد‭ ‬خطوة‭ ‬أولى،‭ ‬تؤكد‭ ‬الاعتراف‭ ‬بخصوصية‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬الجبلية‭.
 وفيما يلي نص الحوار مع "
أنفاس بريس".

- عرى زلزال الحوز عن اختلالات تنموية في هذه المناطق خصوصا على مستوى الطرق في الجبال، كيف تنظر لهذه الاختلالات؟

لابد من الإشارة في البداية إلى أن المناطق الجبلية في المغرب، تتميز بتعدد وتنوع سماتها الطبيعية من الناحية الجيولوجية والبيئية والمناخية ومن الناحية الجغرافية. هذه المناطق تمثل ما يقرب من 25 في المائة، من الأراضي الوطنية.

وهذه المناطق تهم عددا من الجهات من بينها جهتي مراكش الحوز وسوس ماسة اللتين مسهما زلزال 8 شتنبر 2023 العنيف، والذي أدى إلى مجموعة من الخسائر البشرية والمادية، مع العلم أن جبال جهة مراكش تمثل 6 في المائة من سلسلة الجبال وطنيا، كما أن ساكنة هذه الجبال تمثل 17.5 في المائة من الساكنة الجبلية وطنيا، أما جهة سوس ماسة فتمثل جبالها 14 في المائة من سلسلة الجبال وطنيا، وساكنة جبالها تمثل 25 في المائة من ساكنة الجهة ككل، ومساحتها ما يقارب 60 في المائة من مساحة الجهة..

صدقا، الاهتمام بالمناطق الجبلية تأخر بشكل كبير، وأول اهتمام برز عند إنشاء صندوق التنمية القروية، بموجب قانون 2012، الاهتمام سيزيد بعد إطلاق البرنامج تحت القيادة الملكية، من أجل تقليص الفوارق الترابية والمجالية والاجتماعية في العالم القروي، سنة 2015، وهذا البرنامج يعد خطوة أولى، تؤكد الاعتراف بخصوصية هذه المناطق الجبلية. ولايجب أن ننسى أن الضوء سيسلط بطريقة علمية على هذه المناطق بعد أن أعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقريرا بعنوان "التنمية القروية في المناطق الجبلية" سنة 2019. وحسب هذا التقرير، فقد بين أن هذه المناطق تعاني من مجموعة من الإكراهات، رغم غناها بالعديد من الموارد الطبيعية والتراثية والتنموية، لكنها تقبع في الهشاشة والفقر والهدر المدرسي، وهذا راجع إلى النقص الكبير في البنيات التحتية من طرق وخدمات عمومية في المستوى المطلوب لتطلعات الساكنة. لهذا فالزلزال المدمر يعد فرصة لتسريع عجلة التنمية بسن سياسات عمومية يكون الجبل في قلبها وضمن دائرة اهتمامها، حتى تلعب هذه المناطق دورها التنموي.

 

- كيف تتصور إعادة الإعمار في المناطق التي ضربها الزلزال، حفاظا أولا على سلامة وأمن الساكنة في منطقة زلزالية؟ وفي نفس الوقت احترام العمران الجبلي؟

إن عملية إعادة الإعمار في مناطق الزلزال وخصوصا الحوز، ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار، عاملا أساسيا وهو تصنيف هذه المنطقة ضمن الأراضي الزلزالية، وبالتالي فإرساء البنيات العمرانية يجب أن تكون مقاومة للزلازل، وبالتالي فالعملية هي تقنية محضة، وهي كذلك عملية ثقافية، لأن إعادة إعمار هذه المناطق الجبلية ينبغي أن تحترم الموروث الثقافي والتاريخي، فهو رأسمال لا مادي، لاينبغي التفريط فيه أو تذويبه في وحدات سكنية للإيواء.

 

-ما الذي يضمن تنزيلا إيجابيا للقرارات الملكية بشأن إعادة إعمار المناطق المتضررة وتعويض المتضررين؟

كل عملية لإعادة الإعمار ينبغي أن تكون مرتكزة ارتكازا قويا على الجدية كما ورد في الخطاب الملكي الأخير لذكرى عيد العرش. هذه الجدية هي مقرونة بمسؤولية التنزيل الذي يروم تحسين المعيش اليومي للساكنة، ويروم كذلك خلق دينامية تنموية جديدة ومستعجلة، في إطار الرؤية الملكية الطموحة وفي إطار تنزيل النموذج التنموي الذي أطلقه المغرب سنة 2021، والذي يهدف إلى تقليص الفوارق المجالية وكذلك جعل ساكنة المناطق الجبلية، تستفيد من عائدات النمو الاقتصادي الشامل.

 

هل سيكون الإعمار في المناطق التي ضربها الحوز، شكلا من أشكال جبر الضرر؟

أعتقد أن إعمار المناطق التي ضربها الزلزال خصوصا في الحوز، سيشكل لا محالة شكلا من اشكال جبر الضرر، وهو ما ينبغي أن يمر عبر تأهيل هذه المناطق ببنيات تحتية ضرورية وتوفير خدمات عمومية صحية وتعليمية وثقافية واجتماعية، عن طريق إطلاق برامج تنموية ستعود بالنفع على الساكنة، وستمكن من تنمية النشاط الاقتصادي، وتحقيق إدماج لهذه الساكنة وخصوصا الفئة الشابة.

زلزال الحوز، هو فرصة كذلك لإعادة الاعتبار للمناطق الجبلية ككل بالمغرب، بما تشكله من نصف مساحة جهات المملكة المغربية، وهنا وجب التنويه إلى وجود مبادرات ومرافعات لمجموعة من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، من أجل إخراج تشريع خاص بالجبل وقضاياه، آخرها اليوم الدراسي الذي احتضنه مجلس النواب في يونيو 2023، من أجل سن سياسات عمومية مندمجة وهادفة، تجعل الجبل في قلب التنمية، من أجل جبر الضرر وتخفيف المعاناة عن الساكنة. وهنا لابد من العودة لتوصيات هذا اليوم الدراسي ليكون نبراسا لواضعي السياسات العمومية، فمشكل المناطق الجبلية، ليس مشكل ضعف الموارد، بقدر ما هو تأخر جهود التنمية بها، بالمقارنة بما وظف من استثمارات وتجهيزات في المجالات المحظوظة طبيعيا. لذا وجب سن سياسة خاصة بتنمية الكتل الجبلية تتجلى في دعم الاقتصاد الجبلي عبر مجموعة من القوانين الخاصة تهم التجهيزات الأساسية وقطاع الإنتاج الفلاحي والصناعي والسياحي والمجال البيئي. وهذا لن يتأتى إلا بتدعيم الدولة لمشروع التنمية عن طريق الاستثمار المكلف في مجالا لا يقبل عليه الرأسمال الخاص تبعا لمنطق الربح عند هذا الأخير.

 

في نظرك، ما الذي تمثله المناطق الجبلية في المجال التنموي؟

المناطق الجبلية تتوفر على إمكانات مهمة فيما يخص تنمية الأنشطة الاقتصادية، فالجبل يمثل مجالا كبيرا من أجل دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد الوطني. فالمناطق الجبلية حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تتوفر على العديد من الموارد الطبيعية وهو منبع الماء، وغيرها من المعادن، رصاص ونحاس وكوبالت إلى غير ذلك. وهذه موارد طبيعية ينبغي استثمارها بطريقة تعود بالنفع على الساكنة الجبلية بطريقة مستدامة، وتصب في الإدماج الاقتصادي والاجتماعي، وجعل هذه المناطق بوابة من أجل تقليص الفوارق المجالية التي يعاني منها المغرب، منذ زمن طويل.

 

-إلى متى سيظل معظم سكان الجبل يعيشون تهميشا على عدد من المستويات، وعزلة على المستوى الجغرافي، خصوصا وأن الطرق تشكل شرايين أي بلد، لكن زلزال الحوز عرى عن بنية طرقية مهترئة؟

هذا الزلزال الفاجعة، هو فرصة من أجل العمل على فك العزلة عن هذه المناطق، جغرافيا، خصوصا عن طريق تأهيل هذه المناطق بالطرق والقناطر لتلحيم المغرب شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وربطها بالحواضر القريبة منها، وبالتالي ستمكن ساكنة الجبل من الاستفادة من الخدمات المحلية والإقليمية والجهوية وكذا الوطنية، وهو ما من شأنه تقليص الهدر المدرسي ورفع سن الحياة، وجعلها منخرطة في المسار التنموي في أفق سنة 2035.