شدد محمد رشيد المحفوظي، مهندس معماري رئيس من الدرجة الممتازة ومدير المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بوجدة سابقا،على ضرورة إيواء منكوبي زلزال الحوز في ظروف تحفظ كرامتهم مع اقتراب فصل الشتاء في انتظار التفكير في حلول وفي بناءات وفي تصاميم تحترم خصوصيات الأقاليم المنكوبة: ثقافية وعمرانيا، مع إضافة خصوصية مقاومة الزلازل، وهنا يكمن دور اللجنة الوطنية التي تشكلت لتدبير هذه الأزمة.
وأشار المحفوظي في حوار مع "أنفاس بريس"، بأن دور المهندسين والمتخصصين هو الإبداع فيما يتعلق بمسائل الصرف الصحي والفضاءات المائية والمراحيض، إلى جانب أهمية توفير اصطبلات وخممة لتربية المواشي والدواجن وفضاءات للزراعة، استحضارا للخصوصيات الثقافية والعمرانية للمنطقة كما جاء في بلاغ الديوان الملكي.
يكتسي موضوع إعادة الاعمار بالحوز أهمية استعجالية خاصة مع قرب فصل الشتاء؛ فكيف تنظر للموضوع من زاويتك كمهندس معماري؟
لابد من الإشارة أولا أن كل ما سأدلي به كوجهة نظر تخصني كمهندس معماري، ولا أريد هنا استباق ما يتم الاشتغال عليه في إطار اللجنة الوطنية لهذه الأزمة والتي تضم كل القطاعات المهتمة بالموضوع، وتجتمع في كل حين للنظر في الموضوع، أما فيما يخص الطابع الاستعجالي لإيواء المنكوبين مع قرب فصل الشتاء، فلا يغيب علينا أن ساكنة هذه المناطق اعتادوا على الظروف المناخية والطبيعية الصعبة خلافا لسكان الحواضر، ولذلك لا يمكن الحديث عن تهميش لهذه الظروف، علما أن السكن والاستقرار يكون في جميع المواقع، فهو يكون في الحواضر كما يكون في البوادي، ويكون في الصحراء كما يكون في الجبل، ويكون في الهضاب كما يكون في الوديان، ولا ينبغي النظر لهذا الأمر باعتباره مسألة سلبية، وقد عرفنا في هذا الظرف الصعب قيمة التآزر والتكافل بين المغاربة، ولا ينبغي أن ننسى أن للمنكوبين أهل وأحباب قادرين على إيوائهم ومساعدتهم إلى حين مرور هذه المحنة، ولذلك لا خوف على هؤلاء لا من فصل الشتاء ولا من فصل الخريف، فالمغاربة بطبعهم كرماء وخصوصا في المحن، وكل هذا لا يمنع من اشتغال الخلية المعنية بموضوع إيواء المنكوبين، ولنأخذ على سبيل المثال الخيام والتي لا يمكن النظر إليها بنظرة سلبية، ففي الصحراء والنجود العليا يقطن الرحل في الخيام، وللخيام أنماط بناء خاصة، وهي تحتضنهم بكل دفء في كل الظروف المناخية، ولذلك لا ينبغي تبخيس المجهودات التي تبذل من أجل توفير الإعمار المؤقت للمنكوبين، في انتظار بناء منازلهم في إطار إعادة الإعمار وإعادة هيكلة كل هذه المناطق والأقاليم، ولذلك باعتباري كمهندس معماري أرى أن ما تم طرحه من حلول من طرف السلطات العمومية يسير في الطريق الصحيح، واذا توفرت حلول أخرى من قبيل توفير دولة قطر لكل المرافق التي سبق أن خصصتها أثناء استضافتها لكأس العالم، فيمكن استغلالها في أماكن معينة لإيواء الأسر المنكوبة في انتظار بناء منازلهم في إطار الدعم الذي خصصته الدولة.
ماذا تقترحون كمهندسين لإيواء المنكوبين في انتظار بناء المنازل والبنى التحتية في المنطقة ؟
أكيد أنه يجب إيواء المنكوبين في ظروف تحفظ كرامتهم، من خلال سقف يأويهم، وفراش يغطيهم، وأكل يعتق رمق جوعهم وتوفير المرافق الصحية للتنظيف والغسل وقضاء حاجياتهم الطبيعية. الخيام حل ممكن، ولا يمكن أن تنقص فائدتها في هذا الظرف، ويمكن أن تكون هناك حلول أخرى مثل بناء منازل خشبية أو بناء مؤقت في انتظار التفكير في حلول وفي بناءات وفي تصاميم تحترم خصوصياتهم الثقافية والعمرانية..
ماذا عن نوع البنايات التي يمكن أن تعتمد في المنطقة استحضارا لخصوصياتها الثقافية والعمرانية كما ورد في بلاغ الديوان الملكي ؟
كما أشرت فبلاغ الديوان الملكي كان صريحا وواضحا، حيث يجب الأخذ بعين الاعتبار احتياجات السكان في هذه المناطق وخصوصياتهم الثقافية والعمرانية، ولا ننسى أن نمط البناء في هذه المناطق يتشكل في غالبيته من الطين والخشب والحجر والجبس والجير، وهي خصوصيات عمرانية لها جذور في تاريخ الهندسة المعمارية، ولذلك لا يمكن قبول بوصف البناء بالتراب بالدونية، بمبرر كونه أقل مقاومة لظروف الزلزال والرياح والأمطار، هناك خصوصيات عمرانية معروفة في الجبل والصحراء، في الهضاب والسهول، وعلى شواطئ البحر..فلكل منطقة خصوصياتها العمرانية، فساكنة هذه المناطق يبنون منازلهم وفقا لطرق معينة، وبدل أن نفرض عليهم طرق معينة في البناء يمكن أن نتعلم منهم تلك الخصوصيات العمرانية وطرق البناء..ولذلك لابد من الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والعمرانية مع إضافة خصوصية مقاومة الزلازل، وهنا يكمن دور اللجنة الوطنية التي تشكلت لتدبير هذه الأزمة، وإعطاء الفرصة للمتخصصين من مهندسين معماريين وطبوغرافيين ومن دراسات تقنية ومختبرات تحليل مواد البناء، واختصاصيين في البناء بالطرق التقليدية العمرانية المغربية المعروفة بغناها، حيث هناك دراسات حديثة أكدت بأن مقاومة الزلازل يمكن أن تكون من خلال بناءات بمواد طينية ومواد صخرية ومادة الخشب والتي تمنحها نفس المقومات التقنية لمقاومة الزلازل والرياح والثلوج والشتاء ودور المتخصصين هو الإبداع فيما يتعلق بمسائل الصرف الصحي والفضاءات المائية والمراحيض، فهنا تكمن عبقرية المهندس المقترح لهذه التصاميم، ولا ننسى أن ساكنة هذه المناطق كانت تعيش بمعزل عن العالم في غياب طرق وبعد المرافق الخ، مكتفية بما تنتجه من خضر وفواكه ولحوم وحليب وبيض..ولذلك ينبغي البحث مع الساكنة أهمية توفير اصطبلات وخممة لتربية مواشيهم ودواجنهم وفضاءات لزراعة الخضر وأشجار الفاكهة، وأعتقد أن بلاغ الديوان الملكي ركز على أهمية استحضار الخصوصيات الثقافية والعمرانية للمنطقة، ولذلك لا ينبغي إسقاط نمط عيش ساكنة المدن على هؤلاء فهؤلاء يودون العيش في إطار نمط الجبال الذي عاشوه لقرون طويلة..
هناك من يرى بأن المبالغ المرصودة لإعادة بناء المنازل المهدمة غير كافية واذا استحضرنا واقع الهشاشة في المنطقة وحاجة الساكنة لبناء مساكن تستجيب لأنشطتهم الفلاحية كيف يمكن في نظرك إيجاد حل تشاركي يستحضر ما طرحناه ؟
ينبغي استحضار معطى أن البناء اذا تم بالمواد المتعارف عليها محليا والتي تحترم الخصوصيات الثقافية والمعمارية والعمرانية للمناطق المتضررة كما ذكرنا سابقا، أظن أن مبلغ 140 ألف درهم لبناء المنازل المهدمة قد يكفي وزيادة اذا كان هناك تفكير وذكاء جماعي، لا من طرف المهندسين المصممين والمهندسين الطبوغرافيين ولا من طرف مكاتب الدراسات. من الضروري الاشتغال على هذه المشاريع في إطار لجان مركبة وفي إطار ذكاء جماعي. لابد أن تكون المساحات مراعية لكرامة الإنسان وضمان حضور التهوية وبقوة، واستعمال المواد الأولية البسيطة والبسيطة جدا في البناء، فساكنة هذه المناطق يمكن أن نطلق عليهم لقب " بيئيين " لكونهم يحترمون البيئة لدرجة كبيرة، فمواد البناء تستخرج من عين المكان وتوظف في بناءاتهم، فبناء جدار بالتراب ممزوج بالتبن بالنسبة لهم يعد كاف فليس من الضروري بالنسبة لهم طلاء هذه الجدران بالصباغة أو " العنبرة " أو وضع الزليج أو الرخام، والدراسات تشير أن البناء بالطين يمكن أن يكون أرخص من البناء بالمواد الكلاسيكية بنسبة 40 في المائة، ولذلك يمكن أن يستعمل الطين مع إدخال الدراسات الخاصة والأعراف التقنية المتعلقة بمقاومة الزلازل والكوارث الطبيعية..
من المعلوم أن المناطق الجبلية عموما تعد بؤرة للزلازل والفيضانات والانهيارات الطينية..فكيف يمكن في نظرك رد الدين لساكنة المناطق وإدخالهم في رادار التنمية ؟
أعتقد أن الحل يكمن في الحلول التقنية للبناء المقاوم للزلازل، ثانيا هناك إشكالات قانونية فيما يتعلق بقانون البناء في الجبل والتي ينبغي تسليط الضوء عليها وإيجاد الحلول المناسبة، مثلا في المناطق القروية حيث يمنع البناء في قطعة أرضية تقل مساحتها عن هكتار، وهو أمر غير معقول، فهناك مواطنون يمتلكون فقط 30 - 40 متر، فما هو الحل في هذه الحالة ؟ أعتقد أن منع مثل هؤلاء من البناء سيدفعهم إلى الهجرة أو البناء بطريقة عشوائية. الآن صدرت دورية لوزارة الداخلية ووزارة الإسكان منحت بموجبها تسهيلات تمنح الحق للمواطنين الذي يمتلكون أقل من هكتار في العالم القروي بالبناء مع ضرورة تدخل لجان لإعطاء رأيها في الموضوع، وهذا جانب قانوني ينبغي إيلاءه الاهتمام الكافي لتجاوز الإشكالات المطروحة، وفي رأيي فالمناطق الجبلية القريبة من مراكش لم يسبق لها أن عاشت التهميش، بل بالعكس إنها كانت تستقطب الزوار، ويمكن القول إنها كانت غير منظمة باحتراز، ولكن كان لها وقعها، حيث كان الزوار يأتون من أجل الإقامة بمراكش من أجل زيارة المناطق الجبلية القريبة منها، والسؤال المطروح اليوم هو كيفية إعادة الإشعاع لهذه الأقاليم المجاورة لمراكش، علما أن السياح يحبون هذه البساطة لكونهم ملوا من كل ما له علاقة بالفخامة والثراء، وهم يبحثون عن مثل هذه المناطق، وبهذه المناسبة لابد من الاعتراف بالمجهودات التي تقوم بها وزارة التجهيز والنقل والماء والتي قامت بمجهود جبار لفتح الطرق والمسالك التي تضررت نتيجة زلزال الحوز، حيث شهدنا انهيار جبال بأكملها على الطرقات، وكان من الضروري تفتيت هذه الصخور وإزالتها، وبهذه المناسبة أود أن أوجه شكري لكل من ساهم في فتح هذه الطرق من شركات للأشغال العمومية ومقاولات عامة وخاصة، ووزارات وإدارات..
وفي الأخير، أعتقد وكما جاء في بلاغ الديوان الملكي وفي استراتيجية الحكومة تحت إشراف الملك محمد السادس، أن هذه المناطق سيصبح لها إشعاع آخر، كما أنها ستكتسي نفس القيمة السياحية التي تتمتع بها مراكش وغيرها من المدن .
وشخصيا لا أخاف على وطني من هذه الأزمة التي تم علاجها بطريقة سريعة جدا، ولكن يجب التركيز فيما سيأتي على النزاهة من أول فكرة لإنجاز التصاميم إلى البناء في أرض الواقع، من طرف جميع المتدخلين في إطار اللجنة الوطنية للأزمة. يجب أن يتحلى الجميع بالنزاهة والنجاعة والتفكير في المصلحة العامة، لأن هذا القدر من الأموال التي رصدت من أجل رد الاعتبار لهذه الأقاليم التي تم تعيينها إسميا في بلاغ الديوان الملكي، يشير بأن هذه المناطق تستحق منا كل الجهد وكل النزاهة والنجاعة والسرعة في الإنجاز.
وفي الأخير، أعتقد وكما جاء في بلاغ الديوان الملكي وفي استراتيجية الحكومة تحت إشراف الملك محمد السادس، أن هذه المناطق سيصبح لها إشعاع آخر، كما أنها ستكتسي نفس القيمة السياحية التي تتمتع بها مراكش وغيرها من المدن .
وشخصيا لا أخاف على وطني من هذه الأزمة التي تم علاجها بطريقة سريعة جدا، ولكن يجب التركيز فيما سيأتي على النزاهة من أول فكرة لإنجاز التصاميم إلى البناء في أرض الواقع، من طرف جميع المتدخلين في إطار اللجنة الوطنية للأزمة. يجب أن يتحلى الجميع بالنزاهة والنجاعة والتفكير في المصلحة العامة، لأن هذا القدر من الأموال التي رصدت من أجل رد الاعتبار لهذه الأقاليم التي تم تعيينها إسميا في بلاغ الديوان الملكي، يشير بأن هذه المناطق تستحق منا كل الجهد وكل النزاهة والنجاعة والسرعة في الإنجاز.