سواء اعترفنا بذلك أم لا، فنحن أمام سياسة ماضوية لم نقطع معها بعد، سياسة البحث عن بطل شعبي وتنصيبه كرمز، البطل الشعبي في مجتمعاتنا القديمة يُبعث من داخل الملاحم، يرفعه القوم، يقدمون له الولاء، ويتغنون به الى ماشاء الله.
هو نفس ما يحدث اليوم، حصلت كارثة، تبعتها ملحمة شعبية تضامنية، من داخل هذه الملحمة بحث الناس عن رمز يمثلهم عن بطل يتباهون به، وهذا لا يحدث عبثا، فالبحث عن البطل الشعبي وسط هذه الظروف هو انتقام في اللاوعي من الدولة وتدابيرها، هو قتل للأب بمفهومه الرمزي، والأب هنا هو الدولة، فهناك عقد مبرم يربط الشعب بدولته، لم تُحترم بنوده فولّد السخط، سخط مكبوت في ظل الأزمة، انفجر نفسيا واجتماعيا وشعبيا في رسم صورة مقدسة لبطل ما يقوم مقام الأب/ الدولة، بل حتى الملك اعتُبر بطلا شعبيا وتحركه جعل الناس تفصله وتعزله عن الدولة، راضون عن سياسة الملك لكن ليس عن سياسة الدولة.
هذا ما نسمعه ونلمسه دائما، الملك حاضر والدولة غائبة، ميلاد البطل عشنا مراحله وآخر الأبطال "ميمي" التي اقترن اسمها بالعمل الخيري رغم أن الآلاف تبرعوا، لكنها كانت أكثر قربا منا نحن الشعب، وهذا التتويج ساهمت فيه عدة عناصر منها - سواء كرهنا أو قبلنا - بروباغندا كانت عفوية لتتحول من بعد إلى مخطط مدروس شاركنا فيه كلنا وهذا ليس عيبا، مادامت النية صافية.
كلنا خططنا عن قصد لقتل الدولة المهملة داخلنا، لنفترض أن الدولة قامت بما يلزم من قبل حدوث الكارثة بتنفيذ مخططات قوية وناجعة في التنمية القروية والعدالة الاجتماعية...الخ، وما بعد الكارثة من تدخل سريع من أول لحظة، وتوفير كل ما يلزم للتغلب على الفاجعة، لَبقي الشعب مجرد عنصر ملاحظ، أو عنصر مساعد من بعيد في أسوأ الحالات، ولن يحتاج إلى قتل الأب مادام الأب يقوم بدوره ويتحمل مسؤوليته كاملة، تراجع الدولة فتح المجال للتضامن الشعبي وبالتالي للبحث عن رمز يمثل هذا التضامن وبطل يقوده ولو بشكل رمزي.