الأحد 6 أكتوبر 2024
في الصميم

يا أثرياء المغرب.. زلزال الحوز فرصة لتطهير ثروتكم!

يا أثرياء المغرب.. زلزال الحوز فرصة لتطهير ثروتكم! عبد الرحيم أريري
"إن بريطانيا بخير مادام قضاؤها بخير"، هذه القولة مأثورة عن الزعيم البريطاني وینستون تشرشل وهو يجيب عن قلق مستشاريه الذين اشتكوا له من سوء الحالة بالبلاد بعد الحرب العالمية الثانية.

تأسيسا على هذا المثال البريطاني يمكن أن نصوغ المقولة التالية: «إن المغرب بإمكانه أن يكون بخير لو كان كبار أثريائه يفعلون الخير». والخير هنا لا نقصد به شراء محفظة بـ 60 درهما وتوزيعها على تلميذة قروية أثناء الدخول المدرسي وتعبئة المنتخبين والإدارة الترابية وكاميرا التلفزة لنقل «الحدث الخيري»، بل نقصد بالخير الاقتداء بنموذج الملياردير اللبناني الراحل رفيق الحريري.

فلبنان ليست مدينة لرفيق الحريري إلا بالدم وبالتراث المشترك الذي يتقاسمه مع أبناء بلده. وباستثناء ذلك، فهو مجرد شاب ينحدر من أسرة فلاحية متواضعة. هاجر لبنان عام 1965 وهو ابن 21 سنة مدرسا بالسعودية، ثم محاسبا بشركة، قبل أن يلج حقل المال والأعمال مبتدئا بشركة صغيرة رعاها ونماها، إلى أن أصبح اسمه ضمن قائمة المائة مليارديرا في العالم.

ثروة رفيق الحريري لم يتم بناؤها بالاعتماد على ولاءات للحكام بلبنان، أو الاستفادة من إعفاء ضريبي للحصول على أراضي أو قروض أبناك لبنان بشروط ميسرة أو بدون أن يسددها حتى. وبالتالي، لم تكن أمام دولة لبنان حجة لمطالبة الحريري بأن يوظف ثروته وأمواله لإعادة إعمار ما دمرته 15 سنة من الحرب الأهلية، وإعادة بناء ما دكته سنوات من التخريب الإسرائيلي لكل البنى التحتية بلبنان.

وأقصى ما كان للبنان أن يطالب به الحريري هو أن يستثمر ثروته حسب منطق الربح والخسارة. إلا أن الحريري الذي نسج إمبراطورية مالية، من زيمبابوي إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرورا بفرنسا وكندا والسعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية، تزن قوتها مليارات دولار، كان يطمح إلى الإمساك بإمبراطورية أهم، ألا وهي قلوب اللبنانيين واللبنانيات، فحول جزءا من ثروته لإنشاء «مؤسسة الحريري للثقافة والتعليم العالي» عام 1979 التي تحملت نفقات تعليم 33 ألف طالب جامعي داخل الجامعات اللبنانية والجامعات الأمريكية والفرنسية والبريطانية، إيمانا منه بأن أحسن هدية لبلده هي تعزيزه بخيرة الأطر والكفاءات. موازاة مع ذلك، ضخ الحريري الملايير من ماله الخاص لبناء المستشفيات والمدارس والجامعات والملاعب. إذ كلما دكت إسرائيل مرفقا إلا وأعاد هو بناءه، وكلما سقطت قذائف الميليشيات المتحاربة أثناء الحرب الأهلية وملأت الشوارع بالأتربة والركام، إلا وسخر جرافاته لتحرير الطرقات.

ولما انتهت الحرب الأهلية بموجب اتفاق الطائف عام 1989 وعودة الهدوء النسبي ابتداء من عام 1990، كانت لبنان مجرد خراب ودمار وهجرت الرساميل وهجر السياح لبنان، وطوقت العزلة مختلف المدن اللبنانية، وانهارت العملة الوطنية، وارتفع التضخم إلى أعلى مستوياته. وبما أن خزائن لبنان لم تكن تحوي أي دولار، بادر الحريري إلى إلباس شركاته ثوب لبنان، وأصبحت البلاد تمد يدها إلى ودائعه وحساباته الشخصية بالأبناك الدولية، خاصة أن مشروع صندوق النقد الدولي لإعادة إعمار لبنان الذي وضع بالتزامن مع اتفاق الطائف، ولد ميتا بعد اندلاع حرب الخليج الأولى.

الحريري لم يسخر ثروته لبناء بلده، بل سخر ذكاءه لتحويل مالكي البنايات المهدمة إلى شركاء في شركات وتأطيرهم بالخبراء لمرافقتهم في إعادة تأهيل بناياتهم بدون أن يكلف ذلك الدولة مليما واحدا.

وفي ظرف عشرة أعوام تقريبا، استعادت بيروت حيويتها كسوق مالى فى الشرق الأوسط، واستقطبت مليوني سائح تقريبا في عام 2004، وتم شق الطرق والأنفاق وتمديد الكهرباء والماء الشروب والمواصلات السلكية. وكلما نفذ حساب بنكي شخصي للحريري، التجأ إلى توظيف صداقاته الدولية لحمل الشركات والمؤسسات العالمية على الاستثمار في لبنان. وكان وراء مؤتمر باريز 1 (فبراير) (2001) ومؤتمر باريز 2 نونبر (2002)، لحشد الدعم من الدول المانحة.

الحريري، الذي كان يحلم بأن يملك قلوب اللبنانيين من خلال تدخلاته الخيرية والإنسانية (وقد تأتى له ذلك)، تمكن من تملك قلب المنتظم الدولى حينما منحته الأمم المتحدة في شتنبر 2004 جائزة الإسكان تقديرا  لدوره في إعادة إعمار لبنان، وهي أعلى جائزة تمنحها الأمم المتحدة، اعترافا ببصماته في بعث الروح في بيروت.

وماذا عن المغرب؟
كم من ثري مغربي وظف ثروته لإعادة بناء مدن المغرب؟ كم من ثري مغربي سخر ماله لشق الطرق وبناء الأنفاق؟ كم من ثري مغربي بنى جامعة؟ كم من ثري مغربي أزاح حيا صفيحيا؟ كم من ثري مغربي بنى منتزها أو ساحة عمومية راقية؟ كم من ثري مغربي أقنع أصدقاءه رجال الأعمال الأجانب بالمجيء إلى المغرب للاستثمار فيه؟ كم من ثري مغربي قام ببناء مطار أو سد أو كورنيش؟ الحريري لم يأخذ من دولة لبنان ليرة واحدة، وأعطاها الملايير، بينما المغرب أعطى الكثير للعديد من الأثرياء المغاربة (قوانين الاستثمار، الأراضي المسترجعة، حماية الدولة، صياغة نصوص لصالحهم، احتكار السلع والخدمات، إعفاء ضريبي، قروض لم يرجعوها للأبناك الخ…)، دون أن يردوا نصف ما أخذوه.

فمراجعة بسيطة لسجل المؤسسات الإنسانية (Fondation) للأثرياء المغاربة المودعة لدى الأمانة العامة للحكومة، تكشف أن معظمها ذات حضور باهت، وأن خلقها كان بدافع التسويق الإعلامي والاستهلاك المجاني لا يتعدى توزيع بضعة خرفان في عيد الأضحى أو بضع نظارات طبية تمنح لهذه المدرسة أو تلك. هذه الأعمال، التي لا نقلل من شأنها، لا ترقى إلى مصاف ما فعله رفيق الحريري في لبنان الذي حصد كل الألقاب: منقذ لبنان، خوفو لبنان (نسبة إلى خوفو باني الهرم الأكبر بمصر)، القوة المحركة لمشروع إعمار لبنان. ولم يكن ينقصه سوى لقب واحد، ألا وهو شهيد لبنان، وهو ما تأتى له بعد أن ذهب ضحية اغتيال آثم يوم 14 فبراير 2005.

فيا أثرياء المغرب، تسابقوا فيما بينكم لحصد الألقاب ولتملك قلوب المغاربة، ولتكن لكم في الحريري قدوة وعبرة!
یا أثرياء المغرب، زوروا أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة، وأشهدوا الله والعالم أنكم ستتكفلون بإعادة إعمار ما دمره زلزال الحوز، ولو بتحمل كلفة إعادة إيواء 30 ألف أسرة دمرت منازلها بالكامل، علما أن الكلفة لن تتجاوز 500 مليون درهم؛ أي بمعدل 25 مليون درهم كمساهمة لكل ملياردير مغربي، إذا حصرنا العدد فقط في 20 ملياردير على أساس أن يتكلف كل ملياردير بحوالي 170 أو 180 أسرة.

فيا أثرياء المغرب، اقتفوا خطوات الحريري، عسى أن تفوزوا بلقب «خوفو المغرب» ولقب «أحباب المغرب»!