الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

سفيان الحتاش: طوفان الانقلابات ضد الأنظمة الفرنسية في إفريقيا

سفيان الحتاش: طوفان الانقلابات ضد الأنظمة الفرنسية في إفريقيا سفيان الحتاش
لم تستيقظ فرنسا بعد من وقع اللطمة التي سددها لها انقلابيو النيجر، الذين قطعوا يد فرنسا عن اليورانيوم النيجري، حتى وجه انقلابيو الغابون لطمة مماثلة لفرنسا فقطعوا يدها عن المنغنيز الغابوني، فلم تمر ساعات على الانقلاب هناك حتى أعلنت شركة التعدين الفرنسية العملاقة "إراميت"، اليوم الأربعاء30 غشت 2023، تعليق كافة عملياتها في الغابون.
ويرى المراقبون لتطورات القارة السمراء، لاسيما في غربها والساحل، أن هناك إرادة أخذت تتبلور في افريقيا، رافضة للنهب المنظم الذي تمارسه فرنسا في هذه القارة، وتمثلت هذه الإرادة في وقوع عدد من الانقلابات في غرب افريقيا، تشترك في هدف واحد وهو قطع يد فرنسا عن نهب ثروات هذه الدول، وكذلك قطع التبعية العمياء للسياسة الفرنسية، التي تعتبر امتدادا لسياسة المستعمر الفرنسي.
هناك من يرى أن الانقلابات، وإن كانت ضد الهيمنة الفرنسية على مقدرات القارة الإفريقية، إلا أنها أيضا، ضد الحكومات التي تنصبها فرنسا بطريقة مباشرة أو غير مباشر هناك، ومهمتها الوحيدة تنحصر في خدمة المصالح الفرنسية على حساب مصالح شعوبها، وهي حكومات جاءت بعد الاستقلال الشكلي عن فرنسا، التي ابقت على سيطرتها على الدول الإفريقية من خلال هذه الحكومات.
رغم انه من الصعب جدا الوثوق بالعسكر، في احداث تغييرات جذرية تصب في صالح الشعوب الإفريقية، إلا أن الهيمنة الفرنسية والغربية على الحكومات الإفريقية، لم تترك من مجال إلا لجيوش هذه القارة من التدخل، لإنهاء حكم شخصيات ينخرها الفساد، من أمثال بازوم في النيجر وبونغو في الغابون، وقبلهما في بوركينافاسو ومالي وغيرها من الدول الاخرى.
من الواضح ان عصر الهيمنة الفرنسية على دول الساحل قد قارب على النهاية، فهذا الجيش الفرنسي انتقل الى النيجر بعد ان تم طرده من مالي، نراه اليوم يبحث عن بلد آخر يأويه، وقد لا يجده، وعندها سيكون مضطرا ان يعود الى من حيث أتى إلى فرنسا.
عادة ما تقف الشعوب ضد الانقلابات العسكرية، إلا أن الذي شهدناه في النيجر والغابون، كان على العكس تماما، فهناك فرحة عمت الشعبين بعد الانقلابين، بسبب العداء والرفض الشعبي لفرنسا، في اوساط الشعوب الإفريقية فهذا الشعب الغابوني أعرب عن فرحة غامرة بالتخلص من حكم عائلة بونغو التي ظلت تحكم الغابون على مدى 56 عاما، في ظل تبعية مطلقة لفرنسا.
اليوم تقع على عاتق الجيوش الإفريقية، مهمة في غاية الخطورة تتمثل في الانحياز الى جانب شعوبها ومقاومة فساد السلطة، لإنهاء حقبة الاستعمار الفرنسي، الذي حول الشعوب الإفريقية، الى مشردين في قوارب الموت بحثا عن حياة كريمة، او تفتك بهم الأمراض والصراعات في أوطانهم، والتي تغذيها فرنسا والغرب.
اللافت ان الغرب وبدلا من أن يتعظ بهذه الانقلابات لتصحيح سياساته غير الإنسانية إزاء القارة السمراء، نراه يختبئ خلف أصبعه، وهو ما ظهر جليا في المقال الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، بعد انقلاب النيجر، حيث يعزو المقال سبب هذه الانقلابات إلى "عدم اهتمام أمريكا وأوروبا بتنمية الديمقراطية هناك، وترك المجال للصين وروسيا لدعم الأنظمة
الاستبدادية"!!.
من الواضح ان الديمقراطية التي يعنيها الغرب، هي تلك التي تحمي المصالح الغربية حصرا، والتنمية التي يعنيها الغرب، هي تنمية الدول الغربية، على حساب الدول الأخرى، وكل حركة تأتي خلاف هذه الرؤية، تُتهم من قبل الغرب على أنها نقيض من الديمقراطية والتنمية، كما يراهما الغرب، لذلك لا بد من مواجهتها والتصدي لها.