يشكل ملف إصلاح أنظمة التقاعد الفشل البنيوي للحكومات منذ أكثر من 30 سنة. تم فتح ملف الأنظمة التي يديرها الصندوق الوطني للتقاعد مع وصول عبدالرحمن اليوسفي إلى الوزارة الأولى. قدمت حكومته حلا "سهلا" وغير ذي أثر على مستقبل المعاشات المدنية حيث تم ضخ بعض الملايير في الصندوق وكفى. هذه المعاشات تهم موظفي الإدارات العمومية وكان تدبيرها موكل إلى مصلحة في مديرية الميزانية إلى غاية تحويل الصندوق إلى مؤسسة عمومية. ولا زال الموظفون القدامى يتذكرون أن ملفات تقاعدهم تدار من طرف مصلحة لها بعض المكاتب في إحدى العمارات بساحة الجولان بالقرب من أكبر كنيسة بالرباط. تم التدبير على مدى سنين طويلة دون فصل أموال التقاعد عن تمويلات الميزانية العامة. وياليت الأمور استمرت كما هو الأمر بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي بفرنسا. لو تم ترك أمر تدبير أموال التقاعد من طرف الخزينة العمومية لما طرح إشكال التقاعد و إدخاله إلى مرحلة ما قبل الإنعاش قبل إعلان إفلاسه.
الحكومات المتعاقبة ركعت لأوامر المؤسسات المالية الدولية وفصلت تدبير التقاعد المدني عن ميزانية الدولة. و كان ما كان من خلق لجان وطنية و موضوعاتية. مئات الاجتماعات ودراسات اكتوارية مكلفة وغياب على مر السنين للحكومات. النتيجة هو أن نظام المعاشات المدنية في طريقها المؤكد إلى مرحلة الإفلاس كما هي عليه مؤسسات الحماية الإجتماعية. الصندوق الوطني لهيئات الإحتياط الإجتماعي سيفلس بعد سنتين في غياب تام لحكومة " الدولة الإجتماعية ". الاحتياطات المالية لهذا الصندوق ، والذي يدبر بشكل جيد، ستنهار في غياب دور فاعل للوكالة الوطنية للتأمين الصحي وفي محدودية دور الوكالة المركزية للتأمين والإحتياط الإجتماعي (أكابس).
الحكومة ومؤسساتها تفضل الغياب في ظل هجوم كاسح لليبرالية متوحشة في مجال التأمين الصحي. وينعكس هذا التوحش في غلاء الولوج إلى العلاج وممارسات شيك الضمان المحرم قانونا بالإضافة إلى "النوار" أي الدفع نقدا دون إيصال. الأمر كذلك يتعلق بغلاء الأدوية والمستلزمات الطبية.
توجد حملة مدبرة تحمل شعارات إصلاح أنظمة التقاعد والتغطية الإجتماعية، ولكنها تستهدف كل مؤسسات الحماية والتعاضد الإجتماعي التضامني. كل دعاة الليبرالية يريدون القضاء على أنظمة التقاعد والإحتياط الإجتماعي لكي تلتقي مصالحهم مع شركات التأمين على الطريقة الأمريكية. هل سننتظر الطوفان الإجتماعي وترك ملايين المغاربة بدون تقاعد ولا تغطية صحية مع تبعات لا قدرة للوطن على تحملها. الدولة هي السبب في تدهور التوازنات المالية لصناديق الإحتياط الإجتماعي وهي الملاذ الأخير لعدم الوصول إلى مرحلة الانهيار التام للمنظومة التي صنعتها منذ الاستقلال.
تقارير بنك المغرب والمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي وكافة النقابات تبين خطورة الوضعية. وللتذكير، فقد شكلت أموال العمال والمستخدمين والموظفين المصدر الأهم لتمويل الإقتصاد. أغلب هذه الأموال كانت في خدمة برامج صندوق الإيداع و التدبير وفي الاستجابة لحاجيات تمويل خزينة الدولة وكثير منها تم استخدامه لتمويل كثير من المشاريع القطاعية. وقد قدرت أموال الإحتياط الإجتماعي ذات المصدر المتعلق بأنظمة التقاعد والتغطية الصحية بحوالي 200 مليار درهم. وكان لقرارات الحكومات المتعاقبة اثارا سلبية على مردودية مؤسسات التغطية الإجتماعية المالية. تم وضع إطار لتوظيف أموال الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وللصندوق الوطني للتقاعد ولمؤسسات التغطية الصحية لم يمكنها من ربحية تصل إلى مستوى ربحية الأنظمة التي يديرها القطاع الخاص مثل الصندوق المهني المغربي للتقاعد الذي وصلت معدلات ربحيتها إلى أزيد من 10% حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات قبل سنوات.
لا يمكن أن نعزل الإصلاحات المقياسية المتعلقة بسن التقاعد و مستوى دخل المتقاعد مستقبلا ومستوى الاقتطاعات عن الإصلاح المنتظر منذ أكثر من ثلاثين عاما. و لكن كل إصلاح لا يدمج المجهود الحكومي في التمويل لا يمكن أن يفضي إلى أي حل واقعي. الغلطة الأولى والتي تسببت في ما وصلنا إليه مصدرها حكومي. و الحل يوجد بين يدي حكومة يجب أن تتحلى بالصدق وهي التي لا زالت ترفع شعار الدولة الإجتماعية. ولزيادة الايضاح، وجب تذكير الحكومة أن مبالغ دعم الطبقات العليا كبيرة جدا وتفوق ما يخصص لذوي الدخل المحدود. منح للاستهلاكيات الفلاحية وتسهيلات ضريبية. تمويلات لمقاولات صناعية دون محاسبة. منح للمستثمرين الكبار في غياب آليات للتتبع و التقييم والأكثر من هذا ضعف كبير في مواجهة التهرب الضريبي ومراقبة استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية والمحروقات. وتأتي وزيرة الاقتصاد و المالية للكلام عن التوازنات المالية لمؤسسات التقاعد و التعاضد والتأمين الإجباري عن المرض دون أن توضح أي إلتزام حكومي لانقاد المستفيدين من الشبكة الإجتماعية.
لكل ما سبق، يجب أن تتحلى كل آليات الحكامة، بما في ذلك بنك المغرب، بالصراحة اللازمة لتكييف الوقائع بشكل علمي. يعلم السيد والي بنك كم تحملت الدولة من ملايير لتنقذ مقاولات كبرى في مجال العقار. ويعلم جيدا أن المؤسسة التي يسيرها تدافع عن المقاولات في مواجهة الضرائب لتسهيل عمليات تكوين الاحتياطيات في مواجهة اخطار محتملة ولا علاقة لها بالواقع. وتعلم مؤسسة بنك المغرب أن العدالة الإجتماعية المرغوب فيها لا تتناسب مع الهدايا الضريبية و التمويلية الموجهة لفئات محدودة العدد والعدة. وهذا ما يدفع إلى تقييم حقيقي وموضوعي لما تتطلبه عملية حماية التوازنات المالية لمؤسسات التأمين الإجباري و صناديق التقاعد بالمقارنة على ما يحصل عليه الصنف الأعلى من القطاع الخاص. الأمر يتعلق بالنفقات الجبائية ومنح الإستثمار وصناديق الدعم التي تسكن الكثير من الحسابات الخصوصية للخزينة وما يستفيد منه هذا القطاع في القطاع غير المهيكل. العدالة الإجتماعية والمجالية مفهوم و ليس مجرد شعار ولذلك وجب وضع حساب لضبط استفادة الفئات الإجتماعية من المالية العمومية. سنتعرف على حقيقة الوضعية بعد وضع حد لاستفادة أقلية من صندوق المقاصة. وسيتبين أن التوازنات الإجتماعية أقل كلفة من دعم الطبقات المستفيدة في كل القطاعات. سيتبين أن أموال المقاصة تذهب بالأساس لمن لهم القدرة الشرائية الكبيرة. لذلك أصبح من اللازم أن نفكر في حماية المنظومة الإجتماعية بناء على القرار السياسي المسؤول وليس على خلاصات تقنية محضة. العجز المالي لا يجب وصفه بالتقني والاكتواريون لن يحلوا محل السياسيين. نعم هناك تغير بنيوي للهرم السكاني. نعم هناك تفاوتات كبيرة بين المستفيدين من التقاعد وأؤلئك الذين يشكلون السكان النشيطين الذي لا زالوا يشتغلون. والقرار السياسي هو الذي يغير الواقع وليس ذلك الذي يظل حبيس نظرة تقنية ضيقة. العبقرية السياسية هي التي غيرت وجه المغرب منذ ما يزيد عن عقدين. ولو وضع الأمر بين يدي التقنيين لما شيدنا الطرق السيارة والطرق الوطنية والثانوية والصغرى. كنا سنعتبر بناء ميناء طنجة المتوسط من سابع المستحيلات. قضية التوازنات المالية لمؤسسات الحماية الإجتماعية تتطلب رجال دولة وليس مجرد مسؤولين برتبة مهندس أو تقني. هؤلاء مكانهم الميدان وفعلهم إنجاز المشاريع والتزامهم الخضوع للمحاسبة.
الحكومات المتعاقبة ركعت لأوامر المؤسسات المالية الدولية وفصلت تدبير التقاعد المدني عن ميزانية الدولة. و كان ما كان من خلق لجان وطنية و موضوعاتية. مئات الاجتماعات ودراسات اكتوارية مكلفة وغياب على مر السنين للحكومات. النتيجة هو أن نظام المعاشات المدنية في طريقها المؤكد إلى مرحلة الإفلاس كما هي عليه مؤسسات الحماية الإجتماعية. الصندوق الوطني لهيئات الإحتياط الإجتماعي سيفلس بعد سنتين في غياب تام لحكومة " الدولة الإجتماعية ". الاحتياطات المالية لهذا الصندوق ، والذي يدبر بشكل جيد، ستنهار في غياب دور فاعل للوكالة الوطنية للتأمين الصحي وفي محدودية دور الوكالة المركزية للتأمين والإحتياط الإجتماعي (أكابس).
الحكومة ومؤسساتها تفضل الغياب في ظل هجوم كاسح لليبرالية متوحشة في مجال التأمين الصحي. وينعكس هذا التوحش في غلاء الولوج إلى العلاج وممارسات شيك الضمان المحرم قانونا بالإضافة إلى "النوار" أي الدفع نقدا دون إيصال. الأمر كذلك يتعلق بغلاء الأدوية والمستلزمات الطبية.
توجد حملة مدبرة تحمل شعارات إصلاح أنظمة التقاعد والتغطية الإجتماعية، ولكنها تستهدف كل مؤسسات الحماية والتعاضد الإجتماعي التضامني. كل دعاة الليبرالية يريدون القضاء على أنظمة التقاعد والإحتياط الإجتماعي لكي تلتقي مصالحهم مع شركات التأمين على الطريقة الأمريكية. هل سننتظر الطوفان الإجتماعي وترك ملايين المغاربة بدون تقاعد ولا تغطية صحية مع تبعات لا قدرة للوطن على تحملها. الدولة هي السبب في تدهور التوازنات المالية لصناديق الإحتياط الإجتماعي وهي الملاذ الأخير لعدم الوصول إلى مرحلة الانهيار التام للمنظومة التي صنعتها منذ الاستقلال.
تقارير بنك المغرب والمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي وكافة النقابات تبين خطورة الوضعية. وللتذكير، فقد شكلت أموال العمال والمستخدمين والموظفين المصدر الأهم لتمويل الإقتصاد. أغلب هذه الأموال كانت في خدمة برامج صندوق الإيداع و التدبير وفي الاستجابة لحاجيات تمويل خزينة الدولة وكثير منها تم استخدامه لتمويل كثير من المشاريع القطاعية. وقد قدرت أموال الإحتياط الإجتماعي ذات المصدر المتعلق بأنظمة التقاعد والتغطية الصحية بحوالي 200 مليار درهم. وكان لقرارات الحكومات المتعاقبة اثارا سلبية على مردودية مؤسسات التغطية الإجتماعية المالية. تم وضع إطار لتوظيف أموال الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وللصندوق الوطني للتقاعد ولمؤسسات التغطية الصحية لم يمكنها من ربحية تصل إلى مستوى ربحية الأنظمة التي يديرها القطاع الخاص مثل الصندوق المهني المغربي للتقاعد الذي وصلت معدلات ربحيتها إلى أزيد من 10% حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات قبل سنوات.
لا يمكن أن نعزل الإصلاحات المقياسية المتعلقة بسن التقاعد و مستوى دخل المتقاعد مستقبلا ومستوى الاقتطاعات عن الإصلاح المنتظر منذ أكثر من ثلاثين عاما. و لكن كل إصلاح لا يدمج المجهود الحكومي في التمويل لا يمكن أن يفضي إلى أي حل واقعي. الغلطة الأولى والتي تسببت في ما وصلنا إليه مصدرها حكومي. و الحل يوجد بين يدي حكومة يجب أن تتحلى بالصدق وهي التي لا زالت ترفع شعار الدولة الإجتماعية. ولزيادة الايضاح، وجب تذكير الحكومة أن مبالغ دعم الطبقات العليا كبيرة جدا وتفوق ما يخصص لذوي الدخل المحدود. منح للاستهلاكيات الفلاحية وتسهيلات ضريبية. تمويلات لمقاولات صناعية دون محاسبة. منح للمستثمرين الكبار في غياب آليات للتتبع و التقييم والأكثر من هذا ضعف كبير في مواجهة التهرب الضريبي ومراقبة استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية والمحروقات. وتأتي وزيرة الاقتصاد و المالية للكلام عن التوازنات المالية لمؤسسات التقاعد و التعاضد والتأمين الإجباري عن المرض دون أن توضح أي إلتزام حكومي لانقاد المستفيدين من الشبكة الإجتماعية.
لكل ما سبق، يجب أن تتحلى كل آليات الحكامة، بما في ذلك بنك المغرب، بالصراحة اللازمة لتكييف الوقائع بشكل علمي. يعلم السيد والي بنك كم تحملت الدولة من ملايير لتنقذ مقاولات كبرى في مجال العقار. ويعلم جيدا أن المؤسسة التي يسيرها تدافع عن المقاولات في مواجهة الضرائب لتسهيل عمليات تكوين الاحتياطيات في مواجهة اخطار محتملة ولا علاقة لها بالواقع. وتعلم مؤسسة بنك المغرب أن العدالة الإجتماعية المرغوب فيها لا تتناسب مع الهدايا الضريبية و التمويلية الموجهة لفئات محدودة العدد والعدة. وهذا ما يدفع إلى تقييم حقيقي وموضوعي لما تتطلبه عملية حماية التوازنات المالية لمؤسسات التأمين الإجباري و صناديق التقاعد بالمقارنة على ما يحصل عليه الصنف الأعلى من القطاع الخاص. الأمر يتعلق بالنفقات الجبائية ومنح الإستثمار وصناديق الدعم التي تسكن الكثير من الحسابات الخصوصية للخزينة وما يستفيد منه هذا القطاع في القطاع غير المهيكل. العدالة الإجتماعية والمجالية مفهوم و ليس مجرد شعار ولذلك وجب وضع حساب لضبط استفادة الفئات الإجتماعية من المالية العمومية. سنتعرف على حقيقة الوضعية بعد وضع حد لاستفادة أقلية من صندوق المقاصة. وسيتبين أن التوازنات الإجتماعية أقل كلفة من دعم الطبقات المستفيدة في كل القطاعات. سيتبين أن أموال المقاصة تذهب بالأساس لمن لهم القدرة الشرائية الكبيرة. لذلك أصبح من اللازم أن نفكر في حماية المنظومة الإجتماعية بناء على القرار السياسي المسؤول وليس على خلاصات تقنية محضة. العجز المالي لا يجب وصفه بالتقني والاكتواريون لن يحلوا محل السياسيين. نعم هناك تغير بنيوي للهرم السكاني. نعم هناك تفاوتات كبيرة بين المستفيدين من التقاعد وأؤلئك الذين يشكلون السكان النشيطين الذي لا زالوا يشتغلون. والقرار السياسي هو الذي يغير الواقع وليس ذلك الذي يظل حبيس نظرة تقنية ضيقة. العبقرية السياسية هي التي غيرت وجه المغرب منذ ما يزيد عن عقدين. ولو وضع الأمر بين يدي التقنيين لما شيدنا الطرق السيارة والطرق الوطنية والثانوية والصغرى. كنا سنعتبر بناء ميناء طنجة المتوسط من سابع المستحيلات. قضية التوازنات المالية لمؤسسات الحماية الإجتماعية تتطلب رجال دولة وليس مجرد مسؤولين برتبة مهندس أو تقني. هؤلاء مكانهم الميدان وفعلهم إنجاز المشاريع والتزامهم الخضوع للمحاسبة.