الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

أحمد فردوس: حين تكتب الخيل أوراق تاريخ التراث اللامادي بسنابك الخير

أحمد فردوس: حين تكتب الخيل أوراق تاريخ التراث اللامادي بسنابك الخير أحمد فردوس
كان فارسنا المغوار يستعد منذ بداية فصل الصيف بحب لتقاسم لحظات الفرح والسعادة مع عشاق التبوريدة، لكن مع دنو ساعات العد العكسي لضبط عقارب الزمن مع تقلبات الحال والأحوال نفسيا ومعنويا وفكريا في زمن قيم "الفردانية" المزعجة لذات "الجماعة" أحس فارسنا بشيء غير عادي يخالج نفسه، فلم يجد بدا من ممارسة طقوسه ذات الصلة بلحظات صناعة الفرجة والجمال واستعادة شريط عروض التبوريدة التي حقق فيها ذاته ورغبته الجامحة اتجاه تراث وطنه الممتد عبر التاريخ الموثق في كنانيش المؤرخين.
 
نعم، كل أوراق تواريخ لحظات الفرح في حضرة سنابك الخيل والبارود في مختلف محارك الوطن تترجم تفاني فارسنا المغوار في خدمة تراث التبوريدة وتفاعل الجمهور العريض من أبناء هذا الوطن الجميل من طنجة إلى لكويرة مع خدماته التراثية والفنية والثقافية والتواصلية وحتى الترافعية إعلاميا وفكريا من أجل تحصين مختلف التعابير الجمالية وتثمين الموروث الثقافي الشعبي المتعدد الروافد.
 
هو الذي لم يكن يبخل بالإيثار على المتلقي بكل ما تجود به القريحة وعوائدها ذات النفع الاجتماعي والإنساني بما فيها المادي والمعنوي.
 
طبعا فإن كابوس السقطات والكبوات لا ينجو منه في مضمار الحياة الفرسان الشجعان فما بالك بالخيول الجامحة المتمردة على مربيها في بعض الأحيان حين تصاب بمرض العظمة؟
 
شريط ذكريات سنابك الخيل والبارود  مليء بالمنجزات الجميلة بحلوها ومرها منذ الطلقة الأولى التي أعلنت ولادة الفرح الذي عم القبيلة وأضحى جرعة علاجية للتلقيح ضد الاكتئاب وطرد النحس في زمن التغول .
 
بنفس العشق والحب أعاد فارس الوطن تشغيل مُحَرِّكْ حقل التراث والإبداع في حضرة "النَّاسْ لَمْلَاحْ"  لتنطلق خيول الوطن معلنة ولادة جديدة بمحارك المواسم والمهرجانات التي لا يمكن إلا أن نصنع من خلالها فرصة متجددة لفعل ثقافي وتراثي وفني يليق بشعب استطاع أن يعيد للتراث إشراقاته الخالدة...هكذا فتح صندوق عُدَّته وعتاده الذي ورثه أبا عن جد، وأخرج المكحلة والسكين الفضي و دليل الخيرات وعمامة شيخه وسلهام والده وجلابة السوسدي التي نسجتها والدته التي تحافظ على رائحة انعشت روحه التي لا تجد الراحة ألا على صهوة أدهم بسرج سٌكَّرِي ناصع البياض.
 
ولم يجد فارسنا من أسلحة العشق في زمن التفاهة لمواجهة اليئس سوى مرددات غنائية طبعتها جداتنا وأمهاتنا بحناجرهن الصداحة لتمجيد الفارس في لحظة ركوب الخيل (هَادِي رَكْبَ دِيرْهَا فِي يَدْ الله) ، واستحضار عيطة (تْكَّبَّتْ الْخَيْلْ عْلَى الْخَيْلْ دِيرُو حْبِيبِي عَلَّامْ) حيث رقص كعادته منشدا مقطعا من عيطة (حَاجْتِي فِي كْرِينِي).