الجمعة 7 فبراير 2025
كتاب الرأي

نوفل البعمري: المرجعيات الثلاث لتجديد اتفاقية الصيد البحري

نوفل البعمري: المرجعيات الثلاث لتجديد اتفاقية الصيد البحري نوفل البعمري
يدور حالياً نقاش حول مستقبل اتفاقية الصيد البحري التي تم توقيعها سنة 2019 بعد سلسلة المسارات الطويلة التي خاضها المغرب انذاك مع الاتحاد الأوروبي وكانت قضية الصحراء المحدد الأساسي في موافقة المغرب على توقيع الاتفاقية من خلال رفضه لأي اتفاق لا يشمل الصحراء هو ما استجاب له الاتحاد الأوروبي انطلاقا من التوصيات التي أصدرتها اللجنة الأوروبية التي تشكلت بغرض تقييم انعكاسها الاقتصادي على الأقاليم الصحراوية انتهت باستفادة الساكنة المحلية الصحراوية والمقاولات البحرية المتواجدة بالمنطقة من عائداتها لتوصي بتجديد الاتفاقية التي وقعت وإلى جانبها تم توقيع البروتوكول الملحق بها و هو البروتوكول الذي جاء ليلائم الاتفاقية مع القانون الدولي تفاديا محاولات إسقاطها عن طريق استصدار قرارات قضائية من طرف المحاكم الأوروبية لإبطالها، هذا البروتوكول وعلى عكس ما يتم الترويج له هو الذي سينتهي أجله بتاريخ 17 يوليوز و ليس اتفاقية الصيد البحري التي تم توقيعها لأمد مفتوح لذلك النقاش اليوم لا يجري على الاتفاقية في حد ذاتها بل على البروتوكول الملحق بها.
 
المغرب يعيني جيدا مختلف التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها أوروبا و انعكست على مختلف أجهزتها بما فيها التنفيذية داخل الاتحاد الأوروبي، واذا كان هذا الأخير قد ظل يعلن عن طريق المفوضية الأوروبية عن تشبته بالشراكة مع المغرب و تطويرها إلا أن ذلك لم يمنع من وجود بعض اللوبيات التي استغلت البرلمان الأوروبي وحولته لمنصة لضرب المغرب والتشويش على المصالح المشتركة بين أوروبا والمغرب واختلاق قضايا من أجل ابتزاز المغرب في محاولة لإضعافه أمام الأصوات اليمينية التي تنامت بأوروبا، هنا لابد من وقفة مع الاتحاد الأوروبي من أجل أن يوقف مثل هذه التحركات و أن يجد صيغة داخلية للحفاظ على الشراكة المغربية الأوروبية وعدم اختزالها في الجوانب الاقتصادية دون السياسية خاصة ما يتعلق بالمس بالمؤسسات المغربية سواء الدستورية منها أو الأمنية، وهي مسؤولية أوروبية ملقاة اليوم على الاتحاد الأوروبي الذي يريد الحفاظ على هذه الشراكة لكن بدون أن يضغط داخليا قصد ضمان احترام قواعد الشراكة هاته وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب تحت ورقة حقوق الإنسان" التي ثبت أنها أخر ما يهم البرلمان الأوروبي.
 
من هذه المنطلقات الكبرى المغرب أكيد سيعمل على فتح حوار مع الاتحاد الأوروبي يراعي محددات أساسية تعتبر من ثوابت السياسية الخارجية التي وضع أسسها ملك البلاد وحدد ملامحها في عدة محطات وأزمات عاشها المغرب سابقا سواء مع بعض الدول الأوروبية أو مع بعض أجهزة الاتحاد الأوروبي، بنفس المنطق الذي خاض به الحوار سابقا مع هذه الأطراف سيخوضه اليوم، لذلك يمكن القول أن هذه المحددات الثلاث التي وضعها المغرب في حواره مع الاتحاد الأوروبي في اطار اللجنة العليا المشتركة التي أنشئت لهذا الغرض لتطوير الشراكة التي تجمع الطرفين ستنطلق من طرح ثلاث أسئلة تعتبر هي المترجمة لهذه المحددات:
 
المحدد الأول: أي شراكة بريدها المغرب؟!
الأمر يتعلق ليس فقط بسؤال مرتبط بأي شراكة مستقبلية يريدها المغرب مع الاتحاد الأوروبي بقدر ما هو سؤال استراتيجي بالنسبة لبلد ما بين سنة 2018 حيث انطلقت المشاورات لتجديد الاتفاقية التي وقع بروتوكولها سنة 2019 و سنة 2023 شهد في هذه الفترة الزمنية تغيرات كبيرة وعميقة أصبح فيها مغرب اليوم مغاير تماما لمغرب تلك اللحظة و لما قبلها، ظل يؤسس لمغرب أخر أكثر قوة، متانة وأكثر عمقا في علاقاته الاقليمية والدولية التي نوعها في اطار استراتيجيته الجديدة وسياسته الخارجية الموجهة الخارج، خاصة وأن ملف الصحراء الذي كان يعد ورقة يتم الضغط بها على المغرب قد تم طيها أمميا وانتصر فيها المغرب المبادرة الحكم الذاتي كما أن الملك أعلن بشكل واضح لا لبس فيه الا شراكة الا بوجود الصحراء في قلبها. لذلك فالوضعية التي كان عليها المغرب سنة 2018 ليست هي نفسها التي يوجد عليها اليوم على مختلف المستويات، لقد قام بإصلاحاته السياسية والمؤسساتية واسترجع مقعده بالإتحاد الأفريقي مع ما عناء ذلك من عودة قوية للمغرب لعمقه الإفريقي وتحول لقنطرة أوروبا نحو القارة الأوروبية. كل هذا الوضع وكل المتغيرات الاقليمية والقارية التي جعلت من المغرب بلذا قوياء استطاع فيها تجاوز كل لحظات الارتكاب التي كان قد عاشها انذاك خاصة على مستوى محاولات استغلال قضية الصحراء للضغط عليه، هذا الوضع الجديد يفرض وبشكل طبيعي أن يكون هناك حوارًا جديدًا يراعي كل المصالح الحيوية المستجدة التي تشكلت لكلا الطرفين خاصة منها ما يرتبط بمراعاة وضعية كل طرف بشكل أساسي المغرب الذي تحول لبوابة العالم نحو افريقيا و قام بإعادة هيكلة اقتصاده المحلي بالصحراء ليتحول لنقطة تمركز اقتصادي قاري خاصة منه الاقتصاد البحري، مع ما يعني ذلك من انفتاح على السوق العالمي ورغبة عدة دول و تكتلات دولية في توقيع اتفاقيات الصيد البحري تشمل الصحراء، عليه فالمغرب لم بعد رهيئة طرف واحد هو الاتحاد الأوروبي الذي كان يفاوض سابقاً من منطلق ألا بديل للمغرب عنه !! از اصبحت اليوم السوق مفتوحة أمامه نحو إفريقيا و العالم العربي، والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبريطانيا... بالتالي فالمغرب يرغب في أن يكون هناك حوار يراعى هذا الوضع الجديد انطلاقا من هذه المستجدات الداخلية والخارجية.
 
المحدد الثاني: كيف يمكن أن تخدم الاتفاقية الاستراتيجية الوطنية في مجال الصيد البحري؟
المحدد الثاني في الحوار الذي يريده المغرب ينطلق من الكيفية التي سيخدم فيها اتفاقية الصيد البحري والبروتوكول الملحق بها الذي سيكون موضوع حوار بين الطرفين الإستراتيجية الاقتصادية التي وضعها المغرب في مجال الصيد البحري في عموم الترا المغربي بما فيها الأقاليم الجنوبية، هذا المحدد أصبح اليوم ضاغطا على الجانبين اعتبارا لكون المغرب له رؤيته المرتبطة بتطوير المجال البحري سواء فيما يتعلق ببنيته التحتية أو ما يتعلق بالاستثمارات التي قد يشملها القطاع و هي رؤية يجب أن تكون الاتفاقية.

في قلبها تخدم الأجندة الاقتصادية المغربية في هذا المجال، اذ لا يمكن أن يعمد الطرفان الى فقط توقيع بروتوكول جديد بنفس المضامين القديمة وكان لا شيء تغير في المغرب على هذا المستوى، فالمغرب بفضل رؤيته الاقتصادية في مجال الصيد البحري أصبح هو المصدر الأول في العالم للسردين المعلب سنة 2022 بقيمة تقارب 5.7 مليار دولار، كما أن هذا القطاع أصبح يخلق سنويا منات مناصب الشغل سواء على مستوى ممارسة الصيد البحري أو في المعامل التي تقوم بتعليب السمك و بيعه، كما أن الصادرات التي حققها المغرب في هذا القطاع خلال سنة 2022 تعدت 28 مليار درهم أي بزيادة وصلت 16 في السنوات السابقة بحيث قطاع الصيد البحري بالمغرب طور استراتيجيته التسويقية وجعلها سياسة مؤسسانية تشتغل وفق الضوابط التي حددها مخطط "اليوتيس " خاصة محوره المتعلق بالتنافسية، الذي يهدف إلى تعزيز وتقوية سمعة وصورة علامة المنتجات البحرية المغربية ومكانتها على المستوى الوطني والدولي، فاستراتيجية المغرب التي يشتغل عليها في مجال الصيد البحري حاليا تهدف إلى قيام قطاع مؤهل للتناص يقوم على ضمان الشروط الملائمة للجودة عند معالجة المنتجات مع خلق المزيد من الشفافية و ضمان ميكانيزمات محددة للبيع بالأسواق الداخلية والخارجية، كما تهدف هذه الاستراتيجية إلى ضمان إنتاج المغرب لمنتجات تتسم بالجودة تتستجيب لمعايير التنافسية في الأسواق الدولية.
 
هذه الاستراتيجية التي وضعها المغرب وفق للرؤية الملكية تحت مسمى اليوتيس" البروتوكول الجديد للصيد البحري يجب أن يكون مواكباً لها ومعززاً لأهدافها ولا يمكن للمغرب أن ينخرط في أي اتفاق لا يراعى أهداف المغرب الاستراتيجية في هذا المجال، مما يستدعي قيادة حوار يروم إلى ملائمة البروتوكول مع أهداف هذه الإستراتيجية وجعل اتفاقية الصيد البحري في خدمة هذه الأهداف الواعدة، لا على هامشها بحيث تؤثر عليها سلبا ..
 
المحدد الثالث: أي اتفاق مغربي أوروبي لصيد يبحري مستدام؟!
المغرب لم يعد يسعى لتوقيع اتفاق الصيد البحري فقط من أجل توقيعه بل له أهدافه الاستراتيجية المرتبطة بضمان عدم استنزاف
ثروته البحرية بالتالي ضمان صيد بحري مستدام، يستجيب لواقع الصيد البحري ليس في المغرب فقط بل في العالم الذي بانت ثروته البحرية مهددة بسبب المتغيرات المناخية التي أصبحت تؤثر سلبا عليها، مما يستلزم حمايتها من الاستنزاف إما بالصيد العشوائي أو بوجود اتفاقات قد لا تحترم ولا تتلائم مع المتغيرات التي شهدتها الثروة السمكية وفقا لواقعها الجديد، خاصة حاجتها اليوم إلى حمايتها من الاندثار لأن ذلك سيشكل تهديداً حقيقيا لثروة وطنية تحتاج اليوم للحماية من خلال القيام بكل الدراسات العلمية من أجل تحديد حجم مجال الصيد وطبيعة الاسماك المسموح بصيدها، وفترات الصيد وكل ما يمكن أن يساهم في الحفاظ على هذه الثروة السمكية الطبيعية، وقد سبق في هذا الإطار للإتلاف من أجل الحفاظ على الثروة السمكية أن دق ناقوس الخطر على مستوى استنزاف الثروة السمكية مؤكدًا على ضرورة احترام الفترة البيولوجية التي يجب وقف الصيد فيها خاصة " صيد الرخويات" بحيث تدخلت السلطات لأكثر من مرة لإيقاف الصيد للحفاظ عليها والحفاظ على الثروة السمكية.
 
لذلك فالبروتوكول الملحق باتفاقية الصيد البحري التي ستكون موضوع نقاش وحوار بين المغرب والاتحاد الأوروبي يسعى من خلالها المغرب إلى صيد بحري مستدام و برؤية مستديمة لا تستنزف ثروته السمكية بل تحافظ عليها من الاندثار حماية لها وللاقتصاد الوطني الذي يعتبر قطاع الصيد البحري واحد من أعمدته سواء من حيث حجم اليد العاملة التي تشعل وتصل لأكثر من 700 ألف يد عاملة ممن تشتغل في هذا القطاع، كذا من حيث حجم المداخيل التي تحققها للدولة وهي كلها عوامل تدفع بالمغرب في إطار رؤيته الاستراتيجية لتدبير هذا القطاع إلى أهمية اعادة ضبط كل المحاور من هذا البروتوكول الذي سيكون موضوع نقاش بين المغرب والإتحاد الأوروبي والذي سينظم عملية الصيد البحري بالسواحل المغربية.
 
المغرب في حواره مع الاتحاد الأوروبي يسعى لتعزيز شراكته معه كذا وضعه المتقدم لدى هذا الشريك و هو ينطلق من تقييم أولي يعتمد على المكاسب المشتركة التي تم تحقيقها من شراكتهما في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية ذات الطبيعة الحيوية لكليهما، لذلك فإعلانه رغبته في تقييم هذا الاتفاق بالمحددات التي يراها مناسبة لمصالحه الحيوية ذات البعد الإستراتيجية في هذا القطاع كما حددتها الرؤية الملكية لا تتعارض مع إيمانه العميق بضرورة تعزيز هذه الشراكة، ورغبته في الحفاظ عليها لكن بما يخدم مصالح الجميع، وبما يراعى مختلف المتغيرات التي شهدها المغرب والتي جعلته يطالب بحوار أوروبي مغربي يقف فيه الجميع الند للند.