الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

فؤاد زويريق: الإنطباع شيء وتقييم سلوك وثقافة الشعوب شيء آخر

فؤاد زويريق: الإنطباع شيء وتقييم سلوك وثقافة الشعوب شيء آخر فؤاد زويريق
قرأت هذه الأيام كتابا لكاتب مغربي يتضمن رحلاته إلى بعض البلدان وتجاربه فيها، وبما أنني مواطن هولندي وأقيم في هولندا منذ زمان فقد أثارني قليلا الشق الخاص بزيارته إلى هذا البلد، وتقييمه للشعب الهولندي من خلال خمسة أيام قضاها في أمستردام كسائح، لايهمني وصفه للأماكن والمواقع التي زارها في المدينة فهذا عاد جدا ومن حقه طبعا، لكن أن تقيّم ولو بالإيجاب شعبا بأكمله وتفرد له فقرة طويلة من خلال زيارة خاطفة إلى مدينة أغلب سكانها ليسوا هولنديين أصلا، فهذا أجده استهتارا بذكاء القارئ! وأنا متأكد وعلى يقين أن هذا الكاتب ومن خلال ماكتبه لم يلتق بالهولنديين الأصليين، أو التقى بشخص أو شخصين فعمم انطباعه على الكل، في بعض الأحيان أو في الكثير منها تضطر في أمستردام إلى التحدث أو إلى التواصل باللغة الإنجليزية وخصوصا في الأماكن السياحية، لقلة الهولنديين فيها، فأصحاب المدينة يقطنون في أماكن معينة لن يذهب إليها السائح على كل حال. 
 
لأخذ صورة كاملة وإصدار تقييم متوازن وعادل عن شعب ما، عليك أن تحتك به مباشرة، وحتى هذا لا يكفي فالحكم يأتي بعد تراكم مقنع لتجارب عدة ومختلفة، شخصيا زرتُ عشرات الدول من قارات مختلفة وكلما كتبتُ تجربتي هنا وهناك تجنبت الحديث عن شعوبها لأنني لم أحتك بها، فأكتفي بجرد انطباعي حول المكان نفسه وكفى، فتعاملي مع البائع أو النادل أو الحارس...في هذا البلد أو ذاك لا يمنحني الحق في تقييم سلوك وثقافة شعب بأكمله.
 
صحيح أنني فردت فقرات وصفحات من كتابي حول القاهرة متحدثا عن الشعب المصري، هذا لأن لدي تجارب وتراكما عمليا وميدانيا في التواصل معه، فلدي أصدقاء عدة مصريين ومنذ زمن ومن كل الفئات ومن مختلف المدن والمناطق، زياراتي المتكررة لمصر هي الوحيدة التي كان لي فيها تعامل مباشر وكافٍ مع أهلها جلست معهم في المقاهي ودخلت بيوتهم وتواصلت معهم في الشارع والمواصلات...إلى غير ذلك، بل أكثر من هذا تحققت لي صور تراكمية عن ثقافة وطبائع أناسها منذ الصغر، أي قبل زياراتي لها من خلال الأفلام الوثائقية والروائية والبرامج... هذه التجارب المتعددة والمختلفة هي التي أهلتني للحديث عن أهل المحروسة، لم أتحدث مثلا عن شعب الإمارات رغم زياراتي لدولته لأنني لم أجده أصلا ولم أحتك به، نفس الشيء بالنسبة للشعب الأمريكي لأنني في أمريكا تعاملت مع الأجانب أكثر من الأمريكيين، ونفس الشيء يقال عن الشعب التشيكي والانجليزي والمجري والإيطالي والبنغالي واليوناني والألماني...الخ  بل حتى أغلب المنشورات المتواجدة على مواقع وصفحات السفر العربية في الفايس بوك مليئة بترهات وأكاذيب وادعاءات خطيرة قد تؤثر على الشخص الذي لا توجد لديه ثقافة سفر كافية تؤهله لفرز الصالح منها والطالح.
 
من يريد السفر أول مرة إلى مكان ما عليه أن يكون حذرا في التعامل مع مثل هذه المنشورات، وألا يأخذ ما يكتب فيها بجدية لأن أغلبها ادعاءات فقط، ومن الأفضل أن يتجه إلى مواقع السفر الأجنبية المعتمدة والجدية.