تحتاج المجتمعات إلى لحظات تعيد من خلالها التفكير في نظرتها لكل من الجريمة والعقاب، أمر يفرضه التطور وبالمقابل يحتاج الى عمق فكري وذكاء جماعي وحكمة قانونية وفلسفية، لأخراج قواعد قانونية توازي قوة التأثيرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وتعمل على جدبها لتصوغها في إصلاحات عميقة بدل ترميمات عشوائية تفرضها نوازل مستقلة ونزوات شبه تشريعية تفرغ كل ارادة في إصلاح عميق وشامل من جوهر الحقوق والحريات التي أسس لها دستور 2011 التي ضمن حمايتها كما هو متعارف عليه دوليا.
لن نغوص بك عزيزي المتلقي في نظريات فلسفة الجريمة والعقاب بأكثر ما سنعود بك الى نظرية مشيل فوكو الذي بدوره تبنى أفكار روش وكير كهيمر، وعمل على رفض العقوبة كغاية وعلى التخلي عن القصاص الجسدي وظهور مؤسسة السجن بمعناه الحالي، فوكو الذي دعى إلى الأخد بتلطيف العقوبة في الحدود النافعة، وجعل الجسد من محل لتنفيد العقوبات إلى جسد منتج ونافع .
من هنا ظهرت الأاسس الحديثة لقانون العقوبات وظهرت معها المؤسسة السجنية كمكان للإصلاح والتهديب ،لكن بالمقابل ابانت التجربة على الهوة الشاسعة مابين كل هذه الفلسفات والحركات التشريعية التي تشبعت بأفكارها ومابين التطبيق العملي، شساعة مابين العقوبة المحكوم بها ومابين مكان تنفيد هذه العقوبية أي المؤسسة السجنية وما اضحت تعرفه من إكتضاض يحول دون الغاية الاصلاحية والتهديبية التي وجدت من أجلها، أمر فرض على ضرورة إصلاح القانون نفسه ليساهم في هذا الهذف (الإصلاح، التهديب، وأن تكون العقوبة نافعة للمجتمع ...) وكذلك بالإهتمام بدراسة شخص المحكوم عليه وجعله محل التفكير العلمي المعقلن ، ومشاركة البحث العلمي في تطوير السياسة الجنائية .
من هنا ظهرت الأاسس الحديثة لقانون العقوبات وظهرت معها المؤسسة السجنية كمكان للإصلاح والتهديب ،لكن بالمقابل ابانت التجربة على الهوة الشاسعة مابين كل هذه الفلسفات والحركات التشريعية التي تشبعت بأفكارها ومابين التطبيق العملي، شساعة مابين العقوبة المحكوم بها ومابين مكان تنفيد هذه العقوبية أي المؤسسة السجنية وما اضحت تعرفه من إكتضاض يحول دون الغاية الاصلاحية والتهديبية التي وجدت من أجلها، أمر فرض على ضرورة إصلاح القانون نفسه ليساهم في هذا الهذف (الإصلاح، التهديب، وأن تكون العقوبة نافعة للمجتمع ...) وكذلك بالإهتمام بدراسة شخص المحكوم عليه وجعله محل التفكير العلمي المعقلن ، ومشاركة البحث العلمي في تطوير السياسة الجنائية .
لهذا دأب المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات الدولية وسعيا منه إلى تكييف التشريع الوطني وفق المعايير والالتزامات الدولية.
فنجده اعتمد في مشروع القانون رقم 43/22 مجموعة من العقوبات البديلة، تعزيزا للمنظومة العقابية في المغرب ورغبة في استخلاص النظام العقابي الفريد الذي يضفي على تشريعنا الجنائي صبغته القوية.
وسنتعرض عزيزي المتلقي لما جاء في العقوبات البديلة التي نص عليها الشرع حديثا:
إن مجرد استطلاعنا التنصيص الجديد الذي قدمه مشروع هذا القانون، نجد ضمن مواده مفهوم جديد منصوص عليه بصيغة صريحة لعقوبات لم تكن من قبل، وتتمثل اهمها في “العمل لأجل المنفعة العامة، الغرامة اليومية، فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية”. ولنقرب شيئا من الشرع لهذا النظام العقابي الجديد فماذا نعني بالعمل لأجل المنفعة العامة؟
لقد صار من المؤكد أن أغلب التشريعات الجزائية أصبحت تتبنى عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة نظرا لما يحمله هذا النظام من مزايا وغايات، وقد نص على ذلك مشروع القانون الجنائي في مادته 6-35 وأفرد له شروطا معينة منها:
- أن يكون المحكوم عليه بالغا من العمر 15 سنة على الأقل وقت ارتكاب الجريمة.
- ألا تتجاوز العقوبة المنطوق بها سنتين حبسا.
- أنه غير مؤدى عنه ، كما انه ينجز لفائدة شخص اعتباري عام أو جمعية ذات منفعة عامة لمدة تتراوح بين 40 و600 ساعة، وتحدد المحكمة عدد ساعات العمل لأجل الصالح العام، بمعدل يوم من مدة العقوبة الحبسية يوازي ساعتين من العمل مع مراعاة الحد الأقصى لعدد الساعات المنصوص عليه.
لقد صار من المؤكد أن أغلب التشريعات الجزائية أصبحت تتبنى عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة نظرا لما يحمله هذا النظام من مزايا وغايات، وقد نص على ذلك مشروع القانون الجنائي في مادته 6-35 وأفرد له شروطا معينة منها:
- أن يكون المحكوم عليه بالغا من العمر 15 سنة على الأقل وقت ارتكاب الجريمة.
- ألا تتجاوز العقوبة المنطوق بها سنتين حبسا.
- أنه غير مؤدى عنه ، كما انه ينجز لفائدة شخص اعتباري عام أو جمعية ذات منفعة عامة لمدة تتراوح بين 40 و600 ساعة، وتحدد المحكمة عدد ساعات العمل لأجل الصالح العام، بمعدل يوم من مدة العقوبة الحبسية يوازي ساعتين من العمل مع مراعاة الحد الأقصى لعدد الساعات المنصوص عليه.
ومن جهة المحكوم عليه يتعين عليه الالتزام بتنفيذ عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة داخل اجل لا يتجاوز 12 شهرا من تاريخ صدور المقرر التنفيذي، مع إمكانية تمديد هذه الآجال بناء على طلبه بعد صدور قرار من قاضي تطبيق العقوبات اذا تعلق الامر براشد، أو قاضي الأحداث إذا كنا أمام حدث الغرامة اليومية.
عرفها المشرع المغربي “هي عقوبة يمكن للمحمة أن تحكم بها بدلا من العقوبة الحبسية، وهي مبلغ مالي تحدده المحكمة عن كل يوم من المدة الحبسية المحكوم بها، والتي لا يتجاوز منطوقها في المقرر القضائي سنتين حبسا.
يؤدي المحكوم عليه والذي يبلغ 18 سنة شمسية كاملة مبلغ الغرامة اليومية والمقدرة ما بين 100 و2000 درهم عن كل يوم حرية، حيث تراعي المحكمة في تحديدها الإمكانيات المادية للشخص المذنب بما في ذلك خطورة الجريمة المرتكبة.
تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية:
نص المشرع المغربي على هذا الإجراء العقابي ضمن المواد (13-35 الى 15-35)، حيث يمكن ان تحل محل العقوبة السالبة للحرية متى كانت لا تتجاوز سنتين حبسا، حيث تستهدف هذه العقوبات اختبار المحكوم عليه والتأكد من مدى استعداده لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج.
نص المشرع المغربي على هذا الإجراء العقابي ضمن المواد (13-35 الى 15-35)، حيث يمكن ان تحل محل العقوبة السالبة للحرية متى كانت لا تتجاوز سنتين حبسا، حيث تستهدف هذه العقوبات اختبار المحكوم عليه والتأكد من مدى استعداده لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج.
وبإمعاننا النظر في فحوى هذه العقوبة البديلة نلاحظ على انها تتشابه الى حد كبير مع نظام الاختبار القضائي ، وربما الاختلاف في التسمية راجع لهدف المشرع من تدقيق العقوبة وبذلك فهي تضم أربع تدابير أساسية : “تقييد بعض الحقوق، فرض تدابير رقابية، فرض تدابير علاجية وتدابير تأهيلية”. وبالتالي سيكون المفهوم اكثر شمولية ودقة من نظام الاختبار القضائي.
حيث ينفذ المحكوم عليه العقوبات المنصوص عليها أعلاه داخل اجل لا يتجاوز 5 سنوات مع إمكانية تمديد هذه الآجال بناء على طلب من المحكوم عليه وبقرار صادر من قاضي تطبيق العقوبات او قاضي الاحداث حسب الحالات.
حيث ينفذ المحكوم عليه العقوبات المنصوص عليها أعلاه داخل اجل لا يتجاوز 5 سنوات مع إمكانية تمديد هذه الآجال بناء على طلب من المحكوم عليه وبقرار صادر من قاضي تطبيق العقوبات او قاضي الاحداث حسب الحالات.
كما يمكن ان يتضمن الحكم واحدة أو أكثر من العقوبات والمتمثلة في:
مزاولة المحكوم عليه نشاطا مهنيا محددا او تتبعه دراسة او تأهيلا مهنيا محددا.
إقامة المحكوم عليه بمكان محدد والتزامه بعدم مغادرته كفرض رقابة يلزم بموجبها المحكوم عليه بالتقدم في مواعيد محددة، اما لمؤسسة سجنية، او مقر الشرطة او الدرك الملكي او مكتب موظف المكلف بالمساعدة الاجتماعية بالمحكمة، خضوع المحكوم عليه لعلاج نفسي أو علاج ضد الإدمان، تعويض أو اصلاح المحكوم عليه للأضرار الناتجة عن الجريمة.
إقامة المحكوم عليه بمكان محدد والتزامه بعدم مغادرته كفرض رقابة يلزم بموجبها المحكوم عليه بالتقدم في مواعيد محددة، اما لمؤسسة سجنية، او مقر الشرطة او الدرك الملكي او مكتب موظف المكلف بالمساعدة الاجتماعية بالمحكمة، خضوع المحكوم عليه لعلاج نفسي أو علاج ضد الإدمان، تعويض أو اصلاح المحكوم عليه للأضرار الناتجة عن الجريمة.
كما أقر مشروع قانون المسطرة الجنائية مجموعة من التدابير البديلة الرامية الى تقليص الزمن القضائي وجعل اليات العدالة أكثر نجاعة وفعالية، و نذكر أهم ما يحمله المشروع من اليات حديثة خاصة في مرحلة ما قبل المحكمة والمتمثلة في:
الصلح الزجري:
والذي يرمي الى وضع مقاربة جديدة للصلح واضفاء عليه نوع من المرونة خاصة بعد أن أبان عن تجاوز مجموعة من الصعوبات والمعيقات منذ إقراره كآلية سنة 2003، وتشمل هذه التعديلات ما يلي:
الصلح الزجري:
والذي يرمي الى وضع مقاربة جديدة للصلح واضفاء عليه نوع من المرونة خاصة بعد أن أبان عن تجاوز مجموعة من الصعوبات والمعيقات منذ إقراره كآلية سنة 2003، وتشمل هذه التعديلات ما يلي:
توسيع وعاء الجرائم القابلة للصلح ، برفع سقف الغرامة المالية للجنح الضبطية الى 100 ألف درهم ، كما تم تخويل الأطراف حق اللجوء الى الصلح في بعض الجنح التأديبية ، ومنح الأطراف حق التراضي على الصلح دون اشتراط موافقة النيابة العامة. وإقرار إمكانية الصلح أمام قاضي التحقيق، وإمكانية عرض الصلح من طرف النيابة العامة على الأطراف، وإمكانية الاستغناء على مصادقة القاضي للصلح.
-السند التنفيذي الإداري: لغاية ترشيد المنازعات القضائية، يسمح هذا الإجراء لبعض الإدارات باقتراح أداء الغرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا، متى كان الحد الأقصى للغرامة لا يتجاوز 5 آلاف درهم.
-الأمر القضائي في الجنح: بغية تشجيع اللجوء الى مسطرة الامر الأمر القضائي في الجنح كمسطرة مبسطة للجنح البسيطة، تم رفع سقف الغرامة الى 20 الف درهم بدلا من 5 آلاف درهم.
-إقرار آلية التجنيح القضائي: أقر المشرع الية جديدة تخول للوكيل العام للملك صلاحية إحالة الجناية على وكيل الملك باعتبارها جنحة، متى تبين له أن الضرر الناجم عن الجناية كان محدودا وقيمة الحق المعتدى عليه بسيطة، وكان القانون يسمح بوصفها كذلك.
التخفيض التلقائي للعقوبة: وضع المشروع آلية جديدة من شأنها تحفيز وتشجيع السجناء على الانضباط أو الانخراط بشكل إيجابي في برامج الإصلاح والإندماج، حيث بعد قضاء السجين لربع العقوبة وإبان عن تحسن سلوكه تحت إشراف لجنة بالسجن، حيث يتم تخفيض 4 أيام عن كل شهر لغاية سنة، وشهر عن كل سنة أو جزء من السنة.
-أداء الغرامات: في إطار التشجيع على أداء الغرامة المحكوم بها أقر المشروع آلية تحفيزية، تتمثل في تخفيض قيمة الغرامة المحكوم بها إلى الثلث إذا تم اداؤها داخل الاجل المحدد لها.
-المراقبة الإلكترونية: خول المشروع لقاضي التحقيق آلية الوضع تحت المراقبة الالكترونية عن طريق القيد الإلكتروني ( السوار )، كتدبير جديد بديل عن العقوبة السالبة للحرية، مع فسح المجال للسلطة القضائية للقيام بهذا الاجراء بغية التقليل من اكتظاظ السجون وإعادة تأهيل وادماج المحكوم عليهم داخل النسيج الاجتماعي وعقلنة الوضع تحت المراقبة القضائية.
وختاما هل ستعمل العقوبات البديلة كغيرها من العقوبات الأصلية والإضافية على تخفيف عبئ الدولة المالي الذي يتطلبه الانفاق على النؤسسات السجنية؟ وهل ستحد من الاكتظاظ غير المسبوق الذي تعرفه ؟وهل سيتم اقرارها بالوجه الذي يوازن مابين حق المحكوم بها وحق الضحية ؟ وهل هي اختبار قضائي ناجح في اختيار العقوبة المناسبة للفعل عقوبة بديلة ستجل المحكوم بها يتعض ويندم على جرمه دون عود ؟، أم أن المجتمع المغربي في حاحة ماسة إلى إصلاح اجتماعي واقتصادي يشمل كل فئاته وليس لمجرد قواعد قانونية وإجراءات مسطرية؟
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.