الخميس 6 فبراير 2025
كتاب الرأي

الصديق معنينو: البيضاء في خطر

الصديق معنينو: البيضاء في خطر الصديق معنينو
قضيت عطلة عيد الفطر في طنجة.... إذ كلما زرتها تذكرت أحياءها ومعالمها القديمة.... لكن طنجة اليوم مدينة تبني المستقبل بكثير من الأمل.... نوافذ الفندق تطل على الكورنيش وساحاته الواسعة.... هو أحسن من كورنيش البيضاء والرباط..... مدخل المدينة طريق سيار على طول عدة كيلومترات، تحف به أشجار وأضواء واخضرار..... مدخل لا تتوفر عليه مدن كفاس ومكناس والجديدة... عماراتها شاهقة والعشرات منها تتكون من عشرين طابقا وهذا ممنوع في مدن كأكادير ومراكش ووجدة .... منطقتها الصناعية هي الأكبر والأحسن تنظيما وبها يشتغل ما يزيد عن مئاتي وثمانين ألف عامل وعاملة... على بعد كيلومترات يوجد ميناء يعتبر من أكبر موانئ الأبيض المتوسط، وبه وحوله صناعات أشهرها صناعة السيارات... هو أكبر مجمع في إفريقيا يصدر سنويا مئات الآلاف من مختلف أنواع السيارات... طنجة تسهر ليلا، تتذوق طعم الحياة.... وإذا ما استمرت على نفس السرعة فوداعا العاصمة الاقتصادية... طنجة بتحدياتها وعنفوانها واحدة من منجزات محمد السادس...
 
أيام زمان
أتذكر طنجة أيام زمان حين كنت في طفولتي أرافق خالي إلى دكانة في وادي أحرضان... هي قيسارية المدينة... كنت أقضي يومي بين «سوق الداخل» و «سوق برة» في الأول دكاكين وأبناك ومقاهي فاخرة، وفي الثاني، خارج الأسوار، تباع ربطات البصل والثوم والجبن الجبلي وأطنان الفحم... عالمان بينهما محلات تجارية ضخمة، تستورد وتُصدر مئات الأطنان من السلع ... أيام الراحة كنت أجلس مع خالي في «مقهى باريس» أشهر المقاهي حيث تلتقي نُخب المدينة من مثقفين وبرجوازيين وسماسرة....
 
سور العكزانين
طنجة هي كذلك مدينة قديمة، أولى مدن المغرب عالية بأبراجها المطلة على البحر والمحيط... من زار طنجة دون أن يتجول في قصبتها ويلج باب البحر، ويشرب كأس شاي عملاق ومنعنع في مقهى «الحافة» ويتذوق زلافة بيصارة مع زيت الزيتون و الفلفل»... ويشعر بالخوف أمام أمواج البحر، وهي تتلاطم في مغارة هرقل» ويأكل السمك في مطعم السوسي ويلج السوق البلدي ثم يأخذ صورة مع المدافع في ساحة العكزانين.... من لم يزرها ويتذكر كتابها وعلماءها والفنانين الذين أحبوها وعشقوها من عبد الله كنون إلى محمد شكري مرورا عبر «بول» «بولز» و «أوجين دولاكروا» و «هانري ماتيس دون أن ننسى ابن بطوطة» و«سيدي بوعراقية من لم يفعل هذا فعليه أن يعود إليها من جديد. لكن طنجة هي قبل كل شيء، الحارس المخلص لمضيق جبل طارق تستطيع من شواطئها ليلا أن ترى أضواء الساحل الإسباني... بين أرجلها تتداعب مياه الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي معززة بحراسة "منار" كاب اسبارطيل .... في طنجة أول منزل تملكته أمريكا خارج أراضيها هدية من السلطان المغربي مولاي سلیمان (1821).
 
صحافي وجاسوس
في هذه المدينة أقام عميد القناصلة الأنجليز المستر» جون هاي ما يزيد عن أربعين سنة (-1893 1816)، كان يشتغل خلالها لإهداء «الأمبراطورية الشريفة» للتاج البريطاني... اليوم في طنجة متحف للصحافي البريطاني «واتر هاريس» الذي صاحب السلطانين مولاي عبد العزيز ومولاي احفيظ عندما كانا في السلطة، وعندما عاشا منفيين في طنجة... هذا الصحافي المشاغب دوّن ذكرياته في كتابه المغرب في زمان السلاطين..... كان «والتر هاريس مراسلا لصحيفة «التايمز» وجاسوسا الحكومة بلاده، لكنه أيضا كان صديقا للمغرب. في طنجة عاش وفيها دفن سنة 1933..... غير بعيد عن هذه المدينة، كان أسيرا عند عبد الكريم الريسوني والذي أطلق سراحه بعد ضيافة استمرت ثلاثة أسابيع... في كتابه حكايات عن آخر سنوات استقلال المغرب وأوضاعه المعقدة وكثرة المؤامرات لاحتلاله كتابه يتضمن معلومات عن مصاعب المغرب منذ الحسن الأول إلى دخول الاحتلال .... لكن طنجة لا تهتم بالماضي بل تسرع نحو المستقبل، طنجة هي المستقبل.