الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

شيماء ابن الحاج: برج محمد السادس بالرباط ورهانات التنمية المحلية

شيماء ابن الحاج: برج محمد السادس بالرباط ورهانات التنمية المحلية شيماء ابن الحاج
في ماض بعيد، كانت الأسوار تشكل مركزا للمراقبة ضد الغزو الخارجي وحصنا آمنا لسكانها. هذا الكنز الثقافي الفريد من نوعه تتقاسمه معظم مدن المملكة إذ أنها تشكل أحد رموز التراث الثقافي اللامادي نظرا للشحنة التاريخية الغنية عن التعريف والمحفوظة في ذهن ساكني كل مدينة عن شموخ حضارة أجدادهم في ماضي قريب باعثة الأمل في نفوس الجميع. 

فمع ظهور تجمعات السكان، بحث الإنسان القديم على حماية ممتلكاته وتأمين حياته ببناء أسوار عتيدة حول المدينة لتبقيه آمنا من أي هجمة مباغتة غير متوقعة، لذا نلاحظ طول هذه الأسوار وعرضها، مع تميزها بخاصية استثنائية تتجسد في الباب الرئيسي للسور الذي يتم إقفاله كليا في الليل ولا يفتح في النهار إلا للتجار والسكان المحليين الذين يحرصون شديد الحرص على اختيار أشجع الحراس لتوفير الحماية اللازمة  من هجمات مباغتة من العدو. 

هذه القوة المعنوية يعاد تجسيدها في زمننا الحالي برموز ثقافية جديدة، تتأقلم مع متطلبات القرن وتستجيب لرهاناته. فتشييد ناطحات السحاب كان في أوائل القرن الماضي بعد اكتشاف المصعد الكهربائي في أمريكا ، إذ ساعد هذا الأخير على تسريع وتيرة تشييد ناطحات سحاب تبزغ في أفق السماء الزرقاء وتتلألئ كالنجمات الخمس لبلادها. 

تشبتت المملكة المغربية ومنذ القدم بإبراز قوة إمارتها، وحرصت على تأمين حاجيات مرتفقيها بالعمل على بناء حضارة تتناسب مع كل جيل، فالرباط وسلا اعتبرتا ومنذ القدم قاطرتين للتنمية المحلية وكانتا تشكلان على مر العصور وبتوالي جميع السلاطين أحد معاقل القوة بالمغرب، لذا تمسك الملوك الذين توالو على الحكم بتشييد الأسوار في المدينتين. 

فسلا التي تم تشييدها من طرف الفينيقيين لتشكل مركزا تجاريا  لأعمالهم أنذاك، والعاصمة الرباط التي تم تأسيسها من الخليفة الموحدي يعقوب المنصور، شكلتا نموذجا لتطور الحضارة المغربية. إذ مع استمرار إبراز مكامن القوة في كل حقبة من الزمن، ارتأئ السلطان العلوي العاهل المغربي محمد السادس على تدشين أشغال انطلاق تشييد برج محمد السادس يبلغ ارتفاعه 250 مترا، وبكلفة إجمالية تصل إلى 4 مليارات درهم  على مساحة 3 هكتارات، الممولة كاملة من طرف البنك المغربي للتجارة الخارجية لإقريقيا على ضفاف نهر أبي رقراق ليكون بذلك شاهدا على تقدم المغرب ضاربا في عمق تاريخ المدينتين العريقتين. 

فمن مميزات هذا البرج أنه صديق للبيئة، إذ أن ثلثي مساحته الإجمالية ستكون مغطاة بألواح شمسية قادرة على تزويده بالطاقة الكهربائية اللازمة لاشتغاله. فهذه المعلمة الحضارية تندرج ضمن البرنامج "الرباط مدينة الأنوار" الذي تمت مباشرته انطلاقا من سنة 2019.

مع تسارع التطورات العمرانية للبلاد، يتم التساءل على ارتباط هذه  البنايات الأيقونية برهانات التنمية المحلية، فهل يشكل برج محمد السادس رافعة للتنمية المحلية لمدينتي الرباط وسلا، أم أن العديد من الإشكالات الجوهرية لا زالت عالقة في أدراج مكاتب تسيير المدينتين.

حاليا تعرف الرباط وسلا تطورات جمة ولكن لا يختلف اثنين على وجوب تكثيف الجهود وتظافرها لحل المشاكل الراهنة. نحن اليوم أمام تحديات جديدة ترتبط بعوالم أخرى، إذ لا بد من النهوض بالتنمية المحلية والمجالية خصوصا للعاصمة التي تشكل أول بادرة في ذهن المستثمرين، فتأهيل المدينة لا يتجسد فقط في الطرق والمنشآت ولكن حضارة القرن في سلوك أولا يلزم جميع المواطنين بالافتخار به قبل وجوب احترام معالمه وتجسيداته، إذ نرى اليوم أنه ورغم الجهود التي تم بذلها إلا أن العديد من الطرق في ضواحي العاصمة لا تزال في منأى على التطور، إذ أنها لا تزال مهمشة وتعاني العديد من المشاكل الأساسية كغياب تجويد التنقل العمومي، وقلة المساحات الخضراء. فالتنمية المحلية لا يتم إحقاقها إلا بتجمع العناصر التالية: استخدام جميع الإمكانات والموارد المحلية مع العمل على استثمارها لضمان توفر المدينة على الموارد الكافية لتغطية حاجيات سكانها، تقوية وتشجيع حس المبادرة الفردية لخلق فرص التغيير وبعث الأمل، وأخيرا تسخير الوسائل الممكنة لاستتباب مبدأ الديموقراطية التشاركية. 

اليوم نلاحظ عزوف الكثير من المواطنين على المشاركة في التدبير المحلي، إلا أن الجميع يتفق على ضرورة توفير مرافق أخرى حيوية في المدينة والتي يمكن ولوجها من طرف الجميع على حد سواء على اختلاف طبقاتهم الإجتماعية. فالبرج لن يتم الاستفادة من منظره الاستراتيجي إلا عينيا، وإمكانية ولوجه لن تتاح إلا لطبقة بورجوازية التي تتوفر على إمكانيات مالية كافية للتمكن من اقتناء شقة يتراوح سعر المتر الواحد فيها إلى 14 مليون سنتيم، فما بالك بأسعار احتساء كوب شاي أو قهوى على ضفاف أبي رقراق. 

يحتاج المواطنين للترفيه عن أنفسهم بإمكانياتهم المتواضعة ويتمنمون كذلك إن تتوافق الأبعاد الاستراتيجية للتشييدات المعمارية مع جبوبهم المتواضعة. فإلى هناك ومع اقتراب موعد التسليم وافتتاح البرج المزعم مباشرته في يناير 2024، نتمنى تظافر الجهود لتسهيل ولوجية هذا الأخير للجميع على حد سواء، وأن يتم إدراج مشاريع أخرى للتمنية المحلية تمكن البرج الساطع على ضفاف أبي رقراق من البروز شامخا على حضارة اقتصادية واجتماعية لمواطني القرن 21.