كباقي الأحياء السكنية بمنطقة المنارة بمراكش، تعاني ساكنة حي المسيرة منذ عدة شهور من رائحة وطعم الماء " الصالح للشرب" ولونه، وارتفاع نسبة ملوحته، لتنضاف إليه مؤخرا أحياء سكنية أخرى في جماعات: حربيل، والسعادة وسيد الزوين، من نفس المشاكل، بالإضافة إلى ضعف الصبيب والانقطاعات المتكررة للمياه.
ملاعب الغولف قبل المواطن أحيانا
ذات المعطيات المتوفرة لـ" أنفاس بريس" يؤكدها البيان الأخير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع مراكش المنارة، مشيرة إلى تخوف الساكنة من إمكانية عدم احترام المعايير الصحية للماء الصالح للشرب وخشيتها من التداعيات الصحية، خصوصا مع ارتفاع حالات الأمراض الباطنية، مما دفع العديد من السكان اللجوء إلى مياه الآبار غير الخاضعة للمعالجة. مما قد يشكل خطرا على صحة المواطنين وسلامتهم، حيث سجلت الجمعية طوابير من النساء أمام سقايات عمومية، وهناك فئة أخرى تشتري المياه المعدنية مما يعني التخلي عن شرب مياه الصنابير وارتفاع فاتورة الماء الشروب.
وسبق للجمعية أن نبهت لتهديد العطش ساكنة المدينة الحمراء منذ ما يفوق عن 10 سنوات، كما ذهبت إلى ذلك وكالة الحوض المائي بالجهة، مسجلة: " سوء تسيير وتدبير ومساهمة السياسة المتبعة في خلق الأزمة والاجهاد المائي، والتضحية بالحق في الماء الصالح للشرب، مقابل تلبية حاجات المنتجعات السياحية والفنادق وملاعب الغولف، والتستر عن حفر الآبار والثقوب والتواطئ في ذلك، مما شجع الفساد، الشيء الذي ساهم في استنزاف الفرشة المائية. فالفنادق تتواجد بها عدد من الآبار قد تكون مرخصة وغير مرخصة، إضافة الى أنه يجهل حجم المياه المستهلكة، أما ملاعب الغولف فتستنزف لوحدها ما يفوق 25 مليون متر مكعب من المياه، كانت سابقا من المياه السطحية والجوفية الصالحة للشرب، قبل أن يتم استعمال مياه محطة المعالجة وإعادة استعمال المياه العادمة، ورغم ذلك لازالت هذه الملاعب تستهلك جزءا من المياه الصالحة للشرب" ، يضيف بيان الجمعية.
واستعرضت الجمعية في بيانها أمثلة عن استنزاف ملاعب الكولف اللفرشة المائية بجهة مراكش، مشيرة لكمية مياه السقي التي تستهلكها، " فملعب أملكيس يستهلك 2،5 مليون متر مكعب سنويا ، وهناك ملاعب تصل كمية الماء المستهلك ما بين 700 الف و 1،5 مليون مكعب حيث أنه بمراكش توجد 21 ملعبا للغولف اغلبها من 18 حفرة، وبها بعض الملاعب يصل عدد الحفر بها 27 وضمنها واحد تابع لشركة الضحى العقارية مشيد على مساحة 220 هكتار ، وإضافة إلى سقي العشب، يتم سقي الأشجار والحدائق، وملء البرك المائية وتغدية الأودية الاصطناعية التي تتوفر عليها بعض الملاعب، خاصة التي تحمل لمسة أمريكية".
وحسب الأخصائيين فملاعب الغولف تحتاج للسقي يوميا وإلى كميات مهمة من الماء، فملعب الغولف الواحد يستهلك في يوم واحد ما يعادل كمية المياه التي تحتاجها أسرة مكونة من 4 أفراد على مدى 10 سنوات. كما أن ما يستهلكه فندق واحد من صنف 5 نجوم من الماء يساوي ما تستهلكه 10 آلاف نسمة من الساكنة بمراكش.
شبح العطش يبقى قائما
وتسجل الجمعية أن هذه السياسية ساهمت في استنزاف حاد للموارد المائية الجوفية والسطحية، كبدت الفرشة المائية استنزافا متواصلا أدى إلى نضوب بعض الآبار والثقوب وافقد الأحواض المائية ملايين أمتار المكعبات من الماء قد تصل 10 ملايين متر مكعب في السنة ، وقد وصل مؤخرا العجز في العرض المائي نسبة 40% .مما ادى الى تواصل تدني المخزون المائي ، وتسبب في التخلي عن بعض الأنشطة الاقتصادية، خاصة الفلاحية، بسبب نضوب مصادر المياه بالمناطق الأكثر استغلالا، وجعل مجموعة من الجماعات الترابية تجد صعوبات في تأمين مياه الشرب، وقد امتد هذا إلى المجال الحضري لمدينة مراكش، فرغم تحويل كمية من مياه أم الربيع من سد المسيرة، فشبح العطش يبقى قائما.
وتحمل الجمعية المسؤولية للجهات المعنية تبعات الوضع المخيف لنذرة مياه الشرب، الناتج ليس فقط عن عوامل المناخ، بل أساسا على سوء التسيير، وغياب النجاعة في التدبير، والتفريط في الموروث المائي الايجابي وعدم تعزيزه وتحديثه واستثماره لمواجهة الأزمة، وتعتبر أن الدولة مسؤولة عن غياب الأمن المائي، وتبديد إحدى الثروات التي بدونها تستحيل الحياة.
وتسجل الجمعية أن المشكل الأساسي هو مدى توفر الجودة، ومعاييرها الدولية في ظل تفاقم أزمة الماء، ليس فقط نتيجة العامل الطبيعي بل نتيجة تراكم سوء التدبير والتسيير، وفشل السياسة المائية؛ وأن السلطات واللجنة المكلفة بالماء على مستوى المدينة، وكذا الولاية، تتسابق الزمن لحل مشكل الخصاص فقط، دون مراعاة للجودة ومعاييرها. وجعل حق الساكنة في الماء الشروب ذات أولوية وفوق كل اعتبار، وضمانه وفق معايير علمية وصحية تحترم الجودة الوقف الفوري لاستغلال المياه الصالحة للشرب سواء الجوفية أو السطحية في غير محلها، والتصدي بحزم للاستغلال العشوائي لحفر الآبار والثقوب بشكل غير قانوني، وكذا تعميم مشاريع تصفية المياه العادمة وتصريفها لسقي ملاعب الغولف والحدائق وكل الفضاءات الخضراء. بالإضافة إلى تقوية المراقبة واعتماد معايير الشفافية والخضوع لسلطة القانون في كل ما يتعلق باستعمال الماء خاصة فيما يسمى المنتجعات السياحية المتواجدة خارج المدار الحضري.
