الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: غزة لا تصلح لدولة الخلافة...

عبد الحميد جماهري: غزة لا تصلح لدولة الخلافة...

من سوء حظ فلسطين أن كل دول الخلافات تشيد بعيدا عنها، وأن دولة الأنبياء، كما يريدها المتطرفون، تضع حجرها الأساس في ضواحي تورا بورا أو.. في مثلث الموصل نينوى وتكريت.

لا أحد يفكر في الله في يافا...

إسرائيل، التي فطنت إلى اللعبة الرهيبة، تعرف أن الوقت المناسب للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني هي بالذات اللحظة التي تكون فيها الأمة مشغولة بحروب الخلافة، والتوقيت المناسب لإعلان عودة الخلفاء الراشدين إلى الطولك الشو.. والفضاء الإلكتروني.

تعرف، بسليقة الدم وبرائحة الجريمة أن المسلمين، عندما يغرقون في تفصيل الجنة إلى مفازات سياسية في أفغانستان أو في طهران، في حلب أو في بغداد، يكونون مستعدين لكي تنزل من السماء حرائق الجحيم على الأطفال الفلسطينيين.

هي تقول باستمرار أن أرض فلسطين، مقدسة لدى كل الديانات، لكنها الأرض الموعودة بالنسبة لليهود.

كل الدول النبوية التي تم إعلانها في العالم الإسلامي، تصر على أن تعود الجثث الفلسطينية إلى الدور الثاني في الترتيب الدولي للحدث.

عندما سيفرغون من حروب "داعش" و"الغبراء"، ومن حروب الردة ومسيلمة الكذاب، ومن قتال المرتدة سجاح، وزوجها مالك، سيفرغون إلى ألف فلسطيني يشرب الرصاص الدائب في علب دانون، وفوق أرجوحات القتل الأممي.

العالم مشغول بخطبة البغدادي، وسيعود إلى القدس قريبا.

وقريبا سيعرف العالم بأن إسرائيل تنتقم لمقتل ثلاثة من مراهقيها، من شعب لم يثبت بأنه القاتل: الثابت فقط أنه جزء من أمة منشغلة تماما في توزيع أراضيها بين فيالق الموت، ومشغولة باستنساخ ماضيها في.. الموصل وحلب.

يفاجأ العالم بأننا نطلب منه حقن دمائنا في غزة: لماذا تريدون منا أن نحقن دماء لا تحقنونها؟

نسأل العالم، ونحن نضمد جراحنا على عجل بين قذيفتين

كيف؟ 
يجيبنا العالم وعينه على حمص: إنها نفس البراميل، ويجيب وعينه على بغداد، إنها نفس القذائف: ألا تموتون جدا، بتطوع إرادي في بلدانكم، فلماذا تشعرون بالتناقض عندما يقتلكم عدوكم.
أنتم جيدون في موتكم المشترك؟

هذا، يعفي الضمير العالمي نفسه من عذاب التأنيب، بفضل الخليفة الجديد، وبفضل الخليفة الذي بنى مسجد قباء في قندهار، وباسم.. الحاكم المستبد الذي يقيم في المسافة أعلى من النبي.. وأقل من الله، في انتظار أن يبيد شعبه كاملا ويصبح قرينا بالرب.

غزة ليست سؤالا نضاليا اليوم، ولا سؤالا وطنيا للتحرير، إنه محك لمنطق الأمة في العيش من أجل أرضها ومن أجل الاستقلال.

ومن غريب الخلافة الجديدة أن الدول المحتلة لا تحرر لقيام الخلافة، فهذه الأخيرة تقوم على.. دول مستقلة في الخراب.

على دول ما بين الاحتلال (العراق) وما بعد الاستبداد (سوريا).. وفي البعيد حيث الله سبحانه وتعالى يعاد تعريفه بناء على الموقف من الحرب الباردة.

حيث الفلسطيني عزام مشغول بتحرير كابول من باراتها، عوض تحرير عكا من دبابات الجيش الصهيوني الغاصب.

هكذا هم، يبنون الخلافة قبل المسجد الأقصى.. ويسرون بأتباعهم إلى كهوف تورا بورا قبل أن يسرى الله بعبد الله إلى المسجد الأقصى..

وتجد إسرائيل أن دولتها اليهودية، تتأكد في هويتها بهوية الباحثين عن خلافة بعيدا عنها.

وتتأكد مع القتلى الذين يرصهم الداعشون قبل أن ترصهم هي بالطائرات: نحن نذبح، ولا نقذف بالطائرات..

نحن نحب الخيل والسيوف وقطع الأيدي،

والطائرات للعدو.. فقط!

غزة لا تصلح لدولة الخلافة، غزة من أجل دولة حرة، تعيش عصرها، حتى بالدم وتعيش زمانها حتى بالقتل الإسرائيلي المتجدد.

الضمير العالمي سيذهب إلى النوم وهو خائف من خلافة بغداد. وهو يتساءل عن مصير المسلسلات السورية مع تزايد القصف وتزايد اللحي..

وأمام الجنون الذي يصيب أمة تبحث عن مقابل أرضي للجنة فوق الأنقاض وتحت المدافع، سيترك غزة، مثل الدليل على أن جريمة بلا عقاب ممكنة في عهد «الحلفاء الراشدين» في تل أبيب!!