الجمعة 7 فبراير 2025
كتاب الرأي

يونس التايب: حتى لا نكون حطبا لنيران يشعلها الأعداء لإحراقنا

يونس التايب: حتى لا نكون حطبا لنيران يشعلها الأعداء لإحراقنا يونس التايب

لا شك أن تتبع الشأن العام واجب، وانتقاد الفساد مسؤولية وطنية، والمطالبة بتصحيح الاختلالات المعروفة في عدد من القطاعات ضروري. لكن المسؤولية تقتضي منا التدقيق فيما نكتبه وما نقوله ونروج  له، وعدم السقوط في فخ تضخيم الأمور ب "الهضرة الكبيرة" التي لا تمت للحقيقة بصلة ...

علينا، ونحن نتفاعل مع واقعنا، أن نستحضر أن هنالك في بلد نعرفه، من يمارسون "الإعلام بمنطق الضباع" ويشتغلون على استدامة الفتنة وحرب التحريض والبروباجندا ضد المغرب. وهنالك ثكنة عسكرية تسمى "ثكنة بن عكنون"، يعمل فيها فريق مكون من 3000 عنصر عسكري استخباراتي، مهمتهم الوحيدة هي رصد ما يكتبه المؤثرون المغاربة، وما يتعلق به المواطنون المغاربة، وتتبع تصريحات الإعلاميين والسياسيين، وتحريك عملية ترويج إلكتروني على نطاق واسع، عبر حسابات وهمية ولوغاريتمات معلوماتية خاصة، لجعل مواد تافهة ومسيئة تنتشر في العالم لتحدث أثرها المشوه للبلد الذي يراد النيل من صورته وسمعة مؤسساته. فلا نكن نحن حطبا لنيران يشعلوها المتربصون ببلادنا، لتأكلنا وتنال من مصالح وطننا ومواطنينا.

للأسف، في هذا السياق صادفت فيديو يشكل مثالا حيا لعبث التعاطي مع مشاكل عادية يمكن أن تحدث في كل بلدان العالم. وقد تم بث الفيديو في حدود الساعة الواحدة صباحا من هذه الليلة (كأننا بصدد حالة استعجالية أو كارثة هجوم على التراب الوطني !!!)، من طرف مؤثر مشهور بانتقاده المستمر لكل شيء في هذا الوطن، دخل على خط شنآن وقع بين 5 أساتذة مغاربة وطاقم طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية، باستعمال نفس لغة التضخيم والمغالاة التي توصلنا في النهاية إلى إبراز بلادنا بشكل سيء

لذلك، أردت التفاعل حول الحادث لسببين اثنين هما :

-أولا، لأن الحادث قد يتكرر، ويتعين أن نرفع الوعي بالقواعد القانونية التي تضبط السفر بالطيران، لأن تجاوزها فيه خطر الوقوع في مخالفات تتعاطى معها سلطات الطيران بصرامة، وفي بعض الدول يصل الأمر حد التحقيق المعمق من طرف مصالح الأمن، قبل طي الملف إذا تبين أن الأمور عادية؛

- ثانيا، لأن الحادث يرتبط بطائرة للخطوط الملكية المغربية، وقد انطلق البعض في حملة تشويه بناء على رواية طرف واحد هم الأساتذة المتضررين مما وقع. وبتعين تصحيح الصورة حتى لا تتم الإساءة لشركة مغربية لها حضور محترم في القارة الإفريقية، ولو أن البعض لهم استعداد مبدئي لتسفيه كل شيء يرتبط بهذه البلاد، ومنح هدايا مجانية لمن يتربصون بنا وبمصالح وطننا.

في رأيي، بشكل مبدئي كل التقدير للأساتذة الخمسة الذين تعرضوا لحادث نتج بسبب شنآن حول تغيير الأساتذة المعنيين لمقاعدهم قبل إقلاع الطائرة. لكن، إلى حدود الساعة، وصلتنا فقط رواية طرف واحد هم الأساتذة، والقصة قد يكون فيها تفاصيل وجزئيات لم يتحدث عنها من قدموا روايتهم بالشكل الذي أشرت إليه. طبعا، الانتقاد متاح لكنه يكون موضوعيا بعد اكتمال كل المعطيات.

ما لا يعرفه كثير من الناس هو أن تغيير المقعد قبل إقلاع الطائرة يعتبر في عدد من الدول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، فعلا ممنوعا لأن فيه شبهة أمنية شديدة الخطورة قد تستدعي تدخل الأمن. وفي الحالة التي بين أيدينا، كان ممكنا ألا يتطور الشنآن بشكل سلبي لو انتصرت الحكمة والهدوء، عوض الانفعال والحمية، وكان على الأساتذة المعنيين أن لا يغيروا أماكنهم إلا بعد إقلاع الطائرة، وبعد طلب إذن من طاقمها. وبعد نشوء سوء التفاهم بينهم وبين طاقم الطائرة، كان عليهم الاعتذار والعودة للمقاعد التي في التذاكر، دون كثرة الهضرة.

ذلك السلوك الإيجابي كان، ربما، سينهي الموضوع ويجنبهم ما وقع. وبصراحة، أتساءل لماذا لم يتم ذلك. ما أعرفه عن الأساتذة المحترمين أنهم لا يبادرون إلى سلوكات ارتجالية، وإذا فعلوا ذلك وتبين لهم وقوعهم في الخطأ، يعتذرون ويعودون عن فعلهم، وليس يزايدون، حتى لو كان بينهم عميد وفاعلون سياسيون

بالتأكيد، كما نطالب الناقل الوطني "لارام RAM" بتجويد خدماته وضبط  أثمان التذاكر لتشجيع المغاربة على السفر، علينا أن ندافع عن تلك الشركة، أو على الأقل أن لا نسيء إلى صورتها، و لا نؤثر في تنافسيتها التجارية عبر ترويج قصص لم تحدث بالضرورة بالسيناريو الذي تم نقله في الخبر. علينا أن نلتزم بذلك السلوك ليس لأن لنا أسهم في الشركة، بل لأنها شركة يشتغل فيها مغاربة وتساهم في الاقتصاد الوطني بشكل إيجابي ... !!!!

الشركة ليست مقدسة، والعاملون فيها قد يسقطون في أخطاء مهنية أو تواصلية، و يتعين تعميم توضيح بشأنها لتتضح الصورة، خاصة أن الفيديو الذي بثه اليوتوبور (ح.م) المتخصص في جلد الذات المؤسساتية المغربية، لم يكن موفقا لعدة أسباب، من بينها أن الأساتذة الجامعيين، كغيرهم من أبناء الوطن، لهم الاحترام والتقدير الواجب في حدود القانون والسلوك المواطن، ومسألة القيمة الاعتبارية تكتسب بالتحلي بأعلى درجات الرزانة و الحكمة و الابتعاد عن السجالات التي يستيقظ لها، في جوف الليل، من ينفخ في كل خلل ليعيش بترويج خطابات شعبوية ومزايدات لا سقف لها.