لا يمكن لجسور التواصل الممتدة بين النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بوزان في شخص نائب وكيل الملك يونس الدغاني، بصفته رئيس خلية التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف بذات المحكمة، وخديجة بنعبد السلام، المديرة الاقليمية للتربية الوطنية والتعليم الأولي، ومحمد حمضي، عضو الآلية الجهوية التابعة للمجلس الوطني لحقوق الانسان بدار الضمانة، ورجاء الكنوني الإطار الاجتماعي بجمعية نسائية، (لا يمكن) للتشاور المفتوح بينهم أن يمر من دون أن يترك أثرا ايجابيا على الأطفال ضحايا كل أشكال العنف.
مناسبة هذه التوطئة ما تم تسجيله من اجتهاد من داخل المرجعية الدستورية والقانونية الوطنية، في علاقتها بالمرجعية الحقوقية الدولية التي جعلتها المملكة المغربية في دستور 2011 تسمو على التشريعات الوطنية. انتهت بترجيح كفة المصلحة الفضلى للطفل وخصوصا المتعلمات والمتعلمين الذين أنقذهم تظافر جهود مختلف المتدخلين، يتقدمهم رئيس خلية التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، من المصير المجهول، فعادوا لحجز مقاعدهم/ن بالمدرسة كحق من سلة الحقوق التي يحميها دستور المملكة لأطفاله ذكورا وإناثا.
بتاريخ 16 نونبر الأخير أنصف قرار للنيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بوزان تلميذة وشقيقها من التيه والضياع، وهما اللذان يقبع والديهما بسجن بجهة مراكش حيث يقضي عقوبة ثقيلة.
الأم لأسباب اجتماعية تهمها، ارتأت نقل طفليها من وزان لمتابعة دراستهما بمدينة القنيطرة، لكن مدير مؤسسة تعليمية بوزان حيث يتابعان دراستهما، امتنع عن تسليمها قرار المغادرة لعدم توفرها على حكم يسمح لها بالحضانة، ولأنه ملزم بالتقيد بمذكرة الوزارة الوصية !وبعد عملية النبش الدقيق الذي قام به السيد رئيس خلية التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف ، سيكتشف على أن عقد الطلاق لا يتضمن الاشارة للأطفال نهائيا ، ولا لمن يتكفل بحضانتهما !
كان هذا هو المدخل الذي من خلال نافذته أطلت النيابة العامة (رئيس الخلية) على حديقة حقوق الطفل، وخصوصا البقعة المحجوزة بها للمصلحة الفضلى للطفل. اطلالة من خلال اجتهاد موفق نتج عنه حصول والدة التلميذة والتلميذ على قرار نقلهما لمدينة القنيطرة.
نقرأ في الاجتهاد المذكور الذي زاوج بين الشرعة الوطنية والدولية لحماية حق من حقوق الانسان الخاصة بالأطفال، ما يلي :
وحيث إن حق التعليم حق أساسي دستوري كفلته القوانين الوطنية المغربية وكذا مجموعة من المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.
وحيث إن للأطفال على أبويهم اتخاذ كل التدابير الممكنة لضمان التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع، وأن يهيؤوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني طبقا لمقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة.
وحيث أن الاتفاقيات الدولية ، وخاصة اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب بموجب الظهير رقم 493.34 المؤرخ في 14 يونيه 1993 وخاصة المادتين 28 و 29 ، تضع في اعتبارها حق الطفل في التعليم ، وإنه وتحقيقا للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجيا وعلى أساس تكافؤ الفرص أوجبت اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة ( ه/1 من المادة 28) وحيث أن المادة 165 من مدونة الأسرة تنص على أنه " إذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبلها ، أو وجد ولم تتوفر فيه الشروط رفع من يعنيه الأمر أو النيابة العامة الأمر إلى المكمة لتقرر اختيار من تراه صالحا من أقارب المحضون أو غيرهم ، وإلا اختارت إحدى المؤسسات المؤهلة لذلك"
وحيث حددت المادة 171 من نفس المدونة مستحقي الحضانة بالتراتب، وجاء على رأسهم الأم لما لها من ارتباط وثيق بأطفالها حيث نص على أنه " تخول الحضانة للأم، ثم للأب ثم لأم الأم ..."
وحيث وبعد دراسة ملف ووثائق الطلب، تبين لهذه النيابة العامة أن مفارقها يقبع بالسجن ......من أجل قضية خطيرة .... بالإضافة إلى أنه محكوم لمدة عشرة سنوات سجنا، كما أنها هي من تتكفل بهم وبالتالي فهي تعتبر الولية الشرعية عليهم .
وحيث إن المصلحة الفضلى للطفلين تقتضي توفير الظروف الملائمة لمتابعة دراستهما. وحيث وتأسيسا على ما ذكر، نوجه إليكم هذا الكتاب قصد العمل على الاستجابة لطلب المعنية بالأمر بالموافقة على تسليمها انتقال التلميذين... اللذين يتابعان دراستهما بمؤسستكم إلى مدرسة ....بالقنيطرة مراعة لمصلحتهما الفضلى وعدم حرمانهما من متابعة دراستهما .
اجتهاد سليم ما في ذلك شك، انتهى بإنصاف طفلة وشقيقها، وضمن لهما حقهما المحمي بسياج الشرعة الوطنية والدولية ذات الصلة، بحجز مقعديهما بالمدرسة العمومية، تحت رعاية والدتيهما التي توفر لهما الدفء والحنان اللذان سيخفف عنهما آثار الجروح النفسية الغائرة التي يحفرها في نفسيتيهما وجود والديهما وراء القضبان.
ولكن هذه القضية في حد ذاتها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الاحتقان الذي تعرفه العلاقة بين الوالدين بالكثير من الأسر المغربية، المدرجة تفاصيلها أمام أقسام قضاء الأسرة بالمحاكم المغربية، فاتورته المثقلة بالمعاناة أطفال اليوم، مغاربة الغد هم/ن الذين يؤدوها. لذلك، وبلادنا في حمأة النقاش الوطني المتعلق بإصلاح مدونة الأسرة، وجب استحضار المصلحة الفضلى للطفل في متن التعديلات التي يجب أن تطال المدونة، وذلك بالتفصيل في هذا الحق بدل الاحتفاظ بالعنوان الكبير الذي يفتح - مع الأسف - باب التأويل على الماضي ، وتلك قضية عانت منها مدونة الأسرة كثيرا
