لم يعد المغرب يسير مغمض العينين إلى حيث تريد أوروبا ماكرون، لأنه مل من "ازدواجية" بروكسيل التي تظهرها كلما تعلق الأمر بمصالحه الحيوية، وعلى رأسها قضية وحدته الترابية؛ ولم يعد ذلك البلد الذي ينتظر على مدار الساعة ماذا ستقرر بشأنه باريس أو مدريد أو برلين. السر يكمن، كما يذهب إلى ذلك العديد من الخبراء الاستراتيجيين، في العلاقة المهيبة والمهذبة التي صارت تربطه بواشنطن. ذلك أن الحلقة "الإيجابية" و"الاستثنائية"، في سلسلة العلاقات الثنائية الطبيعية والتاريخية، بدأت بالفعل بعد "اتفاق أبراهام" (22 دجنبر 2020)، وإقرار واشنطن بوضوح تام بالسيادة المغربية على الأراضي الصحراوية. هذا في الوقت الذي ظلت فرنسا في موقف المتأرجح، فلا هي داعمة بشكل واضح ونهائي لمغربية الصحراء، ولا هي مساندة للأطروحة الجزائرية الداعمة للانفصاليين. وهذا الامتناع عن الالتحاق بالموقف الأمريكي، فضلا عن النفاق الفرنسي المتكبر، هو ما أدى، في وقت لاحق، إلى الأزمة الصامتة بين الرباط وباريس، بل إلى إقدام ماكرون على "قفزة حرة" نحو قصر المرادية محاولة منه لابتزاز المغرب وإرغامه على القبول بواقع الحال والأمر الواقع. والحال أن المغرب أفصح على أعلى مستوى بأنه يقيس شراكاته وتحالفاته بنظارة الصحراء، ولا شيء غير الصحراء.
لم يضع المغرب شروطا لشراكاته، ولم يرفع من نبرته القوية إلا بعد أن "دفأ" مصالحه بالعلاقة مع واشنطن، على المستوى الأمني والعسكري والاقتصادي والتجاري. فها هي الإدارة العامة للأمن الوطني قد دأبت على استقبال عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وكان آخرها هو استقبال عبد اللطيف حموشي لوليام بورنز الذي كان مرفوقا ببعض من كبار مساعديه، فضلا عن بونيت تالوار، سفير الولايات المتحدة الأمريكية المعتمد بالمغرب. وقال بلاغ في الموضوع إن هذا اللقاء "يندرج في سياق الاجتماعات الثنائية بين الطرفين، ويشكل مناسبة لمتابعة تنزيل مخرجات زيارة العمل التي قام بها المدير العام لمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال يومي 13 و14 يونيو 2022، والتقى فيها بكل من أفريل هاينز، مديرة أجهزة المخابرات الأمريكية، ووليام بورنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وكريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي".
وقد تمحورت المباحثات "حول تقييم الوضع الأمني والمخاطر المرتبطة به على المستويين الإقليمي والجهوي، ودراسة التهديدات والتحديات الأمنية الناجمة عن توتر الأوضاع في بعض مناطق العالم، فضلا عن رصد واستشراف مخاطر التنظيمات الإرهابية، خاصة بمنطقة الساحل والصحراء".
وتعكس هذه الزيارة، وفق البلاغ نفسه، "متانة وعمق علاقات التعاون الاستراتيجي والتنسيق الأمني والاستخباراتي بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية، كما أنها تأتي كذلك لتأكيد الرغبة المشتركة للطرفين في تدعيم هذا التعاون، وتوطيد التنسيق البيني في مجال مكافحة الإرهاب والتصدي لمختلف التهديدات الأمنية على الصعيدين الإقليمي والدولي".
وليست هذه هي المرة التي يزور فيها مسؤولون أمنيون أمريكيون الرباط إذ سبق لعبد اللطيف حموشي أن استقبل، في زيارة مماثلة تمت في شهر يونيو الماضي، كريستوفر ري، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، وأفريل هينز، مدير المخابرات الوطنية الأمريكية، وويليام بيرنز ، مدير وكالة المخابرات المركزية، وذلك بعد إشادة كبيرة بدور أجهزة الأمن المغربية وكفاءتها في توقيف أخطر الملاحقين من العدالة الأمريكية ومطاردتهم واعتقالهم، وخاصة الملاحقين في جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال القاصرين، فضلا عن الجرائم الإلكترونية التي استهدفت شركات دولية كبيرة مقرها في الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى تمتين العلاقات بين البلدين على أساس الاعتراف بالكفاءة وتبادل الخبرات، وأيضا على أساس التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب، وشتى أنواع الجريمة المنظمة والعابرة للقارات.
ففي فبراير الماضي، سلطت وزارة الخارجية الأمريكية الضوء على نهج المغرب الأمني اليقظ ضد تهديدات الإرهاب في تقرير الإرهاب القطري لعام 2022. كما شددت على أهمية التعاون بين البلدين ضد الإرهاب. حيث ذكرت، في تقريرها، أن للولايات المتحدة والمغرب "تاريخ طويل من التعاون القوي" في مكافحة الإرهاب ، مشددة على أن الدولة الواقعة في شمال إفريقيا "واصلت استراتيجيتها الشاملة التي تتضمن تدابير أمنية يقظة، وتعاونًا إقليميًا ودوليًا، وسياسات لمكافحة التطرف".
ولا يقف التعاون بين الرباط وواشنطن عند هذا الحد، فقد جددت العاصمتان التزامهما بمواصلة تعزيز التعاون العسكري لمواجهة كل التهديدات، بما فيها التهديدات الإقليمية، وذلك خلال زيارة مارك ميلي، رئيس أركان الجيوش الأمريكية، في مارس الماضي (2023) للرباط على رأس وفد أمريكي كبير، حيث أجرى محادثات مع كبار المسؤولين العسكريين في المغرب، بمن فيهم المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية السابق، بلخير الفاروق (تم تعويضه في 22 أبريل الجاري بالجنرال دوديفيزيون الفريق محمد بريظ)، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف الوديي. وقال ميلي إن المغرب "شريك وحليف كبير" للولايات المتحدة، مُقرا بأن بأهمية المناورات العسكرية "الأسد الأفريقي" التي يحتضنها المغرب منذ 18 عاما برعاية أمريكية؛ وهي المناورات التي من المنتظر أن تجري هذه السنة (2023) في شهر ماي، حسب ما كشف عنه الاجتماع التخطيطي الذي احتضنه المقر العسكري لهيئة الأركان العامة للمنطقة الجنوبية بأكادير في يناير الماضي. ويرتقب أن تجيب مناورات "الأسد الإفريقي" على المشاكل الأمنية المعقدة التي تواجه العديد من البلدان والاستجابة لاحتياجاتها من خلال التدريب الجماعي والراقي عبر مجالات متعددة في المجال الأمني.
إضافة إلى ذلك سبق للأدميرال الأمريكي نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة كريستوفر و. جرادي، أن أستقبل في نونبر 2022 بمقر البانتاغون ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية الفريق بلخير الفاروق. وهو الاجتماع الذي أسفر عن بيان لهيئة الأركان الأمريكية المشتركة اعتبر أن "الاجتماع كان بمثابة فرصة لمناقشة التعاون الأمني وتعزيز الجاهزية العسكرية بالإضافة إلى "البنود الأخرى ذات الاهتمام المشترك".
وخلص البيان إلى أن كلا من المغرب والولايات المتحدة تربطهما علاقات "عسكرية ثنائية قوية" تساهم في استقرار وأمن شمال إفريقيا.
وعلى النهج نفسه، سار رئيس قيادة "أفريكوم" الجنرال مايكل لانجلي، في أكتوبر الماضي، وقال "إن التعاون العسكري بين البلدين "مبني على روابط تاريخية عميقة تعود إلى تاريخ تأسيس الولايات المتحدة". مؤكدا التزام الطرفين بدعم السلام والأمن الإقليميين "أقوى من أي وقت مضى".
إن ما يبين المستوى الرفيع للعلاقات العسكرية بين البلدين هو موافقة وزارة الخارجية الأمريكية، خلال هذا الشهر (أبريل 2023) على تزويد الجيش المغربي بأنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة (HIMARS) والمعدات ذات الصلة، بتكلفة تقدر بـ 524.2 مليون دولار. وهي الصفقة التي ترى واشنطن أنها "ستساعد في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج الناتو، مازال يمثل قوة مهمة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في إفريقيا"، كما ستعمل "على تحسين قدرة المغرب على التعامل مع التهديدات الحالية والمستقبلية، والمساهمة في قدرة المملكة على اكتشاف التهديدات والسيطرة على حدودها، وبالتالي المساعدة في الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليميين"، فضلا عن "تحسين قابلية التشغيل البيني للقوات المسلحة الملكية (FAR)، التي تتدرب بانتظام مع القوات الأمريكية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والمنظمات المتطرفة العنيفة (VEO) في منطقة المغرب العربي والساحل".
إن هذه الصفقة، ونظرا لأهميتها الاستراتيجية القصوى في التوازن العسكري الإقليمي، هزت أركان دول الجوار، وعلى رأسها الجزائر المطمئنة إلى "قوتها العسكرية الضاربة" بسبب إمعانها في التبضع من خردوات السلاح الروسي وبقايا "الحرب الباردة"، إضافة إلى اليمين الإسباني، حيث عبر رئيس الحكومة (السابق) وزعيم الحزب الشعبي (السابق)، خوسي ماريا أثنار، عن قلقه من الاتفاقية العسكرية الأخيرة بين المغرب والولايات المتحدة، معتبرا بغطرسته المعهودة أنها ستفقد إسبانيا نفوذها على الساحة الدولية. وقال إن الاتفاق العسكري بين الولايات المتحدة والمغرب يكشف أن إسبانيا "لديها نفوذ أقل" في أمريكا، وأن الرئيس الأمريكي ، جو بايدن ، يفضل العلاقات القوية التي تجمع واشنطن بالرباط.
ويرى بعض الخبراء أن واشنطن وافقت على طلب المغرب بسبب "إرغام عسكري" والحاجة إلى زيادة قدراته الدفاعية والأمنية في ضوء البيئة الإقليمية الحساسة والرغبة في التخطيط لأنواع مختلفة من السيناريوهات، بما في ذلك أسوأ السيناريوهات التي تنطوي على انهيار العلاقات مع دول الجوار، وخاصة مع الجزائر التي اختارت التصعيد وجاهرت باستعدادها للخيار الحربي في أكثر من مناسبة، وعلى أعلى مستوى (رئيس الجمهورية وقائد الأركان العامة).
إن التعاون المغربي الأمريكي في مجالات متعددة، أمنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا، يندرج في إطار شراكة تاريخية لم تتوقف أبدا عن التماسك، عكس العلاقة المتقلبة وغير المستقلة مع فرنسا والعديد من الدول الأوروبية التي لم تستفق بعد من "الحقبة الاستعمارية".
لقد اختارت باريس أن تتمسك بموقفها "الرمادي" من قضية الصحراء وأن تتحرش بالمغرب محليا ودوليا وتلطخ سمعته في البرلمان الأوروبي وتستصدر قرارات لإحراج مؤسساته السيادية، بينما اختارت واشنطن أن توزع الإعلان الرئاسي الأمريكي (الذي يعترف بالسيادة الكاملة والتامة للمغرب على صحرائه) على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن، باللغات الـ6.
لقد اختارت الولايات المتحدة الأمريكية أن تدعم المغرب وآمنت بحقه في تعزيز شراكاته مع حلفائه الحقيقيين، بينما حافظت فرنسا على خيار الابتزاز للحفاظ على مجالها الكولونيالي، والاستفادة من الريع الجيوستراتيجي الذي تتيحه العلاقات المتوترة بـ"إحكام" بين الرباط والجزائر.
لقد صرح السفير الأمريكي، بونييت تالوار لحظات بعد تعيينه في الرباط، إن بلاده تولي "قيمة كبيرة" للعلاقة الاستراتيجية مع المغرب، وأنه تولى هذه المهمة الحاسمة لـ"تعميق جميع أبعاد شراكاتنا حتى نتمكن من العمل معا "لضمان الازدهار والأمن لمواجهة التحديات المشتركة".
لقد وجد المغرب والولايات المتحدة الأمريكية دائما نفسيهما في الجانب نفسه من التاريخ. سواء أكانت الحرب العالمية الثانية، أم الحرب الباردة، أم الحرب ضد الإرهاب، أم تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط وإفريقيا.. وها هو المغرب "يتدفأ" بتلك العلاقة المتميزة التي أثارت غضب "ماما فرنسا" وأظهرت غيرتها ونظرتها الاستعلائية الحاقدة نحو حليف تاريخي تقليدي اسمه المغرب. كما أفرزت تغيرا حاسما في طبيعة حلفاء المغرب الاستراتيجيين بعد التحاق كل من إسبانيا وألمانيا وبلجيكا بأمريكا، وهي الدول التي ترى أن مقترح الحكم الذاتي المغربي هو أساس تسوية نزاع الصحراء.
لم يضع المغرب شروطا لشراكاته، ولم يرفع من نبرته القوية إلا بعد أن "دفأ" مصالحه بالعلاقة مع واشنطن، على المستوى الأمني والعسكري والاقتصادي والتجاري. فها هي الإدارة العامة للأمن الوطني قد دأبت على استقبال عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وكان آخرها هو استقبال عبد اللطيف حموشي لوليام بورنز الذي كان مرفوقا ببعض من كبار مساعديه، فضلا عن بونيت تالوار، سفير الولايات المتحدة الأمريكية المعتمد بالمغرب. وقال بلاغ في الموضوع إن هذا اللقاء "يندرج في سياق الاجتماعات الثنائية بين الطرفين، ويشكل مناسبة لمتابعة تنزيل مخرجات زيارة العمل التي قام بها المدير العام لمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال يومي 13 و14 يونيو 2022، والتقى فيها بكل من أفريل هاينز، مديرة أجهزة المخابرات الأمريكية، ووليام بورنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وكريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي".
وقد تمحورت المباحثات "حول تقييم الوضع الأمني والمخاطر المرتبطة به على المستويين الإقليمي والجهوي، ودراسة التهديدات والتحديات الأمنية الناجمة عن توتر الأوضاع في بعض مناطق العالم، فضلا عن رصد واستشراف مخاطر التنظيمات الإرهابية، خاصة بمنطقة الساحل والصحراء".
وتعكس هذه الزيارة، وفق البلاغ نفسه، "متانة وعمق علاقات التعاون الاستراتيجي والتنسيق الأمني والاستخباراتي بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية، كما أنها تأتي كذلك لتأكيد الرغبة المشتركة للطرفين في تدعيم هذا التعاون، وتوطيد التنسيق البيني في مجال مكافحة الإرهاب والتصدي لمختلف التهديدات الأمنية على الصعيدين الإقليمي والدولي".
وليست هذه هي المرة التي يزور فيها مسؤولون أمنيون أمريكيون الرباط إذ سبق لعبد اللطيف حموشي أن استقبل، في زيارة مماثلة تمت في شهر يونيو الماضي، كريستوفر ري، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، وأفريل هينز، مدير المخابرات الوطنية الأمريكية، وويليام بيرنز ، مدير وكالة المخابرات المركزية، وذلك بعد إشادة كبيرة بدور أجهزة الأمن المغربية وكفاءتها في توقيف أخطر الملاحقين من العدالة الأمريكية ومطاردتهم واعتقالهم، وخاصة الملاحقين في جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال القاصرين، فضلا عن الجرائم الإلكترونية التي استهدفت شركات دولية كبيرة مقرها في الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى تمتين العلاقات بين البلدين على أساس الاعتراف بالكفاءة وتبادل الخبرات، وأيضا على أساس التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب، وشتى أنواع الجريمة المنظمة والعابرة للقارات.
ففي فبراير الماضي، سلطت وزارة الخارجية الأمريكية الضوء على نهج المغرب الأمني اليقظ ضد تهديدات الإرهاب في تقرير الإرهاب القطري لعام 2022. كما شددت على أهمية التعاون بين البلدين ضد الإرهاب. حيث ذكرت، في تقريرها، أن للولايات المتحدة والمغرب "تاريخ طويل من التعاون القوي" في مكافحة الإرهاب ، مشددة على أن الدولة الواقعة في شمال إفريقيا "واصلت استراتيجيتها الشاملة التي تتضمن تدابير أمنية يقظة، وتعاونًا إقليميًا ودوليًا، وسياسات لمكافحة التطرف".
ولا يقف التعاون بين الرباط وواشنطن عند هذا الحد، فقد جددت العاصمتان التزامهما بمواصلة تعزيز التعاون العسكري لمواجهة كل التهديدات، بما فيها التهديدات الإقليمية، وذلك خلال زيارة مارك ميلي، رئيس أركان الجيوش الأمريكية، في مارس الماضي (2023) للرباط على رأس وفد أمريكي كبير، حيث أجرى محادثات مع كبار المسؤولين العسكريين في المغرب، بمن فيهم المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية السابق، بلخير الفاروق (تم تعويضه في 22 أبريل الجاري بالجنرال دوديفيزيون الفريق محمد بريظ)، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف الوديي. وقال ميلي إن المغرب "شريك وحليف كبير" للولايات المتحدة، مُقرا بأن بأهمية المناورات العسكرية "الأسد الأفريقي" التي يحتضنها المغرب منذ 18 عاما برعاية أمريكية؛ وهي المناورات التي من المنتظر أن تجري هذه السنة (2023) في شهر ماي، حسب ما كشف عنه الاجتماع التخطيطي الذي احتضنه المقر العسكري لهيئة الأركان العامة للمنطقة الجنوبية بأكادير في يناير الماضي. ويرتقب أن تجيب مناورات "الأسد الإفريقي" على المشاكل الأمنية المعقدة التي تواجه العديد من البلدان والاستجابة لاحتياجاتها من خلال التدريب الجماعي والراقي عبر مجالات متعددة في المجال الأمني.
إضافة إلى ذلك سبق للأدميرال الأمريكي نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة كريستوفر و. جرادي، أن أستقبل في نونبر 2022 بمقر البانتاغون ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية الفريق بلخير الفاروق. وهو الاجتماع الذي أسفر عن بيان لهيئة الأركان الأمريكية المشتركة اعتبر أن "الاجتماع كان بمثابة فرصة لمناقشة التعاون الأمني وتعزيز الجاهزية العسكرية بالإضافة إلى "البنود الأخرى ذات الاهتمام المشترك".
وخلص البيان إلى أن كلا من المغرب والولايات المتحدة تربطهما علاقات "عسكرية ثنائية قوية" تساهم في استقرار وأمن شمال إفريقيا.
وعلى النهج نفسه، سار رئيس قيادة "أفريكوم" الجنرال مايكل لانجلي، في أكتوبر الماضي، وقال "إن التعاون العسكري بين البلدين "مبني على روابط تاريخية عميقة تعود إلى تاريخ تأسيس الولايات المتحدة". مؤكدا التزام الطرفين بدعم السلام والأمن الإقليميين "أقوى من أي وقت مضى".
إن ما يبين المستوى الرفيع للعلاقات العسكرية بين البلدين هو موافقة وزارة الخارجية الأمريكية، خلال هذا الشهر (أبريل 2023) على تزويد الجيش المغربي بأنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة (HIMARS) والمعدات ذات الصلة، بتكلفة تقدر بـ 524.2 مليون دولار. وهي الصفقة التي ترى واشنطن أنها "ستساعد في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج الناتو، مازال يمثل قوة مهمة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في إفريقيا"، كما ستعمل "على تحسين قدرة المغرب على التعامل مع التهديدات الحالية والمستقبلية، والمساهمة في قدرة المملكة على اكتشاف التهديدات والسيطرة على حدودها، وبالتالي المساعدة في الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليميين"، فضلا عن "تحسين قابلية التشغيل البيني للقوات المسلحة الملكية (FAR)، التي تتدرب بانتظام مع القوات الأمريكية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والمنظمات المتطرفة العنيفة (VEO) في منطقة المغرب العربي والساحل".
إن هذه الصفقة، ونظرا لأهميتها الاستراتيجية القصوى في التوازن العسكري الإقليمي، هزت أركان دول الجوار، وعلى رأسها الجزائر المطمئنة إلى "قوتها العسكرية الضاربة" بسبب إمعانها في التبضع من خردوات السلاح الروسي وبقايا "الحرب الباردة"، إضافة إلى اليمين الإسباني، حيث عبر رئيس الحكومة (السابق) وزعيم الحزب الشعبي (السابق)، خوسي ماريا أثنار، عن قلقه من الاتفاقية العسكرية الأخيرة بين المغرب والولايات المتحدة، معتبرا بغطرسته المعهودة أنها ستفقد إسبانيا نفوذها على الساحة الدولية. وقال إن الاتفاق العسكري بين الولايات المتحدة والمغرب يكشف أن إسبانيا "لديها نفوذ أقل" في أمريكا، وأن الرئيس الأمريكي ، جو بايدن ، يفضل العلاقات القوية التي تجمع واشنطن بالرباط.
ويرى بعض الخبراء أن واشنطن وافقت على طلب المغرب بسبب "إرغام عسكري" والحاجة إلى زيادة قدراته الدفاعية والأمنية في ضوء البيئة الإقليمية الحساسة والرغبة في التخطيط لأنواع مختلفة من السيناريوهات، بما في ذلك أسوأ السيناريوهات التي تنطوي على انهيار العلاقات مع دول الجوار، وخاصة مع الجزائر التي اختارت التصعيد وجاهرت باستعدادها للخيار الحربي في أكثر من مناسبة، وعلى أعلى مستوى (رئيس الجمهورية وقائد الأركان العامة).
إن التعاون المغربي الأمريكي في مجالات متعددة، أمنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا، يندرج في إطار شراكة تاريخية لم تتوقف أبدا عن التماسك، عكس العلاقة المتقلبة وغير المستقلة مع فرنسا والعديد من الدول الأوروبية التي لم تستفق بعد من "الحقبة الاستعمارية".
لقد اختارت باريس أن تتمسك بموقفها "الرمادي" من قضية الصحراء وأن تتحرش بالمغرب محليا ودوليا وتلطخ سمعته في البرلمان الأوروبي وتستصدر قرارات لإحراج مؤسساته السيادية، بينما اختارت واشنطن أن توزع الإعلان الرئاسي الأمريكي (الذي يعترف بالسيادة الكاملة والتامة للمغرب على صحرائه) على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن، باللغات الـ6.
لقد اختارت الولايات المتحدة الأمريكية أن تدعم المغرب وآمنت بحقه في تعزيز شراكاته مع حلفائه الحقيقيين، بينما حافظت فرنسا على خيار الابتزاز للحفاظ على مجالها الكولونيالي، والاستفادة من الريع الجيوستراتيجي الذي تتيحه العلاقات المتوترة بـ"إحكام" بين الرباط والجزائر.
لقد صرح السفير الأمريكي، بونييت تالوار لحظات بعد تعيينه في الرباط، إن بلاده تولي "قيمة كبيرة" للعلاقة الاستراتيجية مع المغرب، وأنه تولى هذه المهمة الحاسمة لـ"تعميق جميع أبعاد شراكاتنا حتى نتمكن من العمل معا "لضمان الازدهار والأمن لمواجهة التحديات المشتركة".
لقد وجد المغرب والولايات المتحدة الأمريكية دائما نفسيهما في الجانب نفسه من التاريخ. سواء أكانت الحرب العالمية الثانية، أم الحرب الباردة، أم الحرب ضد الإرهاب، أم تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط وإفريقيا.. وها هو المغرب "يتدفأ" بتلك العلاقة المتميزة التي أثارت غضب "ماما فرنسا" وأظهرت غيرتها ونظرتها الاستعلائية الحاقدة نحو حليف تاريخي تقليدي اسمه المغرب. كما أفرزت تغيرا حاسما في طبيعة حلفاء المغرب الاستراتيجيين بعد التحاق كل من إسبانيا وألمانيا وبلجيكا بأمريكا، وهي الدول التي ترى أن مقترح الحكم الذاتي المغربي هو أساس تسوية نزاع الصحراء.