قال عطاء الله الأزمي (أستاذ باحث والكاتب العام للإئتلاف الوطني لترشيد الحقل اللغوي) إنه من المفترض ديمقراطيا وموضوعيا أن يتوافق المجتمع المغربي بمختلف مشاربهم ارتهانا لأحكام الدستور الجديد الذي يقر اللغتين العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين في البلاد حول لغة للتعليم وتوحيد اللغة في مختلف الإدارات العمومية والمقاولات الوطنية تماشيا مع روح الدستور مع الإنفتاح على اللغات الأجنبية. مضيفا أن هدف الائتلاف الوطني لترشيد الحقل اللغوي هو الوصول إلى ترشيد حقيقي متوافق بشأنه مع جميع الأطراف بمختلف مشاربها وتوجهاتها ومنطلقاتها وإيديولوجياتها استنادا إلى الدستور. وأشار في معرض حديثه لـ "أنفاس بريس" إلى دراسة أوروبية توقعت أن تحتل اللغة الصينية المرتبة الأولى عالميا واللغة الأردية المرتبة الثانية واللغة الإسبانية في المرتبة الثالثة في حين تحل اللغة العربية رابعة متقدمة على اللغة الإنجليزية التي ستحل في المرتبة الخامسة، وهو أمر فرض على الدول الأوروبية الإقرار بضرورة تعلم أبنائها اللغة الصينية واللغة العربية لمسايرة التطور الاجتماعي القادم. واعتبر عطاء الله أن هذا البحث الذي قام به 500 من الأكاديميين والباحثين الأوروبيين له دلالة قوية، داعيا إلى بناء تصور واضح ومتوافق بشأنه بين جميع الأطراف مع استبعاد الحسابات السياسوية الضيقة والصراعات المجانية التي قد تضيع الكثير من الوقت في اتجاه ترشيد الحقل اللغوي.
ومن جهته عبر جواد العراقي (عضو مؤسس للإئتلاف الوطني لترشيد الحقل اللغوي ورئيس جمعية المسار) في حديث لـ "أنفاس بريس" أن المغرب يعيش فوضى لغوية رغم كون دستور2011 يقر اللغة العربية كلغة رسمية وإلى جانبها اللغة الأمازيغية مسجلا همينة واضحة للغة الفرنسية التي تحولت إلى لغة وظيفية رغم كون المتحدثين باللغة الفرنسية من مغاربة فرنكفونيين وفرنسيين قليل جدا. مشيرا إلى أن الرهان على الفرنسية رهان خاسر لأنه لا يمكن تغيير لغات وثقافات الشعوب. ودعا العراقي إلى ضرورة وضع سياسة لغوية بعيدة عن التشدد والحسابات السياسوية. مؤكدا أن مشكل المغرب في نهاية المطاف هو مشكل سياسي بامتياز، وهو ما يستوجب على الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني والنخبة المرتبطة بمصلحة المجتمع التحرك للضغط بقوة على الفاعل السياسي لإصدار قرار سياسي بترشيد الحقل اللغوي.
د. زكرياء أبو أيوب، مديرعامالوحدة التعليميةالتابعة لمؤسسة البنك الشعبي بطنجة، وأستاذ بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة، ركز هو الآخر في تصريح لـ "أنفاس بريس" على أهمية تحديد لغة التدريس في التعليم والذي سيمكن من تحديد اللغات الأخرى التي ستدمج في التدريس إلى جانب اللغة الأساسية وهي لغة العلم والمعرفة، أما باقي اللغات فستكون لغات الانفتاح على العالم وعلى المعارف الأخرى. وقدم أبو أيوب كمثال المنظومة التعليمية الفرنسية التي حددت من خلالها اللغة الفرنسية كلغة للتدريس واعتبرت لغة العلم ولغة القراءة والكتابة تكافؤ الفرص ولغة الارتقاء الإجتماعي، أي أنها تعبر عن لحمة الوطن ثم بعدها تأتي اللغات الأجنبية التي تعيش مع لغة التدريس وتضيف لها أشياء جديدة عن العالم الآخر، في غياب أي تداخل كماهو مسجل بالمغرب، فمرة يتم التدريس بالعربية وتارة بالفرنسية وأخرى بالإنجليزية بسبب عدم تحديد مفهوم لغة التدريس واللغات التي ستدخل الى جانبها بسبب غياب استراتيجيىة واضحة في هذا المجال. وأشار أبو أيوب إلى أن اللغة العربية هي لغة كونية أفرزت قوتها على الصعيد المعرفي والسياسي العالمي ولم تعد لغة العرب فقط، فالعرب الذين يجيدون التحدث بالعربية هم أقل من الناس الذين يجيدونها في العالم ككل، كما أنها لغة المعرفة ولها تاريخ وأضحت موحدة بالمغرب وتعتبر عن هوية حضارية، مما يخولها أن تكون لغة التدريس بالبلاد، وهو الأمر الذي تفتقده اللغة الدارجة، علما أن هناك دارجات في المغرب وليس لغة دارجة موحدة.
من زاويته أشار حسن الصميلي (أستاذ باحث ورئيس لجنة دعم المهرجانات السينمائية) أن الكثير من الأفلام السينمائية التي عرضت مؤخرا تركز على مستوى معين من اللغة، فمثلا إذا أخذنا أفلام نور الدين لخماري سنجد أن الدارجة التي يوظف هي دارجة تعبر عن مستوى اجتماعي معين وأحيانا تعبر عن وسط معين، وبالتالي لا يمكن تعميمها على المجموع لأنها لا تعبر عن الدارجة المغربية، إنها مجرد كاريكاتور للواقع. وبالتالي فرفض الواقع -يضيف- لا يمكن أن يتم بهذا الشكل المفتعل، داعيا إلى تجنب توظيف اللغة بشكل مجاني في الأفلام السينمائية بشكل لا يعبر عن الحقيقة. وأرجع الصميلي هذا التذبذب اللغوي في السينما المغربية إلى ضعف المستوى الثقافي لكثير من الممثلين الذين يركزون على الجوانب التقنية مع إهمال الجوانب الثقافية والفنية وهو ما يعطي، حسب قوله، "الكوارث" دون وعي. كما انتقد الصميلي فيلم "وراء الأبواب المغلقة" للمخرج كمال بنسودة الذي يعرض حاليا في القاعات السينمائية ويعالج التحرش الجنسي، فهو فيلم ناطق بالفرنسية من أوله إلى آخره، علما أن المقاولات المغربية من أدنى مستوى إلى أرفع مستوى لا يمكن الجزم بأنها تتحدث فقط بالفرنسية. وقال إن اعتماد الفرنسية من طرف بعض المخرجين يأتي لترضية خواطر اللوبي الفرنكفوني بالمغرب والمنظمات الفرنكفونية التي تشترط بطرق غير مباشرة تقديم الدعم بترويج اللغة الفرنسية، داعيا جمعيات المجتمع المدني والمتفرجين والصحافة إلى الحذر واليقظة. فاللغة، حسب الصميلي، ليس مجرد لغة للتخاطب بل تعبر عن هوية حضارية. كما دعا مكونات المجتمع المغربي إلى الحذر من الصراعات المفتعلة بين الدارجة والعربية تارة وبين العربية والأمازيغية تارة أخرى، علما أن مختلف التعبيرات الموجودة في البلاد هي متكاملة ولم تكن ابدا متصارعة.
يذكر أن الائتلاف الوطني لترشيد الحق اللغوي كان قد كلف في الشهور الأخيرة الدكتورعطاء الله الأزمي بوضع خطة إستراتيجية للسنوات الثلاث القادمة (2014- 2017) تتضمن أربعة مجالات متكاملة: المشاركة والحكامة، العلاقات الداخلية والخارجية، سياسات وممارسات، الشراكات. وتعتبر الخطة المقترحة أداة منهجية لتحليل المجالات المستقبلية للعمل في الحقل اللغوي، كما ترسم حسب مسؤولي الائتلاف آمال وتطلعات المجتمع المغربي في مختلف مناحي عيش المواطن الهوي وتطلعاته، وكذا في مجال عمل المواطنين وتواصلهم .
ويتطلع الإئتلاف إلى المساهمة الفعالة كقوة اقتراحية وازنة في تحديد السياسة اللغوية وترشيد الحقل اللغوي في المغرب.