الأحد 23 فبراير 2025
سياسة

مريم زينون: بعد صمت المعارضة.. أخنوش خلق بركانا من الاحتجاجات قد تنتج خطوة أكبر من 20 فبراير!

مريم زينون: بعد صمت المعارضة.. أخنوش خلق بركانا من الاحتجاجات قد تنتج خطوة أكبر من 20 فبراير! مريم زينون ومشهد من الاحتجاجات على غلاء الأسعار

عرف المغرب منذ 2011 شوطا مهمّا من التّحول السّلمي التدريجي في ظل التّوافق الاجتماعي الذي جاء مع دستور يوليوز 2011 وبدأ يعيشه المغرب، يؤشر على تحولات في أنماط التفكير والعيش والسلوكيات الجماعية لدى المغاربة أملا في مغرب ديمقراطي حداثي. وكان يرافق ذلك المسار سلم تدريجي، لكن بحلول حكومة العدالة والتّنمية التي حاولت تزكية هذا التّوجه، غير أنها خذلت المواطن المغربي ولم تحصد أي نقلة نوعية من آمال المغاربة وتطلعاتهم من عدالة اجتماعية و ركود وغيرها. ممّا حدا بالمغاربة لكونهم متحمّسين لصعود حكومة أخنوش لتحقيق انتظاراتهم ولاقى دعما اجتماعيا لتأثيث المشهد السياسي، وأن أخنوش سيحدث تحوّلا جديدا في حياة المغاربة رغم أنها حكومة أغلبية رهانها الإنصاف وإرساء بنية ديمقراطية قوية تتأسس في ظل التّوازنات الاجتماعية.

المغاربة هيأوا للمشهد الحالي لما قبلوا بحكومة أخنوش بحلم واعد لتدشين محطات جديدة من نمط العيش الاجتماعي وستقضي على تناقضات العدالة والتنمية، لكن الصدمة السياسية والاجتماعية هو أن الأحلام والوعود شهدت انتكاسة وتراجعات لما قبل صعود العدالة والتنمية، حتى ظننّا أننا ما قبل دستور 2011.

تراجعات أخنوش تهدد الاستقرار السيكوسوسيولوجي

الشارع العام اليوم يحسّ بأنه يعيش مع حكومة أخنوش تراجعات عميقة في مستوى عيشه وتواجده الاجتماعي. وهي مهددات الاستقرار السيكوسوسيولوجي، لأنه مهدد في عيشه الفردي واستقراره الفردي، وفي استقراره الاجتماعي، وفي وظيفته، وفي دخله، والتّوازنات صارت مهدّدة، ومعها الأسرة كمجتمع نووي مهددة تعاني الهشاشة. وهو ما يفسر هذه الاحتجاجات في الشارع العام، التي تعكس نقل العدوى من اللاإستقرار الاجتماعي من فرد إلى فرد ومن طبقة إلى طبقة. ولو استمر الوضع الحالي لتحوّل انتفاض الشارع العام إلى ما هو أكبر من احتجاجات 20 فبراير قبل دستور 2011.

20 فبراير كانت فيها أزمة الشغل لدى الشباب، أسسها الشباب العاطلين. ليوم نقيسها على الشباب والموظفين الذين هدّدوا في سلمهم الاجتماعي والاقتصادي، والعمال يعيشون أزمة اجتماعية بسبب فقدانهم الشغل، إلى جانب الاقتصاد غير المهيكل، فصار اللااستقرار ذي عدوى شاملة بين الفئات والطبقات مما يؤدي إلى عدم التأطير الأمني فيما بينها.

هل غابت المعارضة؟ وهل يعود 20 فبراير؟

غياب المعارضة أسميها "المعارضة الصامتة"، لا تظهر في المشهد السياسي، تمارس دورها في صمت مكولسة، كتابة أسئلة كتابية برلمانية وانتظار أجوبة، تستدعي وزير أو رئيس حكومة ولا تحتج.

الخطير أن غياب المعارضة داخل المشهد التشريعي أنتج خللا وظيفيا داخل مؤسسة البرلمان كمؤسسة تشريعية، ذلك أن تمّت تناقض صارخ بسبب غياب المعارضة في الواجهة، وتحوّل دورها إلى دور "مكولس"، فهي تخلق توافقات بشكل غير مباشر. هذا التناقض يتجلى في دور البرلمان كمؤسسة تشريعية ومؤسسة ضامنة لتفعيل دمقرطة العلاقة بين النّاخب والمنتخب، فيما صمت المعارضة البرلمانية أو غياب تفاعلهم داخل المؤسسة التّشريعية يجعلها تصاب بخلل وظيفي. فالبرلمان كمؤسسة تشريعية لا يؤدي دوره ووظيفته على أكمل وجه كما ينصّ عليه الدّستور المغربي لتبليغ صوت الشعب داخل هاته المؤسسة. فهنا أزمة مركّبة بين أزمة الأحزاب وممثّليهم داخل البرلمان، وأزمة ممثّلي الأحزاب داخل الحكومة، لا يؤدّون دورهم كما يجب.

وإلى جانب الأحزاب هناك الهيئات المنضوية تحت لواء الأحزاب لتأطير الحركات برمتها، كآلية لخلق للتنشئة السّياسية والمجتمعية والنقابية للمواطن داخل الشارع العام. هذه الأزمة المركّبة تغيّب الأدوار إلى جانب المعارضة، ليبقى المواطن مجانب للعملية المركّبة تخلق أزمة في تأطيره، فالمواطن في ضفّة والأحزاب في ضفّة أخرى.

هناك أيضا تراض على الصّمت، وتراض على تغييب دور المعارضة في تأطير المواطن، ليصير الأخير معزولا، فيلجأ حينها للتّأطير الذاتي من داخل الشارع وما بين المواطنين، فتنبعث معارضة آنية، وهي معارضة وفق أزمة الشارع. فكلّما كانت هناك أزمة، كلّما كانت هناك فئة مؤطّرة لتلك الأزمة تقود الحركة الاحتجاجية في الشارع العام، ولمّا ينتهي دورها تنتقل إلى أزمة أخرى وهكذا دواليك... فتخلق أزمات الأبعاد والتأطير والخلفيات والمرجعيات، وكأننا نؤسس لبركان من الاحتجاجات. ولمّا نعيش هذا الوضع ممكن في هذه الحالة أن يكون هناك امتداد أكبر من خطوة 20 فبراير، لأن الأزمة تعمّقت، وستتعمّق معها الأبعاد والخلفيات ومرجعياتها غير المتحكم فيها يصعب إخمادها لاحقا.

الأسئلة الحارقة والملتهبة التي ينبغي طرحها اليوم هي: هل الشّارع العام ممكن أن يؤطّر نفسه بنفسه؟ وهل بالإمكان أن يتحكّم في نفسه؟ وهل يمكن أن يتحكّم في الأبعاد والخلفية التي يعيش أزمتها؟

 

                                                                            مريم زينون، باحثة سوسيولوجية