الخميس 28 مارس 2024
في الصميم

نحن و"داعش"

نحن و"داعش"

حين نراجع سجل تعامل الأجهزة الأمنية المغربية مع ظاهرة "الجهاد الإسلام" يبدو لنا أن هناك حزما واضحا في منهجية التعامل مع هؤلاء، بالنظر إلى قدرة تلك الأجهزة على ترصد نشاط الخلايا الكامنة، وعلى تفكيكها ومتابعة أفرادها. ومع ذلك فهذه المنهجية لا تكون إلا في إطار ضوابط تمت صياغتها في سياقات مغاير للتحولات التي يعرفها المشهد الإرهابي اليوم، على اعتبار أن المشرع المغربي ما زال يتعامل باحتشام مع الأمن العام للمغاربة ويتردد في الحسم في سن إطار قانوني يوسع هامش حماية المغرب من المخاطر الإرهابية، حيث لا يحدد تعريف للإرهابي إلا إذا "تفركَع" المرء وأزهق الأرواح. في حين لو استرشدنا بالتجارب المقارنة سنجد أن الدول الديمقراطية عمدت إلى تغيير ترسانتها القانونية بشكل يتماشى مع التحول الإجرامي والإرهابي بهذه الدول حتى يكون تدخل السلطات الأمنية استباقيا وحازما مع كل الجهاديين سواء الذين يرغبون في الجهاد داخل بلدانهم أو الهجرة للجهاد في بلدان أخرى. ولنا في تجربة فرنسا وكندا خير دليل على ذلك، إذ عمدت فرنسا إلى مراجعة قوانينها لتجفيف الظاهرة الجهادية بعدما لاحظت ارتفاع منحنى استقطاب أبنائها إلى سوريا، وكندا التي بادرت هي الأخرى بتعديل قوانينها عقب تورط كنديين في أحداث "عين أميناس" الإرهابية بالجزائر.

المغرب أمامه ثلاثة تحديات. فالمطلوب اليوم (وهذا هو التحدي الأول) ليس فقط هذا الحزم الأمني في الرصد والمتابعة والتفكيك، بل المطلوب في الأساس هو مسايرة المشرع لهذه المتغيرات بالموازاة بالعمل على تجفيف منابع الإرهاب من الأصل. وهو ما لا يتحقق في تقديرنا سوى بسن سياسة اجتماعية

واقتصادية تقوم على إشعار المواطن المغربي بأن السلطات العمومية تفكر في حاضره ومستقبله، عوض أن تغلق عليه الأبواب لتضعه عرضة إلى اليأس القاتل. ومن سوء حظ المغاربة أنهم اجتازوا مخاضات "الربيع العربي" بسلاسة وحكمة، وبتحول دستوري بوأ الحزب الإسلامي (العدالة والتنمية) الصدارة في انتخابات 2011. نقول سوء الحظ لأنه عوض أن يجنوا ثمار هذا التحول، وجد المغاربة أنفسهم أمام حكومة اللافعل واللامسؤولية، حكومة تتفه المعرفة وتشتم المستقبل، وتهدر الزمن السياسي، وتعبث بأحلام الشباب والنساء وكل الطاقات الحية في بلادنا.

التحدي الثاني يرتبط باستكمال هيكلة الحقل الديني، وبإصلاح منظومة التربية الوطنية والتكوين، وسياسة الشغل، وبتوسيع فضاء الحريات.

أما التحدي الثالث فيتمثل في تبني مقاربة أمنية واجتماعية جديدة تعيد فتح ملف "السلفية الجهادية" ومعالجته بقراءة شمولية للأسباب والنتائج حتى يتم القطع مع سياسة التردد والتأجيل والهروب إلى الأمام. هذه هي الطريق السالكة، في تصورنا، لتجفيف منابع الإرهاب من أصولها. وفي غياب ذلك لن نفاجأ غدا حين نسمع جحافل من "الجهاديين" المغاربة يعلنون بيعتهم للخليفة الجديد، مع ما يستتبع ذلك من ضرب للهوية الوطنية.