أصوات كثيرة، وخاصة في الآونة الاخيرة، تتعالى منادية بفصل المال عن السّلطة لأن زواج المال بالسّلطة اقترن في عقول الكثيرين بالفساد واستغلال النّفوذ لتنمية الثّروة والحفاظ على مصالح اقتصادية خاّصة .و جاء هذا الإقتران بفعل ما يلاحظه عموم المواطنين والمواطنات، وما يتمّ الترويج له من ممارسات تغذّي الصّورة السّلبية لزواج السّلطة بالمال .
فعندما نقوم ببعض المقارنات على الصّعيد الدولي، وعبر التّاريخ، نجد أن عملية النّهضة المتعدّدة الأوجه في الدّولة المتقدّمة قادتها فئات مجتمعية تنتمي للطّبقة الميسورة والبرجوازية. استطاعت هذه القيادات أن تحقّق نهضة شاملة لبلدانها مسّت كل مناحي الحياة الإقتصادية والاجتماعية والثّقافية لعموم المواطنين والمواطنات. وعند تحليل خصوصيات هذه الطّبقة الميسورة التي قادت بلدانها سياسيا نحو التقدم والازدهار، نجدها طبقة ذات وطنية عالية صادقة من خلال أداء واجباتها تجاه الوطن واحترام مختلف السّلط، متنورة ذات تكوين ثقافي واسع، شغوفة بالفنّ الرفيع، تؤمن بالدّيموقراطية كأسلوب لتدبير الشّأن العام وتعمل على نشرها بمختلف الهياكل التّنظيمية للمجتمع .
أما في سياقنا المغربي فنكاد نجزم أنّنا ما زلنا لا نتوفر على برجوازية وطنية بالمعنى الذي يجعل منها قاطرة حقيقية للتّنمية. لدينا نسبة كبيرة من الأشخاص والعائلات التي راكمت ثروات بطرق مختلفة، يسود فيها المكوّن الرّيعي، ممّا يجعلها رهينة من أجل المحافظة على مكاسبها أو تنمية تلك المكاسب ، لدى السّلطة المركزية. فغالبيتها ليست وفيّة للوطن بقدر ما تسعى لنيل رضى وليّ نعمتها القابع بمختلف مستويات السّلطة المتحكّمة في اتخاذ القرارات الإقتصادية والإجتماعية والثّقافية. فئات ليست لها خلفية ثقافية ولا خلفية سياسية ثابتة، ممّا يجعلها على استعداد تام لتغيير ألوانها السّياسية كلّما طلب منها ذلك.
على المستوى القانوني، فنحن كغالب الدول، ليست لنا قوانين تمنع الجمع بين الثروة والسلطة مما يزكّي أن العيب ليس في الجمع بينهما ، إذا كان ذلك سيساهم في بناء دولة تحترم فيها حقوق الجميع، لكن العيب في الهرولة نحو المشاركة السّياسية للسّهر على المصالح الإقتصادية الخاصّة وضمان تنمية الثّروة عن طريق استغلال النفوذ ونهب المال العام. وفي هذه الحالة تصبح لزواج المال والسّلطة انعكاسات خطيرة على تقدّم البلدان لأن هيمنة رجل أعمال متواجد في موقع المسؤولية والقرار، والذي يسخّر كل الصّلاحيات والإمكانيات التي بين يديه لمراكمة الثروة، بل و يستغل الأزمات التي يقع فيها البلد لمضاعفة ثروته، يضرب في العمق المنافسة الشّريفة بين مختلف الفاعلين الآخرين والتي تعتبر شرطا أساسيا لبناء اقتصاد قويّ، فإذا هيمن الإحتكار وغابت المؤسسات التي تعنى بمراقبة المنافسة، تعمّ الفوضى وعوض أن يكون الحاكم هو الحكم لضمان التّوازن الإجتماعي، يصبح بدون منافس. فتزداد التّفاوتات الإجتماعية تفاقما ويزداد الغنيّ غنى والفقير فقرا.
ويبقى السؤال ما العمل؟.
أولا: هناك حاجة إلى تنوير الطّبقات الميسورة ببلادنا وتوعيتها بالدّور الحيوي الذي يمكنها أن تلعبه للتقدم بالبلاد، بعيدا عن المقاربة الإحسانية المكرّسة للهشاشة .
ثانيا: لا بدّ من وضع قواعد شفّافة لتمكين الجميع من ولوج تدبير الشّأن العام عبر وضع ميثاق يفرض على الجميع اجتناب استغلال السّلطة لتحقيق مكاسب خاصة أو التّهرب من أداء واجبات مستحقّة للدولة .
ثالثا: لا بدّ من تشريع صارم يصل مستوى التّتريك “التّجريد من الأموال والممتلكات“ في حق كل من ثبت في شأنه إثراء غير مشروع ناتج عن استغلال منصبه السّياسي أو سلطته داخل أجهزة الدّولة.
النزهة أباكريم/ برلمانية اتّحادية، ونائبة رئيس لجنة التّعليم والثّقافة والإتصال بمجلس النّواب