الثلاثاء 19 مارس 2024
خارج الحدود

صفحة جديدة في علاقات فرنسا والجزائر.. المغرب أمام واجب الحذر من مسايرة ماكرون أجندة النظام العسكري

صفحة جديدة في علاقات فرنسا والجزائر.. المغرب أمام واجب الحذر من مسايرة ماكرون أجندة النظام العسكري إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون
تحقق ما توقعناه يوم 22 فبراير 2023 ،في مقال في"أنفاس بريس" بعنوان " اتجاه الجزائر إلى طي الخلاف مع فرنسا بشأن الناشطة أميرة بوراوي ... هوس نظام شنقريحة وتبون بعقيدة العداء للمغرب"، بأن توصل الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون في 24 مارس 2023، إلى طي صفحة الأزمة الدبلوماسية بين البلدين الناتجة عن مغادرة الناشطة بوراوي بشكل غير قانوني الجزائر إلى تونس حيث أمنت لها سلطات باريس في 6 فبراير 2023 التنقل إلى فرنسا، وبادر النظام الجزائري إلى استدعاء سفيره في باريس فورا، متهما المخابرات الخارجية الفرنسية بالعمل على تقويض العلاقات بين البلدين.
قلنا في المقال السابق "أن غضبة النظام الجزائري في هذه النازلة ستكون عابرة، في ضوء استعداده لإعادة قنوات التواصل مع باريس، طمعا في الحصول على دعمها لخدمة أجندته في المنطقة ضدا على مصالح المغرب"، و "أن نظام جنرالات الجزائر يتلهف لاتصال هاتفي مرتقب من ماكرون إلى تبون يساعده على النزول من الشجرة وتجاوز المأزق الذي وضع نفسه فيه، بتعامله غير المتزن مع قضية الناشطة بوراوي"، و" أن الثنائي شنقريحة وتبون سيلحس اتهامه للمخابرات الخارجية الفرنسية بأنها تعمل على تقويض العلاقات بين البلدين وسيعمل في الأجل المنظور على طي صفحة الخلاف مع فرنسا بشأن قضية بوراوي، لأنه يظل مهووسا بتجنيد كل إمكانيات البلاد لخدمة عقيدة النظام المعادية للمغرب ولوحدته الترابية".
ذلك ما حدث في يوم الجمعة 24 مارس2023، بصدور بلاغ في الجزائر العاصمة جاء فيه أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين تبون وماكرون في مساء اليوم نفسه" سمح بإزالة الكثير من اللبس، بشأن قضية بوراوي وما ترتب عنها، من تصدّع على مستوى العلاقات الثنائية. وقد اتفق الرئيسان على تعزيز وسائل الاتصال، بين إدارتي الدولتين، حتى لا تتكرر مثل هذه الحالات. وبالمناسبة ذاتها أبلغ رئيس الجمهورية، نظيره الفرنسي بعودة السفير الجزائري، قريبا، إلى باريس".
وامتد حديث الرئيسين في الاتصال الهاتفي، حسب البلاغ الجزائري إلى "العلاقات الثنائية ومختلف الوسائل، لتجسيد (إعلان الجزائر) الذي أُبرم بين البلدين خلال زيارة الرئيس ماكرون إلى الجزائر،في شهر غشت الماضي وبحث سبل تقوية وتعزيز التعاون، بين البلدين بما في ذلك زيارة الدولة المقبلة، التي سيؤديها رئيس الجمهورية إلى فرنسا، وقضايا إقليمية ودولية تهم الجانبين ".
وجاء البلاغ الذي أصدره قصر الإليزي في اليوم نفسه مشابها، بتأكيده "إن الرئيسين، أزالا خلال مكالمة هاتفية، سوء التفاهم المرتبط بالخلاف حول الناشطة الفرنسية-الجزائرية أميرة بوراوي واتفقا على تعزيز قنوات الاتصال لمنع تكرار هذا النوع من سوء التفاهم المؤسف". مضيفا "أن الرئيس عبد المجيد تبون أبلغ رئيس الدولة بعودة السفير الجزائري إلى فرنسا خلال الأيام المقبلة وأن الرئيسين تحدثا عن العلاقات الثنائية وعن تنفيذ إعلان الجزائر الموقع خلال زيارة رئيس الجمهورية للجزائر في غشت. وشددا على ضرورة تعزيز التعاون بين البلدين في كافة المجالات في أفق إجراء الرئيس عبد المجيد تبون زيارة دولة إلى فرنسا، وأن الرئيسين تناولا أيضا قضايا الاستقرار الإقليمي، ولا سيما مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل".
ويفهم من البلاغين أن قضية الصحراء المغربية والأوضاع في مالي وليبيا وتونس كانت ضمن محادثات الرئيسين في اتصالهما الهاتفي، في إطار بند "قضايا الاستقرار الإقليمي"، علما أن قرارهما بفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين جاء بعد يوم واحد من إعلان الرئيس تبون، الذي يشكل الواجهة المدنية للنظام العسكري في الجزائر في حوار مع قناة الجزيرة القطرية "إن العلاقة بين الجزائر والمغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة"، مدعيا "أن موقف بلاده هو رد الفعل".
ويعني كلام تبون أن منهج النظام يقوم على مواصلة سياسة الجوار وإبداء المزيد من العداوة إزاء المغرب وتدبير المزيد من المؤامرات ضده وضد وحدته الترابية، وفي الوقت نفسه تعزيز العلاقات مع فرنسا مستعمر الأمس وتمكينها من تعزيز مصالحها الاقتصادية في الجزائر ،طمعا في لجم أي توجه لها ينخرط في دينامية الاعتراف بحق المغرب في استعادة أقاليمه الجنوبية، على غرار اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، أو اعتراف إسبانيا وألمانيا والنمسا باعتبار نظام الحكم الذاتي حلا وحيدا للنزاع المفتعل في المنطقة.
ويدرك النظام الجزائري أن ماكرون يتصرف بعقلية رجل الأعمال وليس رئيس دولة، وما يهمه هو الحصول على الصفقات. ولذلك قام رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة في فبراير 2023 بزيارة إلى باريس لعرض شراء أسلحة ومعدات عسكرية بملايير الدولارات، على أن تراعي فرنسا أجندة النظام في المنطقة.
وكان ماكرون متحفزا للدفاع عن توطيد العلاقات مع الجزائر، بقوله في ندوة صحافية عقدها في قصر الإليزيه ، في نهاية فبراير 2023، بمناسبة طرح الاستراتيجية الجديدة لفرنسا في إفريقيا "سنواصل العمل الذي قمنا به منذ عدة سنوات حول ملف الذاكرة وغيرها، نريد تحقيق طموحات شبابنا، قمنا بعمل كبير في ملف الاقتصاد والتعاون العسكري، فلأول مرة منذ 1962 تم عقد اجتماع بين رئيسي البلدين بحضور وزيري الدفاع وقائدي الجيشين، ولأول مرة منذ 1962 قام قائد أركان الجيش الجزائري بزيارة لفرنسا وهذه مؤشرات هامة".
وبادر ماكرون إلى مسايرة أجندة النظام الجزائري في قضية الصحراء المغربية، برفضه خروج بلاده من المنطقة الرمادية في موقفها من القضية، بقوله في لقاء مع الجالية الفرنسية في الغابون في مستهل جولته الإفريقية في بداية الشهر الحالي "يبدو أيضا أنه ما زال متوقعا منها (أي فرنسا)أن تتخذ مواقف ترفض اتخاذها وأنا أؤيد ذلك تماما. في الغابون كما في أي مكان آخر، فرنسا محاور محايد يتحدث إلى الجميع ولا يتمثل دوره في التدخل في المنازعات السياسية الداخلية".
والمؤكد أن التقارب بين فرنسا والجزائر، الذي يراهن النظام الجزائري على تعزيزه في زيارة الدولة المرتقبة للرئيس تبون إلى باريس، في شهر مايو 2023 يلقي بظلاله على الجمود القائم في علاقات المغرب وفرنسا، مما يفرض على بلادنا المزيد من اليقظة لدرأ تنامي المؤامرات من النظام الجزائري وسعيه إلى توظيف صفقاته مع ماكرون لإطالة الانسداد واللاحل في قضية الصحراء المغربية.