الخميس 28 مارس 2024
سياسة

ناشيد: هناك فرق بين عنف سنوات التسعينيات، والعنف الذي تشهده حاليا الجامعة المغربية

ناشيد: هناك فرق بين عنف سنوات التسعينيات، والعنف الذي تشهده حاليا الجامعة المغربية سعيد ناشيد، مفكر وكاتب 
عنف‭ ‬سنوات‭ ‬التسعينيات‭ ‬كان‭ ‬يتميز‭ ‬بخصوصيات‭ ‬محددة‭ ‬في‭ ‬كون‭ ‬تيار‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬كان‭ ‬عازما‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬الجامعية،‭ ‬وأن‭ ‬يرث‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬لطلبة‭ ‬المغرب‭ ‬بما‭ ‬عليه،‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬ينفذ‭ ‬غزوات‭ ‬حقيقية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬اغتيال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬اليساريين،‭ ‬وإصابة‭ ‬الكثيرين‭. ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تتميز‭ ‬بالهجوم‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬الذي‭ ‬يشنه‭ ‬تيار‭ ‬يتبنى‭ ‬مفهوم‭ ‬«الجهاد»‭ ‬ويستقطب‭ ‬فيالق‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الجامعة‭ ‬للهجوم‭ ‬على‭ ‬الجامعة‭.‬

أما‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم،‭ ‬فيتميز‭ ‬بخصائص‭ ‬مختلفة‭. ‬عنف‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬اليأس،‭ ‬ويتماشى‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬خطاب‭ ‬ملكي‭ ‬سابق‭ ‬بـ‭ ‬«العدمية‭ ‬»‭. ‬عنف‭ ‬عدمي،‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬أي‭ ‬رؤية‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬برنامج،‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬والاحباط‭ ‬والتذمر‭ ‬ذي‭ ‬الطبيعة‭ ‬العدمية‭ ‬بدون‭ ‬أية‭ ‬مضامين‭.‬

إن‭ ‬ازدواجية‭ ‬الخطاب‭ ‬من‭ ‬الخصائص‭ ‬الجوهرية‭ ‬للإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الازدواجية‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬ثقافته‭ ‬ومكونا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬الحيل‭ ‬الفقهية،‭ ‬ونظريا‭ ‬من‭ ‬عقيدة‭ ‬التمكين،‭ ‬فما‭ ‬تقوله‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ضعف‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تقوله‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬قوة،‭ ‬وما‭ ‬تقوله‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬حرب‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تقوله‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الإسلام،‭ ‬وما‭ ‬تقوله‭ ‬أمام‭ ‬المسلمين‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تقوله‭ ‬أمام‭ ‬الكفار،‭ ‬ولذلك‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬إدانتهم‭ ‬لانتهاك‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬قوى‭ ‬الأمن،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬أمرا‭ ‬مباحا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬فصائل‭ ‬اليسار،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلاغاتهم‭ ‬يدينون‭ ‬أشياء‭ ‬هم‭ ‬أولى‭ ‬وأحق‭ ‬بالإدانة‭ ‬بها،‭ ‬فحتى‭ ‬في‭ ‬البلاغ‭ ‬الأخير‭ ‬لحزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬وهو‭ ‬يحاول‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬البلاغ‭ ‬الملكي،‭ ‬الازدواجية‭ ‬واضحة‭ ‬جدا:‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬على‭ ‬رؤوسنا‭ ‬وعيوننا،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬لنا‭ ‬الحق‭ ‬بأن‭ ‬نصرح‭ ‬بما‭ ‬صرحنا‭ ‬به‭.. ‬هذه‭ ‬الازدواجية‭ ‬هي‭ ‬مكون‭ ‬جوهري‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬الأصوليين‭ ‬فهم‭ ‬يكيلون‭ ‬بمكيالين‭.‬

ما‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬بالفصائل‭ ‬ذات‭ ‬المشروعية‭ ‬التاريخية‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬اسم‭ ‬بلا‭ ‬مسمى،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬للفصائل‭ ‬التاريخية،‭ ‬انهارت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بأكملها‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الانهيار،‭ ‬انهارت‭ ‬مرحلة‭ ‬كاملة‭ ‬بأحلامها،‭ ‬بفصائلها،‭ ‬ببرامجها،‭ ‬بأهدافها‭.. ‬الآن‭ ‬نعيش‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الانهيار‭.. ‬مجرد‭ ‬ألقاب‭ ‬وبقايا‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬متهالك‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يستقيم،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يقنع‭ ‬أحدا‭.. ‬وبالتالي‭ ‬فتحميل‭ ‬المسؤولية‭ ‬للفصائل‭ ‬التاريخية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬كلاما‭ ‬دقيقا‭. ‬

في‭ ‬لحظة‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات،‭ ‬كان‭ ‬اتجاه‭ ‬الأحزاب‭ ‬هو‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية،‭ ‬وهو‭ ‬انسحاب‭ ‬غير‭ ‬معلن‭ ‬باعتبار‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬ورقة‭ ‬منهكة‭ ‬وغير‭ ‬مثمرة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها،‭ ‬لا‭ ‬انتخابيا‭ ‬ولا‭ ‬سياسيا‭. ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬الاتجاه‭ ‬العام‭ ‬هو‭ ‬التخلص‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬وترك‭ ‬الأمور‭ ‬تنهار،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬العنف،‭ ‬وأن‭ ‬تعود‭ ‬الممارسات‭ ‬الأكثر‭ ‬انحطاطا،‭ ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬فالعنف‭ ‬هو‭ ‬نقيض‭ ‬المعرفة،‭ ‬فحين‭ ‬تغيب‭ ‬المعرفة‭ ‬يحضر‭ ‬العنف،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نناضل‭ ‬من‭ ‬أجله‭.. ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬للمعرفة‭ ‬قيمتها،‭ ‬فالطالب‭ ‬حينما‭ ‬يناضل،‭ ‬فهو‭ ‬يناضل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المعرفة‭ ‬أولا،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬المعرفة‭ ‬هي‭ ‬الهدف‭ ‬الأول‭ ‬والهدف‭ ‬الأسمى،‭ ‬والمعرفة‭ ‬نتعلم‭ ‬منها‭ ‬الكثير‭. ‬نتعلم‭ ‬منها‭ ‬النسبية‭ ‬أولا،‭ ‬نتعلم‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬صحيح‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬معين‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬صحيحا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬آخر،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬صحيح‭ ‬اليوم،‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬صحيحا‭ ‬غدا،‭ ‬والسؤال‭ ‬المطروح‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬الجامعي‭ ‬هو:‭ ‬هل‭ ‬يتم‭ ‬تكريس‭ ‬هدف‭ ‬المعرفة؟‭ ‬وهنا‭ ‬المسوؤلية‭ ‬لا‭ ‬تتحملها‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬بالفصائل‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬انتهى‭ ‬عملها‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬ألقاب،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬النسق‭ ‬الجامعي‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نسقا‭ ‬منتجا‭ ‬للمعرفة،‭ ‬وفي‭ ‬مستوى‭ ‬الدرس‭ ‬الجامعي،‭ ‬والمناهج‭ ‬التعليمية،‭ ‬وفي‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الأساتذة‭ ‬والطلبة،‭ ‬فكل‭ ‬هذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُسَاءَل‭.‬