عنف سنوات التسعينيات كان يتميز بخصوصيات محددة في كون تيار الإسلام السياسي كان عازما على السيطرة على المواقع الجامعية، وأن يرث الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بما عليه، ولذلك كان ينفذ غزوات حقيقية أدت إلى اغتيال العديد من الطلبة اليساريين، وإصابة الكثيرين. كما كانت تتميز بالهجوم الإيديولوجي الذي يشنه تيار يتبنى مفهوم «الجهاد» ويستقطب فيالق من خارج الجامعة للهجوم على الجامعة.
أما هذا العنف الذي نعيشه اليوم، فيتميز بخصائص مختلفة. عنف يعبر عن اليأس، ويتماشى مع ما وصفه خطاب ملكي سابق بـ «العدمية ». عنف عدمي، لا يحمل أي رؤية ولا أي برنامج، هو فقط تعبير عن حالة من اليأس والاحباط والتذمر ذي الطبيعة العدمية بدون أية مضامين.
إن ازدواجية الخطاب من الخصائص الجوهرية للإسلام السياسي الذي يعتبر هذه الازدواجية جزءا من ثقافته ومكونا أساسيا من الحيل الفقهية، ونظريا من عقيدة التمكين، فما تقوله في حالة ضعف ليس هو ما تقوله في حالة قوة، وما تقوله في دار حرب ليس هو ما تقوله في دار الإسلام، وما تقوله أمام المسلمين ليس هو ما تقوله أمام الكفار، ولذلك ليس غريبا إدانتهم لانتهاك الحرم الجامعي من طرف قوى الأمن، في الوقت الذي يعتبر ذلك أمرا مباحا بالنسبة لهم في مواجهة فصائل اليسار، وهم في كل بلاغاتهم يدينون أشياء هم أولى وأحق بالإدانة بها، فحتى في البلاغ الأخير لحزب العدالة والتنمية وهو يحاول الرد على البلاغ الملكي، الازدواجية واضحة جدا: ما يقوله صاحب الجلالة على رؤوسنا وعيوننا، ولكن أيضا لنا الحق بأن نصرح بما صرحنا به.. هذه الازدواجية هي مكون جوهري في فكر الأصوليين فهم يكيلون بمكيالين.
ما كان يسمى إلى عهد قريب بالفصائل ذات المشروعية التاريخية أصبح اليوم اسم بلا مسمى، لم يعد هناك وجود في الساحة للفصائل التاريخية، انهارت هذه المرحلة بأكملها بصرف النظر عن المسؤولين عن هذا الانهيار، انهارت مرحلة كاملة بأحلامها، بفصائلها، ببرامجها، بأهدافها.. الآن نعيش مرحلة ما بعد الانهيار.. مجرد ألقاب وبقايا من خطاب متهالك لم يعد يستقيم، لم يعد يقنع أحدا.. وبالتالي فتحميل المسؤولية للفصائل التاريخية قد لا يكون كلاما دقيقا.
في لحظة معينة في بداية التسعينيات، كان اتجاه الأحزاب هو الانسحاب من الحركة الطلابية، وهو انسحاب غير معلن باعتبار الحركة الطلابية ورقة منهكة وغير مثمرة من وجهة نظرها، لا انتخابيا ولا سياسيا. وبالتالي كان الاتجاه العام هو التخلص التدريجي من الحركة الطلابية وترك الأمور تنهار، وهذا ما حدث في آخر المطاف، وفي ظل هذه الأجواء من الطبيعي أن يعود العنف، وأن تعود الممارسات الأكثر انحطاطا، وفي تقديري فالعنف هو نقيض المعرفة، فحين تغيب المعرفة يحضر العنف، وهذا ما ينبغي أن نناضل من أجله.. أن تعود للمعرفة قيمتها، فالطالب حينما يناضل، فهو يناضل من أجل المعرفة أولا، وأن تكون المعرفة هي الهدف الأول والهدف الأسمى، والمعرفة نتعلم منها الكثير. نتعلم منها النسبية أولا، نتعلم منها أن ما هو صحيح في سياق معين لا يكون صحيحا في سياق آخر، ما هو صحيح اليوم، لا يكون صحيحا غدا، والسؤال المطروح اليوم في المستوى الجامعي هو: هل يتم تكريس هدف المعرفة؟ وهنا المسوؤلية لا تتحملها فقط ما كان يسمى بالفصائل التاريخية التي انتهى عملها إلا ما بقي من ألقاب، بل أيضا النسق الجامعي الذي يفترض أن يكون نسقا منتجا للمعرفة، وفي مستوى الدرس الجامعي، والمناهج التعليمية، وفي مستوى العلاقات بين الأساتذة والطلبة، فكل هذا يجب أن يُسَاءَل.