الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: هل أغلب الأزمات الوطنية ناتجة عن سوء تفعيل الدستور؟

مصطفى المنوزي: هل أغلب الأزمات الوطنية ناتجة عن سوء تفعيل الدستور؟ مصطفى المنوزي
مبدئيا من واجب كل مواطن أن يحترم الصلاحيات المخولة دستوريا لكل الأشخاص المعنوية والذاتية، ويخضع لها، في انتظار التقييم والتقويم الضروريين لكل نمو وتطور وارتقاء أو انتقال، لكن بنفس القوة والقيمة من حقنا أن نمأسس طريقة حياتنا العامة والعادية أيضا ، فنحن أحرار في اتخاذ كل المواقف التي تحصن حقوقنا القانونية والمكتسبة ومصالحنا المشروعة، ولا حق لأي كان أن يحاسبنا أو يقيد من هوامش حركاتنا إلا طبقا لمشروعية القانون وشرعية التعاقد الرابط فيما بيننا، إن وجد أو كان له سبب ومحل مشروعين، لأن التعاقد أو محتوى العلاقة التعاقدية هما ما يحدد المشترك تعاقديا ، ويسن المقتضيات المنظمة ويؤطر للالتزامات التبادلية ويحدد الجزاء على مخالفتها أو الإخلال بها . لذلك ومن هنا فالمحاسبة ينبغي أن تكون مؤسستية وبمقتضى التعاقد، كشريعة للمتعاقدين، ومادام الدستور كعقد سياسي قانوني مصادق عليه بالاستفتاء الشعبي، فهو يلزم الجميع، ويحدد لكل مؤسسة على حدة صلاحياتها واختصاصاتها، بنفس القدر الذي يحدد الحقوق والواجبات لكل المواطنين والمواطنات، وبذلك فالمرجع هو الدستور.
ومن أهم الواجبات الدستورية طرح السؤال: ما الذي تم إنجازه وتم تفعيله كمقتضيات دستورية؟ وبنفس القدر نؤكد على أنه من أهم الحقوق أن يسائل المواطنون كافة المؤسسات المعنية بتنزيل الدستور عن أسباب عدم التفعيل وعن التقصير أو عن مدى دستورية التطبيق أو عن سوء التشريع والتأويل في العلاقة مع مشروعية وضمان الحق في الأمن القانوني، وما يترتب عنه من أمن قضائي وحكامة أمنية.
رغم أن المساءلة يصعب تحقيقها خارج منطق الانتقاء القسري الذي تفرضه طبيعة النظام السياسي المغربي والذي، وإن حصل تجاهه انتقال من شرط التقديس إلى فرض التوقير، فإن الحصانة تظل حقا مصونا لكل التصرفات المعتبرة مجالا محفوظا.
لكن ما يؤرق بأنه رغم إيمان المغاربة بهذه الحقيقة الدستورية ؛ فإن ما يشوش على هذه القناعة ، كأمر واقع وبمثابة مسلمة يقينية، هو أن القنوات والوسائط المفوض عليها بتصريف "أعمال السيادة " تتعسف في استعمال التفويض اعتقادا منها بأن الحصانة تنتقل بالوكالة إلى تلك الآليات والقنوات، مما يوحي وكأننا لازلنا رهائن ظلال دستور 1962 والتعديلات اللاحقة، ومما يغيب المجهود الوطني المرتبط عضويا بنتائج تسوية الحقيقة والإنصاف المتعثرة، وهذا أمر يستدعي التدقيق في مدى التفعيل الديمقراطي لمبدأ المسؤولية بالمحاسبة على الأقل تجاه المؤسسات الدستورية والعمومية المفوض لها تصريف أعمال السيادة والأمن والتشريع وطبعا المؤسسة القضائية ، فالمساءلة صارت ضرورية تجاه الدولة ومؤسساتها وموظفيها العموميين المكلفين بإنفاذ القانون وتصريف القوة العمومية.
ليطرح السؤال أين نحن من استراتيجية عدم الإفلات من العقاب، وهي مطلب ناتج عن أقوى توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، من بينها التوصية الأساس ألا وهي سن ضمانات عدم تكرار الماضي الأسود، ماضي سنوات الرصاص، والذي لا يمكن تبييضه بمجرد خطاب النوايا وتسويق التوصيات إلى الخارج دون أن نعاين وقعها الإنساني والحقوقي والسياسي والمؤسساتي على أرض الواقع المغربي. إنها التزامات واضحة لا يمكن بأية حال تبرير أي تسويف أو تلكؤ في تنفيذها، وقد صدق الفلاسفة عندما أقروا بأنه لا يكفي وصف العالم بل لابد من التفكير والعمل على تغييره!