الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

علي بوزردة: الصحفيون بين "واجب التحفظ" و "حرية الرأي".. "البي بي سي" نموذجا ؟

علي بوزردة: الصحفيون بين "واجب التحفظ" و "حرية الرأي".. "البي بي سي" نموذجا ؟ علي بوزردة
إنه ليس لغز، ولكنه تساؤل موضوعي أثار جدلاً سياسيًا وهز البرامج الرياضية الرئيسية لقناة بي بي سي التلفزيونية البريطانية BBC TV طوال عطلة نهاية الأسبوع من 10 إلى 12 مارس 2023.
واحترامًا لملايين المشاهدين في إنجلترا وحول العالم ، اعتذرت القناة مرارًا وتكرارًا خلال نشرتها الاخبارية ووعدت بإيجاد حل "ودي" للحادث في أسرع وقت ممكن.
"البي بي سي " هي مدرسة ومؤسسة إعلامية محترمة، هي رمز للسلطة الرابعة وليست نافذة زخرفية "لضرب الكامنجة" ومديح السلطة التنفيذية. 
لكن، ماذا حصل بالضبط ؟ 
في يوم الجمعة 10 مارس 2023 ، تم إيقاف غاري لينيكر،  Gary Lineker، النجم التلفزيوني التي يتقاضى أعلى مرتب بالقناة ومقدم برنامج "ماتش أوف ذا داي" ، Match of the Day من قبل هيئة الإذاعة البريطانية، بعد أن انتقد سياسة الحكومة المتعلقة بالهجرة والمهاجرين في المملكة المتحدة، حيث قارنها بسياسة "ألمانيا في الثلاثينيات"، عبر حسابه في " تويتر " الذي يجذب 8.5 مليون متابع. موقفه تضمن إشارة مبطنة إلى سياسة ألمانيا النازية تجاه الأجانب الشيء الذي أثار غضب حكومة المحافظين بطبيعة الحال.
وفي مواجهة الاحتجاج الإعلامي والسياسي غير المسبوق، اكتشفت إدارة " البي بي سي"، أن قرارها تحول إلى شأن حقيقي للدولة. وإذا كانت الطبقة السياسية البريطانية منقسمة، ففي داخل هذا القناة المرموقة، قام العديد من الصحفيين بمقاطعة العمل، بمن فيهم المستقلون، كتعبير صادق على التضامن مع غاري لينيكر ذو الشعبية الكبيرة. ويرى هؤلاء أن القضية هي اولاً وقبل كل شيء "مسألة مبدأ"، رغم معرفتهم الدقيقة بالردود السلبية المحتملة من طرف إدارة القناة.  
وفي خضم هذا الجدل حول "واجب الحياد" لإدارة " البي بي سي "، والتي بحسب منتقديها ، ولا سيما المحافظون، انها "سياسة متقلبة"، يستحضر الصحفيون نقطة واحدة فقط: حق المقدم في التعبير عن رأيه "على انفراد" دون أي قيد ولا شرط. غاري لينيكر ، في هذه الحالة ، لم ينتهك النظام الداخلي للقناة، لأنه احترم دائمًا "واجب التحفظ "، ولكن موقفه الشخصي على تويتر، كنجم تلفزيوني، فُسر على أنه " الموقف الرسمي لقناة بي بي سي " ضد حكومة ريشي سوناك، المحافظة والمناهضة للهجرة.
في قلب هذا الجدل، يطرح السؤال التالي: أين تبدأ حرية الرأي بالنسبة للصحفي، وأين تنتهي أمام موضوع حساس يتعلق بالصالح العام؟
هل التواصل الخاص والشخصي على " تويتر " و " الفيس بوك " و " إنستغرام " وغيرها، هي مسألة حرية فردية أم يجب أن يتم إخضاعها لإرادة البيروقراطيين حتى في الديمقراطيات الغربية القديمة؟ 
السؤال يستحق أن يُطرح على نطاق واسع ودون مزايدات، خاصة في ضوء استعمال جمهور الشبكات الاجتماعية الذي بلغ 4.76 مليار فرد من سكان العالم البالغ عددهم 7.8 مليار نسمة  الى حدود يناير 2023، أي  59.4٪ من إجمالي سكان الكرة الارضية .
وللتذكير فإن ميثاق ميونيخ لعام 1971 La Charte de Munich واضح حول هذا الموضوع: "لا يجوز إجبار الصحفيين على أداء عمل مهني أو التعبير عن رأي يتعارض مع قناعتهم أو ضميرهم ".
ونلاحظ في العالم العربي ، غالبًا ما يُثار النقاش من قبل الصحفيين المهنيين ونشطاء حقوق الإنسان ، لكن السلطات العمومية غالباً ما تفضل أن تصم آذانها ...
في المغرب ، "لا تقلقوا… وأبشروا" ، كما قيل لنا أكثر من مرة ، إن حكومة أخنوش تعد "مفاجأة عجيبة" في شكل نصوص قانونية من أجل "التنظيم المحكم" لعمل الشبكات التواصل الاجتماعي . وبعبارة أخرى، فرض قيود جديدة، ووضع حدٍ لما يعتبره بعض المسؤولين "انزلاقات النشطاء" على المنصات الجديدة والتي أصبحت بحكم الواقع اليومي"سلطة شعبية مضادة".
متى وكيف سيرى النور سيف ديموقليس ؟ علينا أن ننتظر النسخة الجديدة "والمنقحة"من القانون الجنائي لنرى بشكل أوضح واقع حرية العبير على القضاء الأزرق .
آه! لقد نسيت: وماذا عن "حرية الرأي" للصحفيين العاملين في المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة في المغرب؟ الجواب ، كما قيل لنا :"بسيط  جداً … كل هذا يعتبر ترفاً  يمكننا الاستغناء عنه في الوقت الحالي". 
الدليل: تم منذ مدة وصع عدد من الصحفيين "اللي سخان عليهم راسهم" ف" عتمة النسيان "، وهذه إشارة واضحة وضوح الشمس في النهار …
على أي حال ، لدينا انطباع بأن السلطات لديها مشاغل أخرى مستعجلة... أو كما يقال بالفرنسية "الأسبقية هي لمواجهة القطط …"
قد يرى البعض أن هذا نوع من السخرية، لكنها ذكّرتني فجأة بكلمات الموسيقي والشاعر البلجيكي، جاك بريل: "لأن الآخرين لا يريدون…
يقول الآخرون هكذا…
إنها جميلة جدا بالنسبة لي…
أنا فقط جيد لذبح القطط…
لكن، أنا لم أقتل القطط قط…
أو منذ زمن بعيد…
أم ربما نسيت ... "

                                                                                           ترجمة : هشام ناصر
عن موقع "Article 19"