الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

"ثورة الزنوج" على طرامواي البيضاء..

"ثورة الزنوج" على طرامواي البيضاء.. مشهد من احتلال مهاجرين أفارقة لسكة الترامواي بشارع أولاد زيان
هل التمييز العنصري له اتجاه واحد فقط، بقهر البيض للسود؟
إن المسألة أعقد مما نتصور، فمن التبسيطية بمكان، أن نؤمن بإطلاقية عدالة كل "ثورات الزنوج" التي سطرتها كتب التاريخ.
لقد عاشت العراق سنة 255 هجرية، وبالتحديد بمدينة البصرة، أحداثا سوداء، حين تنظم آلاف الزنوج الإفريقيين بالعراق والحجاز ودمشق، بعدما تكاثفت عمليات استقدامهم من أسواق العبيد ومن كل ربوع مناطق نفوذ الخلافة والمناطق المثاخمة لها. وكان هذا الإحساس بالقوة، الناجم عن تنظيم الزنوج لصفوفهم، عاملا أساسيا مكنهم من الهجوم على بيوت الآمنين بالبصرة آنذاك، وسبي النساء البيض، واستعباد أبناءهم، واقتحام ونهب المنازل، كنوع من رد الصاع القاسي لتاريخ استعباد السود. فأصبح سبي البيض أكثر قسوة ووحشية. استمرت ماسميت "ثورة العبيد" هاته 15 سنة، كانت بمثابة جرح غائر في تاريخ الإنسانية. 
 
إن هاته المقدمة الطللية الحزينة، تأتي ربطا، بما يحدث مؤخرا من تهجم وعنف ممنهج على الأشخاص والأملاك على طول خط الطرامواي الذي يفصل منطقة درب السلطان عن الحي المحمدي. فقد تحولت هذه المنطقة لمربع معزول تتحكم فيه عصابات منظمة، من السود المهاجرين من أصول إفريقية من جنوب الصحراء، تطبق قوانينها الخاصة، تعتدي على الآمنين وقت شاءت، تعرقل إتمام أشغال إنهاء الطرامواي، وأصبحت هذه المنطقة مسكنا دائما بأقصى درجات العشوائية وتراكم الأزبال، وتحولت جنبات الطريق المحادي للترامواي لمرحاض كبير، يهدد كل المنطقة بالأوبئة والانهيار الصحي.
 
إن هاته المنطقة التي تم احتجازها بشكل قسري، تقع في حدود جغرافية بمنتهى الخطورة بين حيين شعبيين، بمثابة القش القريب من اللهب، فالحي المحمدي ودرب السلطان من المناطق الشعبية المؤهولة، ويقع خط الطرامواي في الحدود بين منطقتين أمنيتين وجماعيتين لم تتحملا مسؤوليتهما لمعالجة الوضع قبل تفاقم الأزمة. 
 
بالطبع فإن الميز العنصري مرفوض، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان تضمن حرية التنقل وحقوق المهاجرين، بعدما تحول المغرب لبؤرة هجرة نهائية بدل منطقة عبور لأوربا كما كان سابقا. لكن لا يمكن السماح بتهديد أمن الساكنة والاعتداء على الناس، وتحويل المنطقة لبؤرة وبائية تتوسع كبقعة الزيت، وكذا بعرقلة مصالح السكان بوقف انطلاق خط الطرامواي. إن تمثل حقوق الإنسان بعمقها الكوني يفرض وقف الاعتداءات العنصرية في الاتجاهين، وفي هاته الحالة فالاعتداء صارخ على أمن ساكنة درب السلطان والحي المحمدي.
 
من المهم تجاوز القراءة الأحادية من طرف الدولة للوضع الإقليمي، واستراتيحية المغرب في الانفتاح على إفريقيا، وتوازن الصراع مع الجزائر وفرنسا حول إفريقيا، خصوصا حين يتهدد الوضع الداخلي أمن المغاربة.
لا بد من حل تكاملي يراعي مصلحة المهاجرين، لكن ليس على حساب الأسر المغربية.