الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل تخرج فرنسا من المستنقع الإفريقي؟

يوسف لهلالي: هل تخرج فرنسا من المستنقع الإفريقي؟ يوسف لهلالي
هل تنجح فرنسا في بلورة سياسية افريقية جديدة؟ والخروج من المستنقع الذي دخلت فيه من خلال تأزم علاقتها مع العديد من البلدان الإفريقية وهل تتمكن من بناء شراكة متوازنة مع بلدان المغرب وافريقيا جنوب الساحل؟ وهي بلدان لها روابط قديمة مع فرنسا بحكم الاستعمار أو الحماية التي مارستهما فرنسا في الحقبة الاستعمارية. وحول المغرب، قال الرئيس الفرنسي انه يريد المضي في تعزيز علاقة فرنسا بالمغرب، بعيدا من "الجدل" الراهن. هناك دائما أشخاص يحاولون أن يستغلوا الظروف، مثل فضائح التنصت في البرلمان الأوروبي التي كشفتها الصحافة". وكان نقد الرئيس الفرنسي شديدا حول الدور الذي لعبته بعض الصحف في تأجيج الأزمة. لكن هذه المزاعم حول وجود علاقات ودية رد عليها مصدر مغربي بالنفي مما يعني استمرار الأزمة بين العاصمتين.

هذا الوضع التاريخي، أي علاقة فرنسا بمستعمراتها القديمة، جعل نفودها يستمر في هذه المنطقة لعقود بعد سنوات الاستقلال، بل ان بعضها تحول الى الحديقة الخلفية لفرنسا التي كانت تحتكر كل شيء من الاقتصاد الى الامن في بعض هذه البلدان. اليوم العديد من هذه البلدان طالبت باريس بإعادة النظر في سياستها وبناء شراكات جديدة، وبعضها طالب بسحب القوات والقواعد الفرنسية التي كانت متمركزة بها مثل مالي والبوركينا فاصو.
 
ويبدو أن سياسة جديدة مع هذه البلدان، لم تتحقق حتى الان رغم ان الرغبة في التحول والتجديد في هذه العلاقات، تتصدر الخطاب السياسي بباريس، فمند عشرين سنة هناك خطاب يتحدث عن ضرورة التحديث لكلن بدون بلورته في الواقع. هناك وعي بفرنسا أن افريقيا تحولت ولا بد من خطاب جديد وشراكات على أسس جديدة. وفي السنوات الأخيرة حاولت فرنسا قطع صلاتها بسياستها القديمة بالقارة وممارساتها المبهمة وشبكات نفوذها الموروثة عن الاستعمار. لكن دون ان تنجح في ذلك. هذا التحول في الخطاب السياسي الفرنسي بدأ مند وصول الرئيس الفرنسي الى السلطة سنة 2017 وخطاب وغادوغو ببوركينا فاصو. وهو خطاب أكد فيه عزمه على طي صفحة سياسة باريس الإفريقية في مرحلة ما بعد الاستعمار، التي شهدت تواطؤا سياسيا وعلاقات متوترة ومد اليد للشباب الإفريقي الذي يعتمد موقفا مشككا جدا حيال فرنسا. لكن عدة سنوات بعد ذلك لم يتغير شيء، وبقي الفعل السياسي مجرد خطاب.

كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قدم نفسه على أنه قائد جيل جديد منددا أمام 800 طالب ب"الجرائم الأكيدة" للاستعمار داعيا إلى "علاقة جديدة" مع إفريقيا وهو ميثاق ينوي توسيعه ليشمل أوروبا".وذلك في خطاب وغادوغو ببوركينا فاصو.
خلال الكلمة التي ألقاها من قصر الإليزيه الاثنين الماضي عشية جولة إفريقية، نجد نفس نبرة خطاب وداغادوغو "يجب أن نبني علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة" مع دول القارة الإفريقية". لكن السؤال المطروح هل فرنسا أدركت التحول في افريقيا وضرورة تجديد علاقاتها، ام ان الامر سوف يتكرر، حيث ان نفس الخطاب قبل 6 سنوات لكن لم تحدث تغييرات في الميدان.
 
الوضع تغير بأفريقيا ولا يمكن لفرنسا ان تستمر بنفس السياسية، سواء على المستوى العسكري والأمني، وهو ما تعكسه العلاقات المتوترة مع عدد من بلدان الساحل التي طالبت بانسحاب الجيش الفرنسي، بالإضافة الى دخول منافسين في مجال الأمني خاصة روسيا.
موسكو متهمة اليوم من طرف الفرنسيين بالتحريض على مشاعر معادية لفرنسا،" وهو ما يردده الاعلام الفرنسي والسياسيون بباريس، في حين ان اغلب المتتبعين بأفريقيا يعتبرون ان روسيا هي فقط تستغل وضعية الاستياء من فرنسا وسياستها بالمنطقة" الذي تشهده العديد من البلدان الافريقية خاصة في السنوات الأخيرة مع بروز شركاء جدد بالقارة السمراء خاصة الصين وتركيا والمغرب.
 
على الصعيد العسكري، قال ماكرون إن "التحول سيبدأ في الأشهر المقبلة عبر خفض ملموس لعدد القوات وحضور أكبر في القواعد العسكرية الفرنسية بالمنطقة لشركائنا الأفارقة"، واعدا بأن "تبذل فرنسا مزيدا من الجهد على صعيد التدريب والتجهيز". من اجل مساعدة الجيوش المحلية.

تنشر فرنسا نحو ثلاثة آلاف عسكري في المنطقة خصوصا في النيجر وتشاد بينما كان عددهم 5500 عنصر قبل فترة قصيرة. لكنها تريد إعادة نشر قواتها العسكرية متوجهة نحو دول خليج غينيا التي عمتها موجة جهادية في السنوات الاخيرة.

يلقى نفوذ فرنسا والدول الغربية اليوم بأفريقيا منافسة كبيرة من الصين وروسيا. فثلاث من الدول الأربع التي سيزورها الرئيس الفرنسي أي الغابون والكونغو وانغولا امتنعت الخميس الماضي عن التصويت على مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا. وأضاف ماكرون أن إفريقيا ليست "منطقة نفوذ" ويجب أن ننتقل من "منطق" المساعدة إلى منطق الاستثمار. وبناء الشراكات وذلك ما تقوم به البلدان المنافسة لها مثل الصين وتركيا.
خلال الكلمة التي ألقاها ماكرون في قصر الإليزيه عشية جولته الأفريقية الأخيرة، أكد على «بناء علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة" مع دول القارة الإفريقية".
ويأتي خطاب ماكرون بعد نهاية عملية برخان لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل واضطرار القوات الفرنسية إلى الانسحاب من مالي وبوركينا فاسو اللتين يحكمهما مجلسان عسكريان مع عداء واضح تجاه فرنسا.
الجميع ينتظر نتائج الجولة الافريقية، ومدى قدرة فرنسا على بلورة سياسة وشراكات جديدة مع البلدان الافريقية، وتحقيق تحول حقيقي بدل الاكتفاء بالخطابات التي اكتفت بها حتى الان. وفرنسا امامها مجهود طويل وصعب لإعادة بناء صورتها بالمنطقة التي تضررت في السنوات الأخيرة.
والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في جولته الأخيرة، سمع من الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي ما تطالب به عدد من البلدان الافريقية، وطالب ان تتعامل فرنسا باحترام وبندية مع البلدان الافريقية. وهو