السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

محمد مصطفى القباج: ورقة حقوق الإنسان سيف مسلط على دول الجنوب 

محمد مصطفى القباج: ورقة حقوق الإنسان سيف مسلط على دول الجنوب  محمد مصطفى القباج
في الجزء الثاني من جلسته الفكرية مع برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية، تحدث الكاتب والباحث الاكاديمي محمد مصطفى القباح في عدة قضايا فكرية حيوية، بعضها يندرج في اهتمامات النخب، وبعضها يهم مختلف شراءح المجتمع.
"أنفاس بريس"  تقدم قراءة في أهم مضامين مداخلات الباحث مصطفى القباج.
 
■ عابد الجابري وأزمة منظومة التربية والتعليم: 
ردا على سؤال من الاعلامي عبدالإله التهاني، يتعلق بالاشكالات التي يواجهها النظام التعليمي بالمغرب، واستحضارا لجوانبها الأربعة التي سبق للمفكر المغربي المرحوم محمد عابد الجابري، أن حددها في أزمة الموروث من عهد الحماية، وأزمة الأسس، وأزمة البنيات، وأزمة الأهداف، وعما إذا كان هذا التشخيص مازالت له راهنيته، أم أننا أصبحنا أمام جيل إضافي من أزمات نظامنا التربوي والتعليمي، جوابا على هذا التساؤل أوضح الأستاذ مصطفى القباج أن المرحوم الجابري؟ كان ثمرة من ثمار التعليم الحر، الذي تأسست مدارسه وثانوياته قبل حصول المغرب على استقلاله، برعاية وتزكية من الملك محمد الخامس رحمه الله.

وشدد على أن التعليم الحر تأسس، لكي يعطي الدليل على أن اللغة العربية، لغة قابلة لأن تكون وسيلة للتربية والتعليم، في كل أصناف المعرفة، بما في ذلك العلوم الدقيقة والعلوم الطبيعية، وأن اللغة العربية كفيلة بأن تعطي للإنسان تكوينا متينا، لتولي المسؤوليات في المغرب، للترقي الاجتماعي أيضا، وذلك ردا على الفرنسيين الذين كانوا ينشرون أن الترقي الاجتماعي في المغرب، لا يكون إلا باللغة الفرنسية، وعبر المرور من أقسام التعليم الأجنبي.

وأبرز القباج في ذات السياق، أن محمد عابد الجابري جاء وقتها بخبرة عميقة في التربية والتعليم، من مهنته كأستاذ أولا، وكمفتش ومتابع للوضع التربوي والتعليمي في المغرب، وأيضا بحكم مواقفه وتموقعه السياسي، الأمر الذي جعله يتصدى لفضح ما فرضه التعليم الاستعماري، على النظام التربوي والتعليمي في المغرب، وأنه انطلاقا من ذلك، تحدث الجابري عن النظام التعليمي الموروث من عهد الحماية، كما تكلم عن الأسس، وعن البنيات والأهداف المرتبطة به، بل وأكثر من هذا، حاول أن ينسق العناصر، وأن يعطي صورة دقيقة على ما ينبغي اتباعه في هذا المجال.
وأوضح الباحث مصطفى القباج، أن المفكر عابد  الجابري كان قد لاحظ أن المغاربة، بسبب الاستعمار كانت لهم نذرة في الموارد البشرية، لدرجة أن المغرب لم يجد في بداية الاستقلال من يدرس في الأقسام الابتدائية، مما جعل الحلول التي جرى اتخاذها في هذا الشأن، حلولا ترقيعية وغير مفيدة.
 
وأضاف القباج بأن من بين القضايا التي ورثناها عن التعليم الاستعماري، أنه كان تعليما غير منظم بشكل موحد، ولذلك وضع المغرب في بداية الاستقلال، سياسة تربوية تعليمية من خلال ثلاثة مبادئ تتلخص في التوحيد والمغربة والتعريب، لكن دون أن  يتحقق أي شيء في هذا المجال.

واعتبر القباج أن الجابري وقف في تحليله عند هذا الحد، لكن بعد ذلك تنوعت المدارس والثانويات في المغرب، وأصبحت هناك مدرسة عمومية، ومدارس وثانويات حرة، وأصبح هناك تعليم خاص فرنسي وآخر أمريكي وآخر  إسباني،  مما تعقدت معه وضعية المنظومة التربوية ، وأدى الأمر إلى نوع من التذبذب وعدم الاستقرار.
 
■ معيقات إصلاح التعليم وغياب استثمار التراكم: 
وأبرز مصطفى القباج أنه ظهرت عوائق في تحقيق الإصلاح، وترميم التعليم بصفة عامة، ومن أهمها غياب التراكم، بحيث كان يتعاقب على تسيير القطاع التعليمي، وزراء من مختلف الاتجاهات والاختيارات، وأن كل وزير كان يقضي على منهجية سلفه، ويبدأ من جديد ، مشيرا إلى أن هناك وزراء مكثوا في الوزارة سنة أو سنيتن فقط، وهذا يعني حسب الأستاذ مصطفى القباج، نه لم يحصل تراكم في السياسة التعليمية بالمغرب، على مستوى التنظيم والتدبير.
 
واستطرد القباج يقول ، بأن الأمور بعد تشخيص عابد الجابري، قد تعقدت بشكل خطير جدا، وأننا نعاني الآن من هذا التعقد، ومن عدة صعوبات في تدبير ملف الإصلاح التربوي والتعليمي. وخلص في حديثه إلى أن تشخيص المرحوم عابد الجابري، كانت له راهنيته بالنسبة لطروحاته، ولكن نظرا لتعقد مشاكل النظام التعليمي والتربوي في المغرب، أصبحنا حاليا أمام عوائق وصعوبات في موضوع إصلاح وترميم هذا النظام التعليمي، معتبرا أننا اليوم في الحاجة إلى مناظرة وطنية، للاتفاق على المعالم والسبل الضرورية، لتحقيق إصلاح للنظام التعليمي والتربوي بالمغرب. وشدد على أن المفكر عابد الجابري قد فتح الباب في هذا الملف، وهذا له قيمته، من حيث الدراسة والبحث والتحليل في ذلك الوقت، وهو شيء مهم يسجل له.
 
■ محمد عزيز الحبابي ومشروعه في تجديد الثقافة المغربية: 
وتحدث مصطفى القباج عن صلاته بالمفكر المرحوم محمد عزيز الحبابي، وعن دوره في تنشيط وتجديد الحركة الفكرية بالمغرب، وفي إشعاع الجامعة المغربية. وأوضح في هذا السياق، أن عزيز الحبابي عاد إلى المغرب من فرنسا، بعد أن صاغ نسقه من خلال أطروحته الرئيسية ( نظرية الشخصانية)، ومن خلال أطروحته الثانية (حرية أم تحرر)، وكذا من خلال الإرهاصات الأولى للتوجه الإسلامي، كدين يقتضي أن نعالج قضاياه بطريقة منهجية شخصانية، كما شرحها عزيز الحبابي. وأضاف في حديثه عن هذا المفكر المغربي، أنه جاء بهذه المكاسب ليقوم بمهام أساسية كان يؤمن بها، أولها مواصلة البحث العلمي، وثانيها المساهمة في تكوين الأطر التي يحتاجها المغرب على كل المستويات، ثم المهمة الثالثة وهي إثراء الجبهة الثقافية في المغرب، وأن الثقافة والإبداع الأدبي لهما  مكانتهما، وأن المثقف يسهم بحظ وافر في تطوير البنيات والسياسات.

وأشار إلى أن المرحوم الحبابي، لم يكن يولي اهتماما لمسألة الإلتزام السياسي، بل كان يهمه الإلتزام العلمي، وليس الانشغال بالتيارات السياسية والسياسوية، لأن همه الوحيد كان هو القيام بمهامه الثلاثة، التي عاد  من أجلها إلى المغرب، مع العلم أنه كان أستاذا في العديد من المؤسسات العلمية بفرنسا، وكان عضوا في المركز الجامعي للبحث العلمي هناك.

وذكر القباج أن هذا الاختيار من الأستاذ الحبابي، لم يرق للكثير من الإخوان العاملين في حقول التربية والتعليم وقتئذ،  فاعتبروا أن له موالاة صريحة، لما نصطلح عليه في السياسة "بالمخزن "، مما أصابه  بخيبة أمل، مضيفا بأن الحبابي جدير بأن نفتح الآن الباب لاعادة الولوج إلى عوالمه، سواء من حيث رؤاه الشخصانية أو رؤاه المتعلقة بالحضارة الإنسانية، وبقضية التقنيات واللغة، وقضايا كثيرة جدا ساهم في تناولها ومعالجتها، داعيا إلى رد الاعتبار إلى هذا تراثه الفلسفي والثقافي المهم جدا، واصفا الحبابي بأنه هو المؤسس الأول لكل البنيات الثقافية التي عرفها المغرب الحديث.
واقترح أن يتم الاهتمام بالمرحوم الحبابي، ضمن البرامج التعليمية على جميع المستويات، وأن يتم تأسيس كرسي خاص به في الجامعات المغربية، وأن نطلق اسمه على بعض  المعالم الحضارية في المغرب، لكي يكون له حضور دائم مستمر، كشخص ساهم في بناء الجامعة والثقافة المغربية، وفي تشجيع كل الاهتمامات الأدبية.
 
 ■ حديث عن الدرس  الفلسفي في المغرب: 
وخلال رده عن سؤال يتعلق بوجوه بارزة في الفكر الفلسفي بالمغرب، من قبيل الباحثين المرحوم محمد وقيدي وعبدالاله بلقزيز، أشاد مصطفى القباج بريادة الاستاذ محمد وقيدي في مجال الابستيمولوجيا، ناعتا إياه بأنه هو من أوحى للمرحوم عابد الجابري  بالانفتاح على هذا الافق المعرفي الجديد في الدراسات الفلسفية.

كما توقف عند الاسهامات النوعية للباحث المغربي عبدالاله بلقزيز، في حقل الدراسات الفلسفية والفكرية ، وقدراته 
في التحليل وفي امتلاك اللغة والقوة والدقة في التعبير، مشيرا إلى مواقفه في الدفاع عن الجوانب المشرقة في التراث العربي والاسلامي.

وبخصوص الدرس الفلسفي بالمغرب بين الأمس واليوم، تحدث مصطفى القباج عن علاقة الفلسفة بالمؤسسة المدرسية أو الجامعية، معتبرا أن درس الفلسفة هو من الدروس التي تحث على الإبداع، لا على التقديس والاستظهار، مما يقتضي معه الرفع من المستوى المعرفي، وإكساب الطالب قدرات ومهارات عامة، أي أنه يشترط أساسا الحرية، ويتعارض مع ما يمكن أن يقف في وجهها من أشياء ،تتعلق بالتقاليد مثلا.

 وأكد على أن الفلسفة لا تكون، بدون الفكر الحر  والفعل الحر، مبرزا أن الدرس الفلسفي عرف مراحل عديدة  صيرورة غير طبيعية، لافتا إلى أن درس الفلسفة في بداية الأمر، كان يعتبر درسا لاستعراض تاريخ الفلسفة، أو للتعرف على الأنساق الفلسفية بصفة عامة، ثم في مرحلة ثانية استعمل درس الفلسفة لتمرير بعض التوجهات السياسية، مع أنه لا علاقة له بهذه الأشياء، لانه لأن يلقن يعلم العقلانية ، في وجه الدوغمائية وضد التعصب، ولا يراد من درس الفلسفة إشعار التلميذ،  بأنه مشروع فيلسوف مستقبلي،  بل أن نعلمه كيف يفكر، و كيف يتعامل مع المعرفة، وبالتالي فإن درس الفلسفة ليس أبدا درسا،  لخدمة أي نظام أخلاقي أو نظام قيمي.
 
وشدد الاستاذ القباج على أنه من المفروض أن يكون درس الفلسفة ، هو إكساب التلميذ منهجية التفكير. 
واعتبر أنه مع تردي المستوى التعليمي، وتردي المستوى اللغوي، أصبح حاضر الدرس الفلسفي مهزوزا، مما ينبغي معه إعادة النظر في الهدف منه، وبالتالي إعادة النظر في مناهجه، وفي طرق تنفيذ تعلماته بصفة عامة، حسب الأغراض والأهداف.
واعتبر أن هذا الوضع جرنا إلى تعدد الأساليب والمنهجيات (البيداغوجية)، وتكاثرت الكتب المدرسية، حيث لم يعد هناك استقرار في المضامين.
وشدد على أن الدرس الفلسفي يجب أن يكون وسيلة،، لكي نمرر خطاب معينا، وهو أن بلدان العالم الثالث بصفة عامة دول الجنوب، في حاجة إلى فكر حر، وفي الحاجة إلى فكر مبدع، وإلى  جعل درس الفلسفة وسيلة تفكير وتحرر فكري،  لا وسيلة إدماج وتقليد.
وأبدى القباج أسفه وهو يلاحظ أن هناك نوعا من التردي في هذا المجال ، حيث أصبح درس الفلسفة  بنظره مهزوزا، بفعل منهجية الشحن والاستظهار، أكثر من استخدام العقل.
 
■ قضايا ومواقف: 
وفي لحظات أخرى من هذه الجلسة الفكرية  ضمن برنامج "مدارات "، تحدث الباحث مصطفى القباج، في قضايا أخرى لها راهنيتها في الظرف الحالي، ومن أزمة المقروءية الهادفة التي تزداد استفحالا، حيث اعتبر أن المغرب يعيش أزمة محدودية القراءة، ولاسيما قراءة الكتاب، إذ لم يعد أي مؤلف مغربي يطبع أكثر من 500  نسخة أو ألف نسخة تقريبا ، داعيا إلى ضرورة رد الاعتبار للكتاب ولتقاليد القراءة، باعتبار الكتاب هو الأبقى.

كما تناول القباج بإسهاب الثلة موضوع مجتمع المعرفة ، وضوابطه الاخلاقية والقانونية والسياسية ، وهو موضوع نادر لم يحظ بكثير من الدرس والتحليل، مبرزا أنه يعتبر  مجتمع المعرفة هو مجتمع العالم الرقمي.

وكانت لحظة قوية في هذه الجلسة الفكرية، حين طرح الاعلامي عبدالاله التهاني، تساؤلا حول الاشكالات الخطيرة التي أصبحت  تتخذ حاليا أبعادا خطيرة، تمس بكيانات وسيادة عدد من الدول ضمنها المغرب، وخاصة ما نراه  اليوم من غلو وتطرف الدول الغربية، من خلال حكوماتها ومؤسساتها المدنية، في استعمال ورقة حقوق الانسان لابتزاز حكومات وشعوب دول العالم الثالث، وتحديدا العربية والإسلامية والإفريقية،وفرض وصاية غربية على هذا الموضوع.

وفي هذا السياق، اعتبر القباج أن الغرب جعلت موضوع حقوق الإنسان، سيفا مسلطا على دول الجنوب، وهدفها من ذلك فرض منظومتها للقيم  وحماية مصالحها.
 
■حسن المنيعي وأحمد الطيب العلج و ثريا جبران:  
ولأن المسرح كان دوما يقع ضمن الانشغالات الابداعية للاستاذ مصطفى القباج، فقد تحدث عن المسرح المغربي بين الامس واليوم ، منبها إلى بعض الاختلالات التي لوحظت في الحقل المسرحي، وصف بعضها بأنها ذات خلفية تكسبية، مبديا أسفه بشأن استفحال بعض الظواهر غير السليمة التي طرأت على سلوكيات بعض الفرق المسرحية، فقط من أجل الظفر بالدعم، مسجلا أن هناك فرقا استفادت من الدعم المالي العمومي على عمل مسرحي، رغم أنها لم تقم بعرضه سوى مرة واحدة. وفي هذا السياق، دعا إلى ضرورة  تخليق الممارسة   المسرحية من أية تصرفات غير سليمة.

وارتباطا بذات الموضوع، استحضر مصطفى القباج ذكرياته عن بعض الرموز المشرقة للمسرح المغربي، حيث أدلى بانطباعاته عن أسماء وازنة كالناقد المسرحي الكبيرالمرحوم حسن المنيعي، والفنانة المرحومة ثريا جبران، والمؤلف المسرحي اللامع المرحوم أحمد الطيب العلج.