الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

الأكاديمي سعيد يقطين يندد بتمريغ كرامة المغاربة بخصوص التأشيرة !

الأكاديمي سعيد يقطين يندد بتمريغ كرامة المغاربة بخصوص التأشيرة ! الأكاديمي الدكتور سعيد يقطين
نشر الأكاديمي الدكتور سعيد يقطين، عبر تدوينة على صفحته بالفيسبوك، مقالة عن محن التأشيرة التي يعاني منها المغاربة على عتبات القنصلية الفرنسية ونظيراتها الأوروبية. ومن خلالها مقاربة لواقع إهانة المغاربة، والظروف التي أدت مغربيا إلى هذه المحنة، وضمنها ظروف الاختيار التعليمي في المغرب. ويتضاعف الأنر حين يتعلق الأمر بالبحث الأكاديمي:
 
" أثارني هذا الأسبوع حدثان يتصل أولهما بالتأشيرة إلى فرنسا، وثانيهما بالسرقة العلمية «الموصوفة» في شعبة الجغرافيا في كلية آداب الرباط. يتصل كلا الحدثين باستغفال الآخر واحتقاره، والتعبير عن المكر والخديعة. وهما خلتان تعبران عن الدناءة، وما يمكن أن يقوم به المرء حين يرى نفسه أحسن من الآخرين، وأذكى منهم.
 
بدد المغاربة ثلاثة مليارات للحصول على تأشيرات «شينغن» إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا سنة 2021، حيث تم رفض 157.100 طلب، وكانت فرنسا أكثر الدول الرافضة. إن المبلغ المبدد على تأشيرة لم يُتحصل عليها قد يكون مضاعفا مرتين، لأن ما يقدم لا يقتصر فقط على ما يدفع إلى الوكالة، بل ما يدفع لإعداد الملف والوثائق المطلوبة، ومصاريف تأمين السفر، وحجز الفندق، ورحلات الطيران، وغيرها من المصاريف الجارية لطبع الوثائق والتنقل، وغيرها. فما الفرق بين سرقة أموال طالبي التأشيرة وسرقة مجهودات الآخرين البحثية، مقابل الوهم بالحصول على «مكانة» في الوسط الأكاديمي؟ إنها التأشيرات الزائفة الدالة على عدم احترام الإنسان، رغم الادعاءات الكاذبة.
 
قبل عدة سنوات دعيت إلى إحدى جامعات ليون لمناقشة أطروحة جامعية، وبدأت إعداد وثائق السفر، وحين رأيت في ذلك إهانة للإنسان، اتصلت بجورج بوهاس، أخبره بالمناقشة عن بعد، فاستنكر ذلك، واحتج على أنهم بعثوا تذكرة السفر؟ ولم أكمل إجراءات الحصول على التأشيرة. بعد مدة دعي بوهاس إلى المغرب، وكنت خارجه، وكم تمنيت أن ألتقي به لأخبره عن المتاعب النفسية التي جرت له أثناء تفكيره في السفر إلى المغرب، وعن الفرق بين الباحث الفرنسي والمغربي؟ وتبين لي بعد ثلاث سنوات، في زيارة إلى البنك أن هناك اقتطاعا سنويا لم أعرف سببه فقيل لي: إنه تأمين السفر إلى فرنسا، ولم يكن هذا التأمين خاصا بي أنا طالب التأشيرة، بل كان شاملا لكل أفراد أسرتي؟ تعجبت واكتفيت بطلب إلغائه، ونحيت من ذهني نهائيا فكرة السفر إلى فرنسا. في السنة الماضية شاركت عن بعد في مؤتمر دولي حول التأطير في السرد العربي والشرقي القديم في جامعة ألمانيا الحرة، بعدما اعتذرت عن المشاركة حضوريا. ودعيت بعدها إلى زيارة الجامعة لتقديم دروس حول السرد العربي لمدة فصل كامل، فاعتذرت مقتصرا على أسبوعين فقط. تمت الموافقة وكانت المراسلة الرسمية دقيقة وشافية. وما إن ذهبت إلى السفارة الألمانية، ورأيت ما رأيت حتى اعتذرت لأني أعتبر كل تلك الإجراءات إهانة حقيقية. تفهّم يوهانس الأمر، وقدّره، واتفق معي أنها فعلا إهانة، وطالبني بالبقاء متصلا بمجموعة البحث التي يشتغلون فيها. وفي يوم 9 مارس/آذار 2023 سأقدم لديهم محاضرة حول السرد العربي القديم عن بعد. لكل دولة الحق في حماية حدودها، لكن المبالغة في ذلك إلى حد جعل الآخر يحس بالاحتقار لا علاقة له بحقوق الإنسان، التي سطروا مبادئها وفق رغباتهم ومصالحهم الخاصة.
 
جئت بهذين المثالين لأبين أن الاستعمار القديم متواصل، وأن الذهنية الاستعمارية لا تفكر في الآخر المستعمر إلا بصفته «س»، ولا يمكنه أن يرقى إلى مستوى أن يكون مواطنا له حقوق، وأن الدولة التي ينتمي إليها لا وجود لها إلا على ورق خريطة. وما على مواطني تلك الدول التي كانت مستعمرة إلا أن يكونوا عرضة للإهانة والسرقة الموصوفة، تماما كما أن على دولهم أن تظل قابعة وخاضعة لوصاية السلطة الاستعمارية المتجددة. لا فرق لديّ بين إهانة مواطن مغربي يريد الحصول على تأشيرة، والتصدي بكل الأساليب الخبيثة والمغرضة للمغرب، وهو يسعى لأن تعامله فرنسا معاملة جديدة لا علاقة لها بالتاريخ الاستعماري.
 
إذا كان طلب تأشيرة «شينغن» يسمح بدخول فرنسا ينتهي بسرقة أموال طالبيها، فإن التأشيرة «العلمية» لدخول الحرم الأكاديمي، وفرض الحضور فيه، يبدأ بسرقة مجهودات الآخرين والدوس على المبادئ والأخلاق التي تربت عليها أجيال من الباحثين، ومنهم الأساتذة الذين ساهموا في تكوين من صاروا يمارسون السرقة العلمية في مختلف صورها وأشكالها.
إن السياسة المتبعة منذ الاستقلال إلى الآن هي التي أدت إلى جعلنا نبدد أموالنا للحصول على التأشيرة إلى البلد المستعمر، أو التفكير في الهرب إليه عبر قوارب الموت، وإن الذهنية التي مارسناها في تعليمنا بجعل التعليم الخاص يعقد شراكات وهمية مع المعاهد الفرنسية هي التي أوصلتنا إلى المشاكل التي يتخبط فيه تعليمنا. كما أن رهن مدرستنا بفرنسا وراء كل المشاكل التي نتخبط فيها إلى الآن، وحتى عندما عملنا على الانتقال إلى النظام التعليمي الجديد مارسناه بذهنية فرنسية فلم نؤسس بنيات البحث وفرقه على النمط الملائم، فصرنا نسمع بين الفينة والأخرى عن أخلاقيات لا علاقة لها بالبحث العلمي. فأصبحت الترقية تتم ليس بالبحث العلمي، ولكن تتعلق بأعمال تقنية فتحت الباب للزبونية والتنافس على احتلال مواقع التسيير والتنسيق، وملء السير الشخصية بما لا علاقة له بالإنتاج والبحث. لذلك لا غرابة إن صارت التأشيرة «العلمية» القائمة على السرقة لا تختلف عن التأشيرة الأخرى، وهما معا تعبير عن المكر، وتدني الأخلاق، وانتشار الانتهازية."