الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

اتجاه الجزائر لطي الخلاف مع فرنسا بشأن بوراوي.. هوس نظام شنقريحة وتبون بعقيدة العداء للمغرب

اتجاه الجزائر لطي الخلاف مع  فرنسا بشأن بوراوي.. هوس نظام شنقريحة وتبون بعقيدة العداء للمغرب عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون وأميرة بوراوي
لم تكن السلطات الفرنسية تتوقع أن تكون لقضية إشرافها على مغادرة الطبيبة والناشطة الجزائرية الفرنسية أميرة بوراوي تونس إلى فرنسا ومنع تسليمها من الأمن التونسي إلى الجزائر تداعيات  على العلاقات الثنائية بين البلدين المفتوحة على  صفحة جديدة على حساب علاقات باريس مع المغرب.

غير أن الواقع يكشف أن غضبة النظام الجزائري في هذه النازلة ستكون عابرة، في ضوء استعداده لإعادة  قنوات التواصل مع باريس، طمعا في الحصول على دعمها لخدمة أجندته في المنطقة ضدا على مصالح المغرب. 
وفي شريط  الأحداث، كانت البداية بأن وظف النظام الجزائري في إطار طبيعته الأمنية نظرية المؤامرة في تعامله مع قضية بوراوي، متهما مصالح الأمن الفرنسية بالمس بالسيادة الجزائرية، بإجلاء المعنية بالأمر بشكل سري وغير شرعي، مقررا، من خلال بيان للرئاسة الجزائرية استدعاء سفيره في باريس للتشاور ، بأثر فوري.

وذهب النظام أبعد من ذلك ، بإصداره تعليقا عبر وكالة الأنباء الجزائرية،في 9 فبراير الحالي  تجنب فيه توجيه أية إساءة للرئيس إيمانول ماكرون، لكنه فتح بالمقابل النار على المخابرات الخارجية التي يقودها السفير بيرنار إيمي، متهما إياها بأنها" أعلنت التعبئة العامة “لخبارجيتها” ،الذين عليهم أن يعلموا أنه إذا فكرت فرنسا في تكرار سنة 2023، سيناريو “خليج الخنازير” فأنهم قد أخطأوا في العنوان".

لقد زعم النظام بهذا الاتهام الذي استنتجه من قضية بوراوي ،التي اعتبر أغلب المراقبين أنها لا تستحق كل هذا التهويل، أنه يرى المؤامرات تحيط به من كل جانب ومهدد بالسقوط وهو يقارن نفسه بوضع نظام فيديل كاسترو في ستينيات القرن الماضي عندما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية  بدون جدوى الإطاحة به.

وفي سياق إثبات هوسه بإبراز عدائه للمغرب وسعيه المحموم للإضرار بعلاقات فرنسا بالمغرب، ادعى النظام العسكري في تعليق وكالة الأنباء أن "الجميع يعلم أنه يوجد على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يتم تنفيذها من قبل عملاء سريين و”خبارجية” وبعض المسؤولين على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي ووزارة الخارجية الفرنسية وكذا بعض المستشارين الفرنسيين من أصل جزائري لا يخفون ولعهم وتبجيلهم للمخزن". وخلص في زعمه إلى "إنه لمن المؤسف رؤية كل ما تم بناؤه بين الرئيسين تبون وماكرون لفتح صفحة جديدة بين البلدين، ينهار وحدوث القطيعة لم يعد بعيدا على ما يبدو".

وسبق للرئيس عبد المجيد تبون، الذي يشكل الواجهة المدنية للنظام الاستبدادي في الجزائر، أن روج  من قبل نفس الافتراءات، معلنا حرصه على فتح صفحة جديدة في العلاقات الفرنسية الجزائرية، لكنه ادعى أن اللوبي المغربي يعمل على عرقلة التقارب بين البلدين.

وتمكن النظام الجزائري في السنة  المنصرمة  من توظيف ورقة الغاز ومالي في محاولة استمالة فرنسا  إلى جانبه، بقيام الرئيس ماكرون بزيارة للجزائر في غشت 2022 لثلاثة أيام تخللها اجتماع مع تبون برفقة كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين من البلدين، أعقبتها بعد شهر واحد زيارة الوزيرة الأولى إليزابيث بورن، بمعية15 وزيراً، أي ما يزيد على نصف حكومتها إلى الجزائر، تم فيها توقيع عشرات اتفاقيات التعاون. وتوصل البلدان أخيرا إلى اتفاق بشأن تشكيل لجنة المؤرخين المشتركة التي أنيط بها بحث قضايا الذاكرة المرتبطة بمرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر. وتمثل المؤشر الهام في التقارب  بين البلدين في الزيارة التي قام بها أخيرا رئيس أركان  الجيش الجزائري، السعيد شنقريحة، إلى باريس واستقباله  من طرف الرئيس ماكرون في قصر الإليزيه، في إطار إعطاء دفعة جديدة للعلاقات الدفاعية والأمنية بين الجانبين، بما في ذلك شراء أسلحة فرنسية والتعاون في التصنيع العسكري وفي منطقة الساحل الأفريقي، التي تحاول فيها باريس التعاون مع النظام الجزائري لخدمة مصالحهما المشتركة. 

وتمت كل هذه المبادرات لصالح الجانب الجزائري في غمرة ما شهدته العلاقات الفرنسية المغربية من برود، غدته مناورات قصر الإليزي للضغط على المغرب، للحيلولة دون تنويع شراكاته مع  القوى الكبرى المؤثرة في العالم، وكبح حضوره الوازن في غرب إفريقيا، الذي يزعم أنه يؤثر على المصالح الفرنسية، فضلا عن تمادي باريس في رفض مسايرتها أمريكا في اعترافها بمغربية الصحراء أو ألمانيا وإسبانيا في إقرارهما باعتبار نظام الحكم الذاتي حلا وحيدا للنزاع المفتعل  في المنطقة.

وقد ابتهج النظام الجزائري للتدهور الحاصل في علاقات فرنسا والمغرب، وزاد ابتهاجه وهو يتلقى من باريس دفعات على الحساب من رصيد المنافع المشتركة بينهما، من قبيل تحريك النواب الموالين لإيمانويل ماكرون بالبرلمان الأوروبي للتصويت على قرار ضد المغرب في قضايا مزعومة تتعلق بحقوق الإنسان وحرية الصحافة،فضلا عن التصويت على توصية أخرى لمنع البرلمانيين المغاربة من ولوج مقره، وترويج مقال جماعي في صحيفة "لوموند" المعروفة بارتباطها بدوائر القرار في فرنسا، يدعو فيها الموقعون عليه  إلى تنظيم ندوة دولية حول قضية الصحراء برئاسة فرنسا، بما يخدم رؤية النظام الجزائري الذي أعلن في أكتوبر 2021 عدم التزامه بقرارات مجلس الأمن المتمسك بالمسار الأممي القائم على مواصلة عقد موائد مستديرة تشارك فيها الجزائر إلى جانب المغرب وموريتانيا والبوليساريو لبحث التوصل إلى حل توافقي وواقعي لقضية الصحراء. 

ولا يزال نظام جنرالات الجزائر ينتظر الحصول من فرنسا على هدايا أخرى تهم تدبير مناورات للنيل من المغرب والإضرار بمصالحه. كما يتلهف لاتصال هاتفي مرتقب من ماكرون إلى تبون يساعده على النزول من الشجرة وتجاوز المأزق الذي وضع نفسه فيه، بتعامله غير المتزن مع قضية الناشطة بوراوي.

وسبق لعلاقات الجزائر مع فرنسا أن تعرضت لمطب أكبر من واقعة إجلاء بوراوي، عندما أنكر الرئيس الفرنسي في أكتوبر 2021 وجود أمة جزائرية قبل استعمارها من فرنسا، قائلا أن الرئيس تبون رهينة لدى القادة العسكريين وأن النظام الجزائري يقتات من ريع الذاكرة. وانحنى هذا النظام لعاصفة التصريحات المثيرة لماكرون، مكتفيا باستدعاء سفيره للتشاور لبضعة أسابيع، قبل إعادته إلى مقر عمله.

والمؤكد أن الثنائي  شنقريحة وتبون سيلحس اتهامه للمخابرات الخارجية الفرنسية بأنها تعمل على تقويض العلاقات بين البلدين وسيعمل في الأجل المنظور على طي صفحة الخلاف مع فرنسا بشأن قضية بوراوي، لأنه يظل مهووسا بتجنيد كل إمكانيات البلاد لخدمة عقيدة النظام المعادية للمغرب ولوحدته الترابية.