الجمعة 3 مايو 2024
اقتصاد

عائشة العلوي: سيطرة الاقتصاديات الخفيّة على بنية اقتصاد المغرب ساهمت فـي الغلاء 

عائشة العلوي: سيطرة الاقتصاديات الخفيّة على بنية اقتصاد المغرب ساهمت فـي الغلاء  عائشة العلوي، خبيرة اقتصاديّة 
قالت‭ ‬الخبيرة‭ ‬الإقتصادية‭ ‬عائشة‭ ‬العلوي‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الوضعية‭ ‬الحالية‭ ‬للمغرب‭ ‬لا‭ ‬تعزى‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية،‭ ‬بل‭ ‬للبنية‭ ‬الإقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يطبعها‭ ‬الهشاشة‭ ‬والتبعية،‭ ‬وكذا‭ ‬لسيطرة‭ ‬الاقتصاديات‭ ‬الخفية‭ ‬على‭ ‬بنيته،‭ ‬أي‭ ‬اقتصاد‭ ‬الريع‭ ‬واقتصاد‭ ‬الظل‭ ‬والاقتصاد‭ ‬غير‭ ‬المهيكل؛‭ ‬وكلها‭ ‬اقتصاديات‭ ‬تنتعش‭ ‬وتزدهر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأزمات،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تجد‭ ‬الظرفية‭ ‬المناسبة‭ ‬لتعمق‭ ‬من‭ ‬هشاشة‭ ‬البنية‭ ‬الاقتصادية‭.‬
‮‬وشدّدت‭ ‬الخبيرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العلوي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬انتعاش‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاقتصاديات‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الأوان‭ ‬الأخير‭ ‬لغياب‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشارها‭ ‬واتساع‭ ‬مجالات‭ ‬تدخلها‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬الغير‭ ‬المعقولة‭ ‬والغير‭ ‬المنطقية‭ ‬لبعض‭ ‬المواد مع‭ ‬أنّ‮ ‬هناك تراجع‭ ‬أسعارها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‮»‬
‮وسارت‭ ‬الخبيرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العلوي‭ ‬في‭ ‬حوارها‭ ‬مع ‭ ‬‮
"‬أنفاس‭ ‬بريس"‬،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يجب‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬منطق‭ ‬تسيير‭ ‬المقاولة‭ ‬وتسيير‭ ‬الدولة‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأوضاع‭ ‬والأوجاع‭ ‬في‭ ‬بلدنا‭.‬ ‮‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ ‬نص‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الخبيرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عائشة‭ ‬العلوي‭.‬
بم‭ ‬تفسرين‭ ‬التنامي‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬والإرتفاع‭ ‬المهول‭ ‬للأسعار‭ ‬في‭ ‬المغرب؟
يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬تفسير‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية-الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬أثمنة‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالاستهلاك‭ ‬والإنتاج،‭ ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬كإحدى‭ ‬أهم‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط‭ ‬والغاز‭ ‬والحبوب‭ ‬في‭ ‬العالم؛‭ ‬لذا‭ ‬الحرب‭ ‬أثرت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬أثمنة‭ ‬السلع‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬ارتفاعا‭ ‬مهولا‭. ‬وكذا،‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬أمريكا‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬إمدادات‭ ‬سلاسل‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمية،‭ ‬لينضاف‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬سياسة‭ ‬«صفر‭ ‬كوفيد»‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬الصين؛‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يؤثر،‭ ‬بالطبع،‭ ‬على‭ ‬اقتصاديات‭ ‬الدول‭ ‬خاصة‭ ‬الدول‭ ‬الافريقية‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬المغرب‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬حدة‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬تبقى‭ ‬رهينا‭ ‬بالبنية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للدولة‭. ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المغربي‭ ‬له‭ ‬مكان‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تكمن‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬في‭ ‬توفره‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬وأراض‭ ‬خصبة‭ ‬للزراعة،‭ ‬وله‭ ‬مكامن‭ ‬الضعف‭ ‬الذي‭ ‬تتمثل‭ ‬بالأساس‭ ‬في‭ ‬التبعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والطاقية‭ ‬والمناخية‭.‬

‮ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نغفل‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬قد‭ ‬مرّ‭ ‬بظروف‭ ‬استثنائية من‭ ‬جرّاءِ‮ ‬الأزمة‭ ‬الوبائية،‭ ‬بحيث‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تداعيات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإنتاج‭. ‬لقد‭ ‬عرفت‭ ‬زمن‭ ‬كوفيد‭ ‬19‭ ‬الإغلاق‭ ‬الشبه‭ ‬الكلي‭ ‬للعملية‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬وهذا‭ ‬بالطبع‭ ‬أثر‭ ‬سلب‭ ‬على‭ ‬الدخل‭ ‬الوطني‭ ‬للدولة‭ ‬وعلى‭ ‬الدخل‭ ‬الفردي‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬والزيادة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬المهمشين‭ ‬والمهمشات‭ ‬والفقراء‭ ‬والفقيرات‭.‬

للإشارة،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفرق‭ ‬بين‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬وبين‭ ‬الركود‭ ‬التضخمي‭. ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬يكون‭ ‬نتيجة‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬أثمنة‭ ‬بعض‭ ‬المواد،‭ ‬وذلك‭ ‬لخلل‭ ‬بين‭ ‬العرض‭ ‬والطلب،‭ ‬بينما‭ ‬الركود‭ ‬التضخمي‭ ‬يعني‭ ‬التضخم‭ ‬المصاحب‭ ‬بتباطؤ في‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة،‭ ‬وهي‭ ‬ظرفية‭ ‬جد‭ ‬صعبة‭ ‬وحرجة؛‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الحالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الحالية‭. ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬اجراءات‭ ‬أو‭ ‬سياسة‭ ‬اقتصادية‭ ‬ناجعة‭ ‬للتصدي‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الظرفية،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬انكماش‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬قد‭ ‬يمتد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬5‭ ‬الى‭ ‬10‭ ‬سنوات؛‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬تترتب‭ ‬مآس‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وأزمات‭ ‬سياسية‭ ‬محفوفة‭ ‬بالخطر‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬الوضعية‭ ‬الحالية‭ ‬للمغرب‭ ‬لا‭ ‬تعزى‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬-كما‭ ‬ذكرت‭ ‬سابقا‭ ‬-‭ ‬للبنية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يطبعها‭ ‬الهشاشة‭ ‬والتبعية،‭ ‬وكذا‭ ‬لسيطرة‭ ‬الاقتصاديات‭ ‬الخفية‭ ‬على‭ ‬بنيته،‭ ‬أي‭ ‬اقتصاد‭ ‬الريع‭ ‬واقتصاد‭ ‬الظل‭ ‬والاقتصاد‭ ‬غير‭ ‬المهيكل؛‭ ‬وكلها‭ ‬اقتصاديات‭ ‬تنتعش‭ ‬وتزدهر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأزمات،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تجد‭ ‬الظرفية‭ ‬المناسبة‭ ‬لتعمق‭ ‬من‭ ‬هشاشة‭ ‬البنية‭ ‬الاقتصادية‭. ‬إن‭ ‬انتعاش‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاقتصاديات‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لغياب‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشارها‭ ‬واتساع‭ ‬مجالات‭ ‬تدخلها‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬الغير‭ ‬المعقولة‭ ‬والغير‭ ‬المنطقية‭ ‬لبعض‭ ‬المواد مع‭ ‬أنّ‮ ‬هناك‮ ‬تراجع‭ ‬أسعارها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭.‬
 
هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬عجزت‭ ‬بقيادة‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬شركاته‭ ‬وفشل‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للمغاربة‭. ‬ما‭ ‬تعليقك؟‮ ‬
يصعب‭ ‬التعليق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لأنه‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬التعقيد‭. ‬سأحاول‭ ‬بإيجاز‭ ‬توضيح‭ ‬الأمر‭.‬
‮ ‬أولا،‭ ‬علينا‭ ‬إعادة‭ ‬طرح‭ ‬سؤال‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإقتصاد‭ ‬والسياسة‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭. ‬هل‭ ‬السياسة‭ ‬هي‭ ‬الموجه‭ ‬للاقتصاد‭ ‬أم‭ ‬العكس،‭ ‬أي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬هو‭ ‬الموجه‭ ‬للسياسة؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬أصبحت‭ ‬تطبعها‭ ‬علاقة‭ ‬هيمنة،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬هو‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬السياسة‭.‬
في‭ ‬اعتقادي،‭ ‬أصبح‭ ‬الإقتصاد‭ ‬هو‭ ‬الموجه‭ ‬والمهيمن‭ ‬على‭ ‬السياسة؛‭ ‬وهذا‭ ‬يتجلى‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬وفيها‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الفوارق،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تتميز‭ ‬بفعلية‭ ‬مؤسسات‭ ‬المراقبة‭ ‬والمحاسبة،‭ ‬التي‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬الأمان‭ ‬بين‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والسياسة،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬تأثير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬محدودا‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬محدود‭ ‬على‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭. ‬بينما‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬أصبح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬يهيمن‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬السياسة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬معه‭ ‬الدولة‭ ‬تلعب‭ ‬أدوارا‭ ‬ثانوية‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬تحمل‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬الأعمال‭ ‬مهام‭ ‬تسيير‭ ‬مؤسساتها‭. ‬والنتيجة‭ ‬الحتمية‭ ‬لهذا‭ ‬الانتقال‭ ‬هو‭ ‬«تفشي»‭ ‬منطق‭ ‬الفردانية‭ ‬والربحية‭ ‬والعلاقات‭ ‬الريعية‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬وهذا‭ ‬بالطبع‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬أهداف‭ ‬الدولة‭.‬
‮ ‬
ثانيا،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬منطق‭ ‬تسيير‭ ‬المقاولة‭ ‬وتسيير‭ ‬الدولة‭. ‬يطبع‭ ‬منطق‭ ‬الأولى‭ ‬الظرفية‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الربح‭ ‬السريع‭ ‬والقيام‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬بينما‭ ‬يطبع‭ ‬منطق‭ ‬الثانية‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬والديمومة،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬المجازفة‭. ‬عندما‭ ‬تتعرض‭ ‬المقاولة‭ ‬للخسائر‭ ‬فإنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬من‭ ‬نشاطها‭ ‬الإقتصادي‭ ‬ومن‭ ‬مكان‭ ‬إقامتها،‭ ‬بينما‭ ‬الدولة‭ ‬فإن‭ ‬عليها‭ ‬الإستمرار‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬وفي‭ ‬المكان؛‭ ‬كما‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والتاريخ‭ ‬والعلم‭ ‬والنشيد‭ ‬الوطني‭ ‬والشعب‭. ‬لذا،‭ ‬نجاح‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬المقاولة‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬الحكومة‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬والعكس‭ ‬غير‭ ‬صحيح؛‭ ‬نجاح‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬الحكومة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬المقاولة؛‭ ‬لكل‭ ‬مؤسسة‭ ‬رهاناتها‭ ‬وإشكالياتها‭.‬
 
تتوفر‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬خبراء‭ ‬ودراسات‭ ‬توقّعية‭ ‬واستشرافية‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المغاربة‭ ‬لا‭ ‬يملسون‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭ ‬أمام‭ ‬الغلاء‭ ‬وارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬العيش‭. ‬كيف‭ ‬تفسرين‭ ‬ذلك؟‮ ‬
هذا‭ ‬السؤال‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالسؤال‭ ‬السابق،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬المستوى‭ ‬الدراسي‭ ‬والشهادات‭ ‬المحصل‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬مسؤول(ة)‭ ‬حكومي(ة)‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬إيجابية‭ ‬ملموسة‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭.‬
بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬جامعية‭ ‬أو‭ ‬دراسية‭ ‬للتمكن‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬وتسيير‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬على‭ ‬المسؤول(ة)‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬اضطلاع‭ ‬بالمعيش‭ ‬اليومي‭ ‬للمغاربة‭ ‬والمغربيات،‭ ‬وعلى‭ ‬دراية‭ ‬بما‭ ‬يحتاجون‭ ‬ويحتجن‭ ‬إليه؛‭ ‬أي‭ ‬عليه‭ ‬(ها)‭ ‬أن‭ ‬(ت) يتوفر‭ ‬على‭ ‬الخبرة‭ ‬في‭ ‬كلما‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للمواطنين‭ ‬والمواطنات‭. ‬المسؤول(ة)‭ ‬الذي‭ ‬(التي)‭ ‬لا‭ ‬(ت) يعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬(القفّة‭ ‬اليومية)‭ ‬للمواطن‭ ‬المغربي‭ ‬وللمواطنة‭ ‬المغربية‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬(ا)‭ ‬اتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬الملموسة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬ارتفاع‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬لأثمنة‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الأساسية،‭ ‬الذي‭ ‬يضغط‭ ‬على‭ ‬دخل‭ ‬المواطن‭ ‬(ة)‭ ‬المغربي‭ ‬(ة)‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬غياب‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬المسؤول‭ ‬(ة)‭ ‬والمواطن‭ ‬(ة)‭. ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬جدية‭ ‬وفعالية‭ ‬ومصداقية‭ ‬المسؤول‭ ‬(ة)،‭ ‬يشكل‭ ‬الحوار‭ ‬والتواصل‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية،‭ ‬بدونهما‭ ‬يصبح‭ ‬المسؤول‭ ‬(ة)‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تنزيل‭ ‬أو‭ ‬إنجاز‭ ‬أهداف‭ ‬مؤسسته‭ ‬وإشراك‭ ‬كافة‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬والاقتصاديين‭ ‬والاجتماعيين‭ ‬وأيضا‭ ‬المواطن‭ ‬(ة)‭ ‬العادي‭ ‬(ة)‭.‬

مهما‭ ‬كانت‭ ‬الشواهد‭ ‬المحصل‭ ‬عليها،‭ ‬يعجز‭ ‬معظم‭ ‬المسؤولين‭ ‬(ات)‭ ‬على‭ ‬إشراك‭ ‬أو‭ ‬الاهتمام‭ ‬‮ ‬بالمواطن‭ ‬(ة)‭ ‬لأنهم‭ ‬(ن)‭ ‬في‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬التواصل‭ ‬معه‭ ‬(ها)‭. ‬الشهادة‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬الكفاءة‭.‬
‮ ‬
هذا‭ ‬الوضع‭ ‬سيؤدي‭ ‬للإحتقان‭ ‬الإجتماعي‭ ‬وله‭ ‬كلفة‭ ‬أمنية‭. ‬ما‭ ‬قراءتك؟‮ ‬
ما‭ ‬بين‭ ‬الأمن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإحتقان‭ ‬الإجتماعي‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬السلم‭ ‬الإجتماعي‭ ‬والإحتقان‭ ‬الإجتماعي‭ ‬خطّ‭ ‬رفيع‭ ‬جدا‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬صمام‭ ‬الأمان‭ ‬بين‭ ‬الإنتقال‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬إلى‭ ‬الإحتقان‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الحوار،‭ ‬وهي‭ ‬الآلية‭ ‬التي‭ ‬تغيب‭ ‬ويحل‭ ‬محلها‭ ‬الشب‭ ‬والصب‭.‬

المواطن‭ ‬(ة)‭ ‬ليس‭ ‬غبي‭ ‬(ة)،‭ ‬علينا‭ ‬احترام‭ ‬مختلف‭ ‬الذكاءات‭ ‬التي‭ ‬تتأثر‭ ‬مع‭ ‬الرقمنة‭ ‬والثورة‭ ‬التكنولوجية‭. ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬استبدال‭ ‬المعلومة‭ ‬المراد‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬المصدر‭ ‬الرسمي‭ ‬بتلك‭ ‬الذي‭ ‬ينتجها‭ ‬مصادر‭ ‬مختلفة‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬أجندات‭ ‬خارجية‭ ‬معينة‭.‬

يعي‭ ‬المواطن‭ ‬(ة)‭ ‬تماما‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتأزمة،‭ ‬إنه‭ ‬يعلم‭ ‬من‭ ‬يستفيد‭ ‬ماديا،‭ ‬ومن‭ ‬تدهورت‭ ‬ظروفه‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمادية‭. ‬إنه‭ ‬يعلم‭ ‬بأن‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬أصبحت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬اقتصادية‭ ‬جد‭ ‬مزرية،‭ ‬ألقت‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الهشاشة‭ ‬والفقر‭. ‬بالطبع،‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬كلفة‭ ‬أمنية‭ ‬كبيرة‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬التراجع‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬منسوب‭ ‬الثقة‭ ‬وفي‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭.‬

ملف‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬مهم‭ ‬جدا‭. ‬لا‭ ‬يهمنا‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬الآخرون‭ ‬(الأعداء‭ ‬أو‭ ‬الأصدقاء)،‭ ‬لكن‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ ‬(أهل‭ ‬مكة‭ ‬أدرى‭ ‬بشعابها)‭. ‬نحن‭ ‬نعرف‭ ‬وضعيتنا،‭ ‬ونعرف‭ ‬رهاناتنا،‭ ‬ونعرف‭ ‬التراجع‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬ملف‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬ونعرف‭ ‬تراجع‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬في‭ ‬تأطير‭ ‬الشباب،‭ ‬ونعرف‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الجمعوي،‭ ‬ونعرف‭ ‬مستوى‭ ‬انخفاض‭ ‬منسوب‭ ‬الثقة‭ ‬ومستوى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الضغط‭ ‬الإقتصادي‭ ‬على‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية،‭ ‬(ونعرف‭...‬)‭ ‬لذا‭ ‬هناك‭ ‬احتمال‭ ‬كبير‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬إلى‭ ‬احتقان‭ ‬اجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يزداد‭ ‬(مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت)‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬سياسات‭ ‬مواكبة‭ ‬خصوصا‭ ‬وأننا‭ ‬مقبلين‭ ‬على‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬وما‭ ‬يليها‭ ‬من‭ ‬مناسبات‭ ‬دينية،‭ ‬وما‭ ‬يصاحبها‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬ميزانية‭ ‬الأسر‭. ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المأزم‭ ‬هو‭ ‬بروز‭ ‬بعض‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية-الإجرامية‭ ‬الخطيرة‭ ‬كتلك‭ ‬الذي‭ ‬اندلعت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأسواق‭ ‬المغربية‭ ‬(على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬والقنيطرة)‭. ‬وبذلك،‭ ‬تعم‭ ‬الفوضى،‭ ‬و«الفوضى»‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬الحرب)‭ ‬أو‭ ‬تندلع‭ ‬انتفاضات‭ ‬شعبية‭ ‬دون‭ ‬تأطير‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬المعارضة‭ ‬أو‭ ‬النقابات‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭.‬

‮‬بالمقابل،‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬مخاطر‭ ‬وتهديدات‭ ‬(إقليمية‭ ‬ودولية)،‭ ‬إذ‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬يقظين‭ ‬ولا‭ ‬نستهين‭ ‬بما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المزرية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية‭ ‬خصوصا‭ ‬الشباب‭ ‬وبعد‭ ‬فئات‭ ‬النساء‭ ‬كالعاملات‭ ‬في‭ ‬المقاولات‭ ‬غير‭ ‬المهيكلة‭ ‬والقطاع‭ ‬الفلاحي‭. ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬آثار‭ ‬الجفاف‭ ‬وما‭ ‬يسببه‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬العاملات‭ ‬الزراعيات‭ ‬وانخفاض‭ ‬دخل‭ ‬الفلاح‭ ‬الصغير‭.‬

أخيرا،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نبقى‭ ‬متفائلين‭ ‬(ات)‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬نخبة‭ ‬مغربية‭ ‬غيورة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬البلد،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬القضايا‭ ‬بكل‭ ‬جدية‭ ‬ومسؤولية‭ ‬وجرأة‭ ‬بدل‭ ‬النقاشات‭ ‬الفضفاضة‭ ‬الذي‭ ‬تنامت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬المطبوعة‭ ‬بمواقف‭ ‬وتحليلات‭ ‬مسطحة‭ ‬وأحيانا‭ ‬مغلوطة،‭ ‬لا‭ ‬تعالج‭ ‬عمق‭ ‬الإشكالات‭ ‬البنيوية‭ ‬للمغرب‭.‬