الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

الفنان حجيب صنع نجوميته بمختبر مجال الرحامنة والحوز (1)

الفنان حجيب صنع نجوميته بمختبر مجال الرحامنة والحوز (1) الزميل أحمد فردوس رفقة الفنان الشِّيخ حجيب فرحان

النبش في طفولة الفنان الشِّيخ حجيب فرحان في علاقة ارتباطه مع منطقة الحوز عامة والرحامنة خاصة يمنح جليسه الشيء الكثير للحديث عن مساره الإبداعي كنجم متألق حفر اسمه بالكدِّ والاجتهاد، رغم الإكراهات والتحديات. على اعتبار أنه اليوم يعتبر واحدا من ألمع سفراء شيوخ فن العيطة والغناء والثقافة الشعبية (الغناء وفن القول والحكي والنكتة...)، بعد أن اكتسب بفضل خبرته وتدرجه الميداني على سلم أسرار "مَشْيَخَةْ الرْمَا"، حيث استطاع أن يفرض نفسه في الساحة الفنية المغربية وخارج الوطن بدون منازع.

لا جدال في كون الشِّيخ حجيب قد وهبه الله تلك الخامة الصوتية السّاحرة، التي يصدح ندائها العيطي بالألم والمعاناة، بالفرح والسعادة، ذلك النداء المنبعث من أعماق تربة أرض بادية الرحامنة الشّاسعة الأطراف، والتي رسمت خرائط جغرافيا القرب الممتدة عبر التاريخ بفعل الإنسان والمجال والعمران... فكان أن حمل على عاتقه رسالته الفنية الذائعة الصيت، حيث تكبد فيها عناء ومعاناة تتبع آثار الرواد من "مَشْيَخَةْ الرْمَا" وما خلدوه من أعمال فنية توثق بأسمائها لأحداث و وقائع في سياقات تاريخية معينة.

كانت جلسة جريدة "أنفاس بريس" مع عملاق الفن الشعبي المغربي عامة وفن العيطة خاصة بأرض الرحامنة، بنكهة الإنسان البدوي التلقائي الذي يستظهر أوراق مذكرات هوية وأصول طفولته هنا والآن. جلسة حميمة استرجع فيها الرجل ماضي الزمن الجميل وهو يركض بين مروج وحقول القرية والقبيلة التي تدون بمداد الفخر أصول وانتماء والديه اللذين ينتسبان لفروع أهل الصحراء الوافدين على المنقطة.

لقد كان الفنان الشِّيخ فرحان حجيب، طفلا عاشقا للحرية مثل أقرانه الوافدين من المدينة إلى القرية أيام العطل، شغوفا ومرحا، يتتبع بنباهة ويراقب عن قرب ويستمع بحذاقة لنبض العشق الأزلي الذي أَلَّفَ بين قلوب أهل الرحامنة كبارا وصغارا في الصراء والضراء، في الأفراح والأعراس والمآثم. كان الطفل الرباطي (مسقط الرأس) متحمسا للاستمتاع خلال تجمعات أهل القبيلة تحت ظلال شجرة التراث والثقافة الشعبية وهم يستظلون تحت خيمة شيوخ "الرْمَا" للتنفيس والترويح عن همومهم ومعاناتهم في الحياة الشاقة والمتعبة.

في مناسبات الفرجة التي كانت تقام بأرض الرحامنة الطيبة بعد موسم الحصاد صيفا، انبهر الطفل حجيب بأصوات الرجال والنساء، وسلبته ميازين وإيقاعات ومرددات وأغاني المنطقة الخلابة بتلالها وجبالها ووديانها وهو يسترق السمع لمواويل الرعاة الممزوجة بثغاء رؤوس الأغنام وصهيل الخيل، واندهش مثل الوافدين من عائلات الرحامنة من لغة الحكي والسمر الماتع بطقوس وعادات وتقاليد ورثها الآباء عن الأجداد، حيث تلاقحت فيها خصوصيات تراث وفنون الصحراء بتراث وفنون الحوز والرحامنة وعبدة وأحمر ودكالة. وزاد تعلق الطفل حجيب بالمنقطة بعد أن امتزجت هذه الأشياء برائحة البارود ورقص الخيول الجميلة والفرسان الشجعان المدثرين بلباسهم الأنيق وبنادقهم وسكاكينهم، فتعلق قلبه بالإيقاع والميزان في حضرة شيوخ "الرْمَا".

في سياق لقاء جريدة "أنفاس بريس" بالفنان الشيخ حجيب بعاصمة الرحامنة مدينة بن جرير، كانت لنا مجموعة من الأسئلة تمحورت حول طفولته وارتباطه الوثيق بأرض الرحامنة التي التهم بنهم من رحيق أزهار بساتين حقولها شهدة عسل منتوج التراث والثقافة الشعبية بمجال الحوز عامة والرحامنة خاصة.

فكيف تعامل الشيخ حجيب مع أنماطها الغنائية (الحوزي وحمادة..) ومزيجها الذي تمخض عنه نمط غناء ما يسمى بـ "لَـﯕْبُورِي" الذي تمتاز به نساء الْمَايَةْ "الَّلعَبَاتْ" خصوصا العزوزيات (شَايْ الله أَسِيدِي بَنْ عَزُّوزْ)؟. بالإضافة إلى سؤال علاقة وتقاطع وتكامل الأبحاث الميدانية المستعصية مع الأبحاث الأكاديمية ذات الصلة، وأسئلة أخرى لها ارتباط بمسؤولية ومهمة التوثيق والحفاظ على التراث والموروث الثقافي الغنائي بتعدد روافده وخصوصياته عبر ربوع الوطن من طرف الجهات المختصة، خصوصا نمط الغناء العيطي الحوزي (الْعَيْطَةْ الْمَسْمُومَةْ) بلغة شيوخ العيطة، بمعنى العيطة الصّعبة المنال، التي تتعرض اليوم للانقراض والإندثار بفعل عدة إكراهات وتحديات.

ترقبوا (ن) حلقات الشيخ حجيب فرحان بجريدة "أنفاس بريس" التي تمخضت عن الجلسة الثقافية والفنية والتراثية بأرض الرحامنة، مع نجم الأغنية الشعبية وفن العيطة الفنان الشيخ فرحان حجيب والتي كانت بحق سفرا ممتعا للنبش في بدايات الطفل الذي تشبع بفنون الحوز والرحامنة، و الذي رسم مساره الإبداعي واستطاع أن يدخل لقلوب ملايين المغاربة سواء داخل أو خارج الوطن.